د. محمد القرعان
لطالما كانت الحكومات المصدرة للسياسات والقرارات محط انتقادات لاذعة من قبل السياسين، كان آخرها ما قاله البعض، إذ اتهمها بـ"بممارسة التجويع والتعطيش والإبقاء على أسعار النفط" مرتفعة بشكلٍ مصطنع، وفي منتصف العام الماضي اُتهمت "الحكومة" بأنها عاجزة عن تقديم حلول ناجعة للاوضاع الاقتصادية، وانها تحتجز العمل السياسي والاقتصادي رهينةً لديها، ولا سيما بعد اتخاذها عدداً من القرارات غير الشعبوية، تتعلق بتعديل اسعار المشتقات النفطية عندما تضاعف سعرها عالميا ثلاث مرات متتالية خلال فترة قصيرة.
جميع المعطيات تؤكد تأثر الأردن بجائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية ونتائجها على الاقتصاد العالمي وحركة التجارة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وسلاسل الامداد وصعوبة تدفقها بشكلٍ سلس، وتذبذب أسعار المشتقات النفطية في الأسواق العالمية نتيجة لتعليق عمل معظم وسائل النقل العالمية وإصابتها بالشلل التام.
وقد اتخذ الأردن العديد من الخطوات الفاعلة التي استطاعت التخفيف من حدة هذه الارتفاعات ومواجهتها ببرامج اقتصادية وتشغيلية وتنموية طموحة تخفف من نسب التضخم وارتفاع الاسعار وتقلل من نسب البطالة.
وبالارقام فقد دعمت بمواصلة هذا العام صناديق المعونة الوطنية وصناديق دعم الطالب الجامعي؛ فالحكومة أعدت برنامجا وطنيا عابرا للحكومات، ولم تتسرع باتخاذ أي قرارات شعبوية على حساب مصلحة الوطن، فقد خصصت الحكومة مبلغ 30 مليون دينار في الموازنة العامة لسنة 2022 لدعم الأسر المستفيدة من صندوق المعونة الوطنية وصندوق الطالب الفقير للتخفيف من آثار الارتفاع المستمر والمطرد في أسعار المحروقات عالمياً، خاصة أن عدد المستفيدين من الصندوق يبلغ 220 ألف أسرة و74 ألف طالب وطالبة، ويشمل القرار كذلك تقديم دعم لحافلات النقل العام الكبيرة والمتوسطة المخصصة للركاب وسيارات "السرفيس".
وقد بدأنا بالفعل بعد إنجاز المنظومة التشريعية ومنظومة الإصلاح الاقتصادي، بتلمس خطوات حقيقية على الأرض؛ الأمر الذي انعكس على بعض المؤشرات، منها الإعلان عن فرص عمل كثيرة في مختلف القطاعات التجارية والصناعية وخفض الاسعار لكثير من المنتجات والالبسة. ويسجل للحكومة عدم اللجوء رغم الظروف الصعبة إلى فرض ضرائب جديدة وتوسيع مظلة التأمين الصحي وزيادة عدد المستفيدين من صندوق المعونة الوطنية وزيادة عدد المستفيدين من المنح الدراسية والبعثات؛ فهناك جملة من الخطوات اتخذت على مستويات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري لتحقيق الأهداف المنشودة في الإصلاح الشامل، كما إن رصد مبلغ 80 مليون دينار في الموازنة العامة لهذا العام لإطلاق وتنفيذ برنامج التشغيل الوطني، يمثل خطوة إيجابية في مجال الحد من نسبة البطالة وتوفير فرص عمل للشباب والعاطلين علن العمل ، وهنا لابد من ضرورة أن يتحمل القطاع الخاص مسؤولياته تجاه الإعلان عن فرص عمل جديدة تناسب إمكانيات الشباب ومهاراتهم. وكذلك فان البرنامج الوطني للتشغيل يعتبر مؤشر على البدء بتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي باستهدافه نحو 60 ألف شاب وشابة، ولا سيما في ظل الحديث عن نسب عالية بين صفوف الشباب في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المملكة جراء الأزمات المالية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية ونتائجها السلبية على ارتفاع الأسعار العالمية وأسعار المشتقات النفطية وغيرها مع التاكيد على ضرورة أن يكون هناك خطط حكومية كفيلة بالتغلب على هذه الصعوبات والتحديات واهمية تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات كأحد الحلول للتحديات الاقتصادية مع العلم بان هناك خطوات ومباحثات تجريها الحكومة لاستقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية في العديد من القطاعات لا سيما الطاقة والسياحة. كما فاقمت موجة التضخم المشكلة والتي اصابت تحديدا اصحاب الدخول المحدودة والمنخفضة، خاصة أن بعض الدول قد دخلت في نفق ما يعرف بالتضخم المتسارع، الذي عادة ما تزيد فيه نسبة التضخم عن نسبة التضخم المعقولة والمقبولة اقتصادياً والتي هي بحدود 2% لتصل إلى أعلى من ذلك ما بين 3 و 10%. الوضع في الاردن ما زال مطمئناً ولكن يستوجب الحذر ، بسبب ما يبذل من جهود كبيرة لتأمين الاحتياجات الأساسية والابقاء على اسعار الخبز والاسعار الاساسية لبعض المنتجات ودعمها وتوفير اسواق خاصة لبيعها كاسواق المؤسستين المدنية والعسكرية، وبالذات بالنسبة للمواد الغذائية، والتي تعتبر من بين أهم الاحتياجات الضرورية والأساسية للمواطن؛ رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمربها اقتصادنا ، وبالذات في أوقات الأزمات.
ولقد أثبتت الحكومة في ذلك قدرة عالية وكفاءة فائقة في تعاملها مع مختلف الأزمات وخير سبيل على ذلك التعامل مع أزمة كورونا وما تسببت فيه من حدوث خلل كبير في سلاسل الإمداد وارتفاع لافت في أسعار الشحن العالمية ، إلا أنه وعلى الرغم ذلك لم يلمس المواطن والضيف والمقيم أي نقصاً أو شحاً يذكر في وفرة السلع والخدمات كافة.وعلى صعيدٍ آخر قد تَمكنت المملكة من التحكم في مستوى التضخم بإبقائه بمعدل (2.5) بكانون الثاني 2022 ومعدل النمو الاقتصادي (2.9 ) وإجمالي الاحتياطيات الاجنبية ( مليون دولار ) 16698.5 في حين على سبيل المثال لا الحصر: قفز معدل التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 7.5% خلال الفترة الماضية. معدل النمو الاقتصادي الحقيقي (2.9%).
والتحكم في مستوى الأسعار وارتفاعها، بما في ذلك التحكم في مستوى أو معدل التضخم، تُعد مسؤولية مشتركة، تتشاطرها أطراف عديدة؛ من بينها أجهزة الدولة المعنية برسم السياسة النقدية والاقتصادية المناسبة الكفيلة بكبح جماح التضخم، وكذلك الرقابة على الأسواق وأيضاً التجار. ولكن وعلى الرغم من ذلك، فقد اتخذت خطوات لبناء منظومة غذائية فعالة من خلال التركيز على تأسيس قطاع اقتصادي ومالي وزراعي مستدام يسهم في تحقيق الأمن المالي والغذائي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وكذلك تقليل الهدر وتبني استراتيجيات لدعم الزراعة المستدامة والاستثمار وتعزيز فرص الانتاج بمختف القطاعات.
ومطلوب ايضا ضرورة تبني نظم وابتكارات للمساهمة في رفع الكفاءة التشغيلية والإنتاجية للنظم الغذائية والزراعية في المملكة، وإطلاق برامج طموحة لدعم تمكين الشباب والنساء في العمل الزراعي والاقتصادي بشكل عام.
كما أتطلع إلى بذل المزيد من الجهود المرتبطة بتوطين سلاسل الإمداد والتحسين من مستوى سلاسل القيمة وتحقيق توطين للزراعة والصناعة والاستثمار وفتح فرص عمل لمواجهة البطالة المتزايدة وتخفيض الضرائب على المواطنين