جردة حساب مونديالات قطر..
بداية انطلاق تصفيات كأس العالم في قطر، كتبت في هذه الزاوية مقالة، ذكرت فيها بانه ثمة أكثر من مونديال انطلق في قطر، الدولة العربية الكبيرة بأثرها ومواقفها، واستراتيجياتها المتميزة، التي تستحق عليها أكثر من الشكر.
قلنا بأن هناك أكثر من مونديال، ومبارزة، وسجال، تنطلق بشمول صاخب، من ارض وسماء وفضاء دولة عربية ليست أهميتها مجرد وجود المال، وكنت أعلم يقينا بأن فوائد وعوائد هذا الحدث الأثير بالنسبة للكبير والصغير حول العالم، ستكون من كل الأحجام، كثيرة كبيرة، ويمكن أن نعتبرها مناسبة المونديال وما بعدها، يوم، للتأريخ لثقافة المنطقة العربية، ولثقافة العالم ومدى معرفته بشخصية وهوية هذه الجغرافيا الواسعة، وثقافات شعوبها وأديانها ومنظومة قيمها، ولا أعتقد بأن مناسبة حدثت او تحدث، ولا بطولة رياضية حدثت عبر تاريخ الكوكب، وكان لها هذا الفعل بل هذا العصف التثقيفي، المبثوث الى كل بيت في العالم.. أجزم بأن كل من حمل هاتفا خلويا اكتسب معرفة او معلومة جديدة، عن عالم لم يعرفه سابقا، حتى لو كان عربيا فقد اكتسب معارف، وفهم فكرة، وانتابه فخر وأمل، وكلها جديدة في عالم تقوده عنصرية مدعومة بمضخات ميديا متوحشة.
لا أحد مهما كانت امكانياته اللغوية والمهنية في الاعلام والتنظير، يمكنه تقديم جردة حساب كاملة عما جرى من فعل تثقيفي في هذا المونديال، وذلك بسبب شدة الضوء منه وحوله، لحدوثه في دولة عربية، أعدت له جيدا، وتعاملت مع العالم بأسلوب لم يعرف مثله ولم يتوقعه، حتى الامبراطوريات الكبيرة المعروفة، لم تتوفق يوما بتحقيق مثل هذا التأثير على الوعي، والسلاسة في التنظيم، والنتائج الإيجابية الكبيرة، التي جاءت في صالح العرب وكثيرين غيرهم، وبقدرة قادر جاءت ضد صالح و»مصالح» قوى الشر والتضليل والخداع.
الرياضة وبطولاتها، هي ذراع تثقيفية، أو من المفترض أن تكون هكذا، ولم نلمس هذه الحقيقة بكل وضوح الا من خلال مونديال قطر، وقد تجرع العقل حول العالم بجرعة تثقيفية جزلة عن العرب وأخلاقهم وقيمهم الإنسانية، وعن صورتهم الحقيقية، ولا أعني فقط «فخر العرب بقطر وجهودها»، بل أعني ايضا ما فعله كل مواطن عربي من تأثير بكل شيء قام به أمام الناس او من خلال هاتفه، فالجميع تفاعلوا بصدق مع الحقيقة الغائبة عن الدنيا، والتي ما زالت بعض القوى تحاول جاهدة لطمسها وتشويهها، ومما جعل الدروس التثقيفية مصدرا خلاقا، تبحث عنه الشعوب الأخرى، هو أداء المنتخبات العربية المشاركة بالمونديال، ففي اليوم الأول فجر المنتخب السعودي مفاجأة مدويّة، نتمنى ان يجيب صداها المنتخب المغربي خلال آخر يوم من هذه البطولة أو على الأقل في آخر يومين، ليكون الدرس الأول من الحدث عربيا بامتياز، وبالتقاطة تاريخية ليس من السهل أن تتكرر.
أما على صعيد الدروس الأخرى، فسوف تحتاج لجهود من الميديا العالمية المضللة، لطمسها، وتغييب تأثيرها، فهي خرجت خارج كل توقعاتهم، وتجاوزت كل استراتيجياتهم في التضليل والتزوير والتشويه والخداع والتآمر، وكبدتهم خسائر لن يعترفوا بها بسهولة او بصعوبة، فهي دروس وحقائق، فعلت كعصا سيدنا موسى عليه السلام، إذ لقفت كل ما يأفك السحرة والشياطين تجاه المنطقة وشعوبها العربية، وهويتها الانسانية والثقافية.
سيكون عملهم مزدهرا بلا شك، وسوف ينشطون من جديد ضد قطر وضد كل العرب، وسيضرمون كل أنواع الحرائق، والسبب أنه قد «تبدّى» لعين العالم ومضة عربية انبعثت بلا قصد، ولا ترتيب او نية من أرض وسماء قطر.
لنقتنع جميعا في النهاية بأن الله غالب.