وداعاً للإثارة والمتعة.. لماذا كأس العالم قطر 2022 ليس فقط الأفضل بل 'الأخير' أيضاً؟
مدار الساعة -كأس العالم في قطر 2022 ليس فقط أفضل نسخة من المونديال، باعتراف العدو قبل الصديق، لكنها أيضاً النسخة "الأخيرة" من نوعها، من حيث عدد المنتخبات وطريقة التنظيم ودورية البطولة، وأمور أخرى كثيرة.
وعلى الرغم من أنه منذ فازت قطر بتنظيم كأس العالم 2022 لم يمر يوم تقريباً إلا وكانت الدولة العربية هدفاً لهجوم مصدره الغرب، بغرض التشويه والتشكيك، لكن عندما حانت اللحظة كانت قطر على مستوى الحدث الأبرز في كرة القدم، فأصبح الانبهار سيد الموقف، وتوالت شهادات الإشادة والإعجاب من الغرب نفسه.
ولأن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، والمنطقة العربية تحديداً، دون منازع وبفارق شاسع، فقد عاش الجميع مونديالاً استثنائياً بكل المقاييس، من قدرة حاملي التذاكر على حضور أكثر من مباراة في اليوم الواحد، إلى مشاهدة تلفزيونية قياسية تجاوزت المليار مشاهد قبل انتهاء دور المجموعات.
قطر والمغرب.. مونديال عربي تنظيماً وأداءً
نظمت قطر أول كأس عالم لكرة القدم في المنطقة العربية، ويا له من تنظيم مبهر وضع منظمي النسخة 23 من البطولة في مأزق، باعترافهم. وعلى أرضية الملاعب الثمانية التي استضافت المباريات، تحطمت أرقام قياسية ووقعت مفاجآت لم يكن أحد يتوقعها على الإطلاق قبل بداية كأس العالم قطر 2022. فمن كان يتوقع أن يصل منتخب عربي إلى نصف نهائي كأس العالم؟
فعلها أسود الأطلس ولم يعد العرب في كأس العالم "ضيفاً خفيفاً"، فلا أحد يمكنه توقع الفائز بين فرنسا والمغرب في نصف النهائي يوم الأربعاء 14 ديسمبر/ كانون الأول. فلاعبو المغرب أطاحوا بإسبانيا والبرتغال في دوري ثمن وربع النهائي، بعد أن تصدروا مجموعتهم بالتعادل السلبي مع كرواتيا والفوز بهدفين نظيفين على بلجيكا ثم الفوز 2-1 على كندا، ليصلوا إلى نصف النهائي كأقوى دفاع على الإطلاق، حيث استقبلت شباكهم هدفاً واحداً أمام كندا.
وعلى الجانب الآخر، يعتبر كيليان مبابي كلمة السر في منتخب فرنسا، صاحب أقوى هجوم في المونديال، وسيكون على دفاع وخط وسط أسود الأطلس مهمة صعبة لإيقاف خطورته إذا ما نجحوا فيها سيذهبون للنهائي العربي الأول في كأس العالم.
فالمسافات القريبة بين الاستادات التي تشهد منافسات كأس العالم في قطر أصبحت أكثر قرباً من خلال شبكة مواصلات متنوعة، من 3 خطوط للمترو إلى الأتوبيسات العامة، أتيحت مجاناً لجميع الزائرين للدولة الخليجية خلال فعاليات المونديال.
وعلى الرغم من حملات التشكيك، التي قادتها دول أوروبية أبرزها ألمانيا وإنجلترا، إلا أن شهادات الإشادة بقطر والدفاع عن إنجازها غير المسبوق جاءت على لسان أغلب الأوروبيين أنفسهم، وكشفت ازدواج المعايير والنفاق لدى المشككين، ويكفي ما صرح به إنفانتينو نفسه قبل يوم من انطلاق البطولة.
لماذا يعتبر مونديال قطر "الأخير" وليس فقط الأفضل؟
عندما وصف غاري لينيكر، هداف كأس العالم 1986، دور المجموعات في مونديال قطر 2022 بأنه "أروع دور مجموعات في التاريخ"، أضاف أيضاً أنها ستكون "المرة الأخيرة التي نشهد فيها كل هذه الإثارة والمتعة".
قال النجم الإنجليزي إن دور المجموعات في مونديال قطر جاء "مليئاً بإثارة أطاحت منتخبات كبرى، وحملت منتخبات أخرى كانت خارج الحسابات إلى ثمن النهائي، مثل المغرب، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا والسنغال".
فمن كان يتوقع مثلاً أن تفوز السعودية على الأرجنتين بقيادة ليو ميسي؟ ليصبح سؤال "وينو ميسي؟" (أين ميسي؟) ترنداً يتردد بكل لغات العالم. ومن كان يتوقع أن تخسر ألمانيا من اليابان وتودع المونديال من دور المجموعات للمرة الثانية على التوالي؟
ألمانيا حامل لقب كأس العالم 4 مرات، والوصيف أربع مرات أيضاً لم تخسر كروياً فقط، بل فقدت كثيراً من جماهيريتها في المنطقة العربية بسبب الإصرار على فرض معتقدات ومفاهيم سياسية تخالف معتقدات ومفاهيم الدولة المستضيفة والمنطقة برمتها.
ولم تكن ألمانيا والأرجنتين فقط هما القوتين التقليديتين اللتين حقتتا مفاجآت سلبية، فللمرة الأولى منذ كأس العالم 1994 (النسخة رقم 15 في أمريكا) لم يحقق أي منتخب العلامة الكاملة في دور المجموعات. خسرت البرازيل أمام الكاميرون في مفاجأة أخرى من العيار الثقيل، رغم تأهل السامبا في صدارة المجموعة ومغادرة الأسود غير المروضة من دور المجموعات.
لكن السبب في أن هكذا مفاجآت قد لا تتكرر مرة أخرى فيرجع إلى تغيير نظام كأس العالم نفسه، حيث سيشارك في النسخة المقبلة 48 منتخباً وليس 32 فقط. أما عن حصص الاتحادات القارية، فالاتحاد الأوروبي له 16 فريق، وللاتحاد الإفريقي 9 منتخبات وقد تصبح 10، ولآسيا 8 مقاعد قد تصبح 9، ولاتحاد الكونكاكاف (أمريكا الشمالية والوسطى 6 منتخبات قد تصبح 8)، ولأمريكا الجنوبية 6 مقاعد قد تصبح 7، ولأوقيانوسيا مقعد وقد يصبح مقعدين.
أما عن كيفية حسم المقاعد المجزأة، فستكون هناك دورة مجمعة تضم 6 منتخبات (واحداً من إفريقيا وآخر من آسيا وفريقاً من أمريكا الجنوبية وفريقاً من أوقيانوسيا وفريقين من الكونكاكاف)، يلعبون معاً بنظام لم يتم تحديده بعد على ملاعب كأس العالم المقبلة، كبروفة تجهيزية للوقوف على الاستعداد لمونديال 2026، الذي سيقام في 3 دول هي المكسيك وأمريكا وكندا.
الدول الثلاث المستضيفة ستتأهل تلقائياً بطبيعة الحال، وهي تنتمي إلى الكونكاكاف، وبالتالي فإن ثلاثة منتخبات أخرى من الاتحاد نفسه ستتأهل مباشرة، بينما منتخبان سيلعبان دورة التأهل العالمية.
هل يشهد كأس العالم 2026 تكرار "فضيحة خيخون"؟
عندما نظمت كوريا الجنوبية واليابان كأس العالم 2002، كانت المرة الأولى التي يكون التنظيم فيها مشتركاً بين دولتين، وبسبب المشاكل الكثيرة التي صاحبت البطولة، قرر الفيفا عدم تكرار التجربة.
لكن كأس العالم المقبلة ستكون في ضيافة 3 دول للمرة الأولى، وهو ما يعني إرهاقاً غير مسبوق لجميع عناصر اللعبة من لاعبين وإداريين وجماهير بطبيعة الحال. وعلى الرغم من أنه قد سبق للمكسيك تنظيم نسختين من المونديال وأمريكا نظمت نسخة 1994، إلا أن كندا لم يسبق لها تنظيم كأس العالم. ولن تكون المسافات الشاسعة هي التحدي الوحيد، فهناك أيضاً الطقس، الذي قد يكون مختلفاً من بلد إلى آخر، بل ومن مدينة إلى أخرى.
أما من ناحية المسابقة نفسها وتنظيمها، فهناك مشكلة ضخمة تواجه المونديال القادم، وتتمثل في كيفية لعب دور المجموعات، في ظل العدد الكبير من المنتخبات من جهة، والقرار بألا تطول فترة إقامة المونديال عن 32 يوماً بحد أقصى من جهة أخرى. فقد قرر المجلس التنفيذي للفيفا يوم 10 يناير/كانون الثاني 2017 اعتماد مشاركة 48 منتخباً في المونديال، على أن يتم تقسيمها إلى 16 مجموعة، كل مجموعة مكونة من 3 منتخبات.
وأثار هذا القرار جدلاً كبيراً في الأوساط الكروية، إذ أعاد للأذهان "فضيحة خيخون" في مونديال إسبانيا 1982، والتي راح ضحيتها المنتخب الجزائري بعد أن تآمر منتخبا ألمانيا الغربية والنمسا للخروج بنتيجة مباراتهما معاً 1-0 فقط لصالح الألمان كي يتأهلا معاً ويطيحا بالمنتخب العربي، الذي كان قد قهر ألمانيا الغربية.
فكيف سيتم تقسيم المجموعات؟ وهل سيكون بنظام التصنيف الدولي بحيث يتصدر أصحاب المراكز الـ16 الأولى مجموعاتهم ويوزع أصحاب التصنيف الثاني ثم الثالث؟ وماذا لو كان أدى ذلك لوقوع 3 منتخبات من القارة نفسها في المجموعة؟ تساؤلات كثيرة لا تزال عالقة وغير محسومة سيكون على الفيفا حسمها قبل بدء التصفيات القارية المؤهلة لمونديال 2026.
لكن المؤكد في هذا السياق هو أن زيادة عدد المنتخبات المشاركة في المونديال المقبل وإقامة البطولة في ملاعب قارة أمريكا الشمالية، بين كندا وأمريكا والمكسيك، سيفقد الحدث الكروي العالمي كثيراً من متعته بالنسبة للمشاهدين، وسيضع مزيداً من الضغوط على اللاعبين، الذين يؤدون بالفعل مباريات أكثر من اللازم، ما بين الأندية والمنتخبات، وهو ما سيكون له تأثير سلبي بطبيعة الحال.
هذه العوامل وغيرها كثير، إذ هناك تفكير الآن في إقامة كأس العالم كل عامين، تجعل من كأس العالم قطر 2022 ليس فقط النسخة الأفضل على الإطلاق من المونديال، ولكنها على الأرجح ستكون "الأخيرة" أيضاً التي يكون فيها فيها كأس العالم حدثاً هو الأكثر متابعة على الإطلاق. عربي بوست