'كُردستان' العراق: خلافات 'الثُنائي الحاكِم'..تتجدّد!!

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/15 الساعة 02:18
ثمة خلافات جديدة تُضاف الى تُراث من الخلافات القديمة, بدأت تفرض نفسها بقوة, على علاقات الحِزبين الحاكِميْن (حتى لا نقول الحليفيْن) في كردستان العراق.اي بين الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة،رئيس الاقليم السابق/مسعود بارزاني، وحزب "الاتحاد الوطني" الكردستاني برئاسة بافل طالباني، نجل الرئيس الاسبق الراحل/جلال طالباني (مام جلال). لم يتردد بعض المراقبين في الاقليم القول: إن الاتحاد الوطني بات يُلوّح بعودة حُكم "الادارتين". أي إدارته "مُنفرداً" محافظة السليمانية والمناطق الشرقية المُتاخمة للحدود مع إيران, بما هي معقله الرئيس. فيما يتركّز نفوذ الحزب الديمقراطي/البارزاني, في محافظة اربيل وزاخو ودهوك ومناطق غرب الإقليم المُحاذية للحدود التركية/والسورية.
معروف أن الخلافات بين الحزبين الرئيسيّين, ليست جديدة بل هي قديمة تكاد جذورها تبدأ من العام 1975, عندما "انشقّ" مام جلال على الزعيم الكردي الأشهر المُلا مصطفى البارزاني, بعد اتفاق الجزائر الذي تم توقيعه بين نظام شاه إيران وحكومة بغداد, وتخلّي طهران عن الحركة الكردية. ما ادى إلى إضعافها. ناهيك عما تلا انبثاق حزب الاتحاد الوطني, من حال احتراب ومُواجهات عنيفة وصلت ذروتها منتصف تسعينيات القرن الماضي. أسهمَ في تدخل الولايات المتحدة بزعم وضع حد لحرب "الأخوة"، خاصة أن واشنطن كانت قد أوجدت لنفسها موطئ قدم ونفوذ كبير في الإقليم, بعدما فرضتْ حظراً جوياً على العراق شمل إقليم كردستان/خط العرض30، وكانت حرب "عاصفة الصحراء" التي قادتها إدارة بوش الأب منتصف كانون الثاني1991 لتحرير الكويت، الفرصة الأكبر التي انتهزتها واشنطن لتكريس حضورها في إقليم كردستان العراق, وصل حدود التحالف مع الحزبين الكرديين بعد الغزو الأميركي/البريطاني للعراق في آذار2003.
ما علينا..
خلافات "الاتحاد/والديمقراطي" أعمق مما يظهر على السطح, ليس فقط في ما طرأ عليها من تصدعات بعد رحيل مام جلال, واندلاع حرب الوراثة داخل حزبه/الاتحاد الوطني (دع عنك انشقاق القيادي في الحزب نيشروان مصطفى وتشكيله حركة التغيير (كوران) في العام 2009 (أي قبل سنوات من رحيل مام جلال)، وإنما أيضاً في "النصر الكبير" الذي حقّقه الحزب الديمقراطي/بارزاني في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة (10/10/2021) حيث حاز على 31 مقعداً مُحتلاً المرتبة الرابعة في البرلمان العراقي, بعد الكتلة الصدرية وتحالف "تقدّم" السًّني وائتلاف دولة القانون/نوري المالكي.. ما منحه قوة إضافية "غطّت" إلى حد كبير على "الهزيمة" التي لحقت به بعد مغامرة "الاستفتاء", الذي أصر الزعيم مسعود بارزاني على إجرائه في 25 أيلول 2017,والذي أفضى في النهاية إلى "كارثة" سياسية وعسكرية على الإقليم.
فائض القوة الذي استشعره "البارتي" انعكس على علاقاته مع "شريكه"الاتحاد الوطني, رغم تقاسمهما الحصص والمواقع في حكومة الاقليم. لكن علاقات الحزبين اتّسمت على الدوام بالتوتر والشكوك وانعدام الثقة. والذي تمثل في انقلاب الحزب الديمقراطي على التفاهمات القديمة بتقاسم منصِبيّ رئيس الإقليم ورئيس الجمهورية. إذ تضمّنت أن يكون رئيس الإقليم من حصة الديمقراطي، فيما تتولى شخصية من الاتحاد الوطني رئاسة جمهورية العراق. وهو ما حصل منذ العام 2005 بوصول "مام جلال" إلى هذا الموقع, ثم خلفه فؤاد معصوم في العام/2014 وبقي برهم صالح في القصر الرئاسي بعد مغادرة معصوم, حتى تشرين الأول الماضي. بعد اندلاع خلافات بين الطرفين الكرديّين وإصرار "الديمقراطي" على ترشيح شخصية من حزبه (رغم أن رئيس الإقليم من الحزب نفسه).. ورفضه (البارتي) التجديد للرئيس برهم صالح. إلى أن تم انتخاب الرئيس الحالي/عبداللطيف رشيد (بدعم من الحزب الديمقراطي, رغم أنه محسوب على الاتحاد الوطني).
جديد هذا التراث الطويل من الخلافات بين الحزبين, هو قرار الاتحاد الوطني "مقاطعة" اجتماعات حكومة الإقليم المُوحدة (تم التوصل لصيغة المجلس الوزاري الموحد في الإقليم عام 2006). قيل في تبرير قرار المقاطعة هو شعور "الاتحاد" بأن "الديمقراطي" ماضٍ في مسار خطط له مسبقاً خاصة بعد انتصاره في الانتخابات الأخيرة, للاستئثار بالمناصب والامتيازات والتصرّف مُنفرداً كحزب حاكم للإقليم, دونما اعتبار لشريكه أو احترام الاتفاقات والتفاهمات السابقة, سواء في الملفات الداخلية الخاصة بالإقليم, أم بمحاولة الديمقراطي فرض تحالفاته السياسية "الخارجية" على الإقليم.
وإذ من غير الحِكمة تجاهل طبيعة وعمق وحجم الخلافات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد. إن في شأن الموازنة العامة وحصة الاقليم فيها 17%، وتطبيق المادة "140" من الدستور الخاصة باجراء استفتاء في الإقليم. أم في شأن مبيعات نفط وغاز الإقليم, و"توريد عوائده" إلى الخزينة المركزية في بغداد, فضلاً عن قضايا وملفات عديدة، فإن تلويح الاتحاد الوطني بالعودة إلى "نظام الإدارتين" وقيام كل حزب منهما بإدارة مناطق نفوذه، إنما يرفع من منسوب التوتر الذي قد يفضي إلى مواجهات جديدة. في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية ومعيشية واضطرابات متلاحقة يعيشها الإقليم فاقمتها جائحة كورونا.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/15 الساعة 02:18