نقاشات ضرورية لفهم الأزمة وتجاوزها
من يدير النقاش العام في بلادنا ؟
الإجابة التي كشفتها أزمة النقل والمحروقات تشير إلى عنوانين اثنين : أحدهما الشارع، والآخر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي سوق المزادات السياسية، يمكن أن نرصد كل ما يخطر إلى الأذهان من تصريحات ومقايضات، تارة باسم المزاودة، وتارة أخرى باسم اللعب على الجمهور، ومن يدفع الثمن هم الأردنيون، في بلد ليس لهم غيره .
لدينا أزمة عميقة ومتراكمه، نخشى أن تتوسع، ونلحّ كثيرا على فهم سياقاتها، وتطويق ما أشعلته من حرائق، لا يراودني أي شك بأن مطالب الأردنيين مشروعة، وفي صميم المحنة التي تحملوها وصبروا عليها طيلة السنوات الماضية، وبأن وطنيتهم تسموا على كل ما قد يقال عنها من توصيفات، الغائب في النقاش الدائر هو المصارحة بين الدولة والأردنيين، هذا واجب الحكومة والإعلام معا، ويجب أن يكون في صلب الأولويات.
في هذا الإطار، أستأذن بالإشارة لعدة قضايا حول الأزمة التي مازلنا نبحث عن حلول مرضية لكل اطرافها، وهي ليست صعبة، لكن الأصعب هو أن نفهم الأرضيات التي خرجت منها، والمآلات التي يريد البعض أن تفضي إليها، الأردنيون بوعيهم يدركون أن ثمة خطة خبيثة تسعى إلى إيقاعهم في «فخ» الخصومة مع الدولة (دولتهم) و إداراتها، ويدركون، أيضا، انه تمرير استحقاقات المرحلة القادمة من بوابة العبث بالديموغرافيا، وتصنيف الأردنيين على مساطر أصبحت معروفة، هو جزء من هذه الخطة، ولن يتوقف عندها أيضا .
لدى الأردنيين «قضية وطنية» ما زالت في طور الإنضاج، وفي مواجهتهم محاولات لحرف هذه القضية وتوظيفها في سياقات تضرّ بهم وبمؤسساتهم، بل وربما تتجاوز ذلك إلى تهديد وجودهم، لا بأس أن تكون المطالبات والصرخات التي نسمعها من الأطراف المهمشة إنذارات لكل الذين يتربعون على كراسي المسؤولية بكافة إدارات الدولة ومؤسساتها، هذا إنجاز يجب أن يحظى بالاعتراف والاحترام، لكن الأهم هو أن نفتح عيوننا على السياقات التى خرج منها أولا، وعلى الانصات والاستجابة له بكل مسؤولية ثانيا، ثم أن نمنع أي عملية اختراق أو دخول او توظيف له خارج إطار القضية الأردنية .
لدي هنا عدة مخاوف وهواجس مما يجري، الأول إعادة فتح الشارع الذي حاولت الدولة ( لاسباب معروفة ) بكل إمكانياتها أن تغلقه منذ نحو أربع سنوات، الثاني غياب العقلاء، سواء في دفة المسؤولية أو المجتمع عن النقاشات التي تجري، وامتناعهم عن المشاركة فيها، الثالث توظيف « لافتة» الكرامة لاستدعاء المظلوميات التي يشعر بها الأردنيون، هذه لمن يعرف الشخصية الأردنية مسألة خطيرة، ويجب أن نتعامل معها بحكمة وبمنطق الدولة، لا بأي منطقة آخر، الرابع اختزال الأزمة في قطاع النقل فقط، وفي دائرة جغرافيا و ديموغرافيا واحدة، دون فهم أسباب ذلك، أو دون حل ألغاز التحولات التي طرأت على الإدارات العامة للدولة، وأفرزت مخاوف العبث بالهوية أو بالمكتسبات التاريخية لدى الاردنيين .
قلت : نحتاج إلى إدارة النقاش العام حول هذه الأزمة من منطلق مصارحة الأردنيين ومصالحتهم، وتطمينهم و الإجابة عن اسئلتهم، وتبديد هواجسهم على مستقبل بلدهم، أضيف فقط أن هذه المهمة تحتاج إلى رجالات دولة قادرين على إيصال الرسالة بخطاب وطني صادق، وبروح اردنية عالية الهمة والموثوقية.