الحكمة الصينية في التعاملات السياسية والاقتصادية مع منافسيها

م. مهند عباس حدادين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/14 الساعة 00:28
في هذه المقالة سنتحدث عن الصين وطريقة تعاملها مع منافسيها أو خصومها إن جاز التعبير من الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا خلال العقد الماضي ولغاية تاريخنا هذا.
تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأميركية بناتج إجمالي بلغ 17.73 ترليون دولار عام 2021, في حين بلغ الناتج الإجمالي للولايات المتحدة التي تتربع على الاقتصاد العالمي لنفس العام 23 ترليون دولار , بينما بلغ الناتج الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي 17.09 ترليون دولار.
لقد تعمق الصراع الاقتصادي بين الصين وأحد أكبر منافسيها وهي الولايات المتحدة زمن الجمهوريين برئاسة دونالد ترمب , والذي كان يؤمن طيلة حكمه بقوة الاقتصاد الأميركي الذي سيجعل الولايات المتحدة أكثر قوة, كونه رجل أعمال واقتصاديا يعي التفوق الاقتصادي وقيمته بعيداً عن الصراعات العسكرية مع منافسيه من الدول العظمى مثل الصين وروسيا, إضافة إلى تأخره في الاستجابة بالتضييق على الاقتصاد الأميركي زمن جائحة كورونا حتى لا يتأثر اقتصادها.
حاول ترمب حينها الضغط على الاقتصاد الصيني ومحاربته, ومنع التكنولوجيا عنها بشتى الوسائل والطرق وفرض مزيد من الضرائب على السلع الصينية وقيود أخرى, لكن الحكمة الصينية وتفهمها بأن أي صراعات مع الولايات المتحدة وخصوصاً في المجالات العسكرية ستجعل منها الخاسر الأكبر, حيث قامت الصين حينها بالانفتاح الكامل على أوروبا وعلى العالم وبدأت تخطط بكيفية زيادة استثماراتها وترجيح كفة الميزان التجاري لصالحها مع جميع الدول , واستطاعت اجتياز جائحة كورونا بأقل الخسائر الاقتصادية وعادت كأسرع دولة في العالم لتحقيق نسب نمو ما بعد الجائحة, حيث أن دينها العام بلغ 15.5 ترليون دولار في حين بلغ دين الولايات المتحدة 31.8 ترليون دولار حسب احصائيات هذا العام.
بعد فشل الجمهوريين بدخول البيت الأبيض مرة ثانية برئاسة ترمب, استلم الديمقراطيون برئاسة جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة والذي بدأت حينها المصاعب الاقتصادية خلال جائحة كورونا , وأقدم الرئيس حينها على ضخ سيولة 3000 مليار دولار أثناء جائحة كورونا للشعب الأميركي , والذي لاقى انتقاداً كبيراً من منافسيه من الحزب الجمهوري , وخصوصاً أن ملامح التضخم أصبحت واضحة ومسيطرة في الولايات المتحدة بعدها, ولم تفلح جهود سياسات الفيدرالي بكبح جماحه, وحيث أن أحد أسباب التضخم نتج عن بعض الإغلاقات الاحترازية لمرافق الحياة المختلفة من نشاطات تجارية وخدماتية وأسواق وغيرها, مما أدى إلى توفير سيولة بأيدي الأميركيين أدى إلى ارتفاع غير مبرر في الأسعار, ومما زاد من ثقل كاهل الاقتصاد الأميركي, الحرب الروسية- الأوكرانية التي لم يكبح جماحها الرئيس الأميركي قبل العملية العسكرية الروسية, مما انعكست آثارها بالسلبية على الاقتصاد الأميركي من ارتفاع بأسعار الطاقة والسلع وكلفة تمويل الحرب التي لا تُعرف تاريخ نهايتها.
لقد أراد الديمقراطيون بدفع الصين المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة للقيام بعملية عسكرية على غرار العملية العسكرية التي قامت بها روسيا في أوكرانيا, من خلال دفعها لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للقيام بزيارة لجزيرة تايوان وما تبعها من زيارة أخرى لأعضاء مجلس الشيوخ, إضافة إلى المناورات العسكرية المشتركة مع تايوان, كل ذلك قابلته الصين بالعقلانية والحنكة السياسية بعدم التهور والإقدام على احتلال تايوان الذي قد يؤدي إلى انهيار في الاقتصاد الصيني, نتيجة العقوبات الموجعة التي كانت ستفرضها الولايات المتحدة مع حلفائها على الصين.
ونضيف أيضاً أن عدم دعم الصين لروسيا علناً في حربها على أوكرانيا , كل ذلك يُحسب للصين سياسياً, ووصلت القناعة أخيراً لدى الديمقراطيين الأميركيين والأوروبيين بأن الصين لا يمكن محاربتها حالياً سياسياً ولا اقتصادياً, وأنها من الممكن أن تكون المنقذ للاقتصاد الأوروبي نتيجة ما يعاني منه الأوروبيون من تبعات الحرب, فقام مؤخراً المستشار الألماني شولتز بزيارة تاريخية للصين وفتح آفاق التعاون الاقتصادي بينهما, وتوجت التقاربات مع الصين من خلال قمة العشرين الأخيرة في بالي في أندونيسيا بلقاء بين الرئيس الصيني والأميركي لمحاولة أميركية من كسب وتحقيق مكاسب من هذه المقاربة وأهمها تضييق الخناق على الاقتصاد الروسي من خلال محاولة تقليل استيراد الصين من النفط الروسي, بعد فشل السياسات الأميركية مع منظمة أوبيك بلس في زيادة كمية الإنتاج, إضافة إلى تحييد الصين من تقديم أي مساعدات أو دعم عسكري لروسيا في حربه هذه.
لقد تفوقت الصين خلال الفترة الماضية اقتصادياً وسياسياً على نفسها ,فحافظت على مسافة متساوية مع روسيا والولايات المتحدة وأوروبا أبرز منافسيها عسكرياً واقتصادياً, إضافة إلى قيام القيادة الصينية بمحاربة الفساد داخل البلاد كل ذلك انعكس بالإيجاب على الاقتصاد الصيني.
فالمدرسة الصينية ستنطلق بقوة اقتصادية هائلة خلال الفترة المقبلة وهي الآن تجهز بمئات المليارات لمشروع " الحزام والطريق" البري والبحري وتدخل بشراكات لأهم الموانئ العالمية فقد زادت حصتها مؤخراً في ميناء هامبورغ الألماني بوابة أوروبا, وتتقرب أكثر من الدول العربية من خلال بناء شراكات تجارية واقتصادية واستثمارية لعقود قادمة من خلال القمم الثلاث التي عقدتها بالعاصمة السعودية الرياض, كل ذلك لتُغرِق بصناعاتها ومنتجاتها واستثماراتها الأسواق العالمية , في حين غرقت أوروبا في المستنقع الأوكراني.
mhaddadin@jobkins.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/14 الساعة 00:28