'خطان أحمران'.. من 'واشنطن' لـ'نتنياهو'.. أَحقّاً؟
في خبر مفاجئ ولافت في توقيته كما في مضامينه، أذاعته هيئة البث الاسرائيلية الرسمية (كان).. جاء فيه ان تحذيرا "قويا" من الولايات المتحدة، تضمن وضع خطوط حمراء امام الحكومة المقبلة, التي يعمل زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو الفائز في انتخابات الاول من تشرين الثاني الماضي على تشكيلها.
في ما خص التوقيت فان الخبر جاء مباشرة بعد طلب نتنياهو من رئيس الكيان الصهيوني منحه عشرة ايام اضافية (تنتهي في 21 الجاري)، بعد فشله او قل عدم إنجاز مهمته خلال المدة الاولى على تكليفه وهي "28" يوما، نظرا للصعوبات "الحقيقية" التي واجهها وما يزال يواجهها, من قبل حلفائه في اليمين الديني المتطرف (شاس ويهدوت هاتوراة) وخصوصا في مساواماته مع حِزبيّ الصهيونية الدينية وزعيميّها سموترتش وبن غفير. اما في شأن المضمون فهو الاكثر خطورة وتضليلا, خاصة انه يذهب في اتجاه الزعم بان ادارة بايدن وَضعتْ خطوطا حمراء وتحذيرا "قويا" لنتنياهو, مفاده ان عليه "عدم تجاوز تلك الخطوط الحمراء, وهما – وِفق هيئة البث الصهيونية (كان).. ضمّ الضفة الغربية الى اسرائيل وتغيير الوضع القائم في المسجد الاقصى.
وبصرف النظر عمّا اذا كان التحذير الاميركي المزعوم قد حصل فعلا ام لا, وانه قد تم توجيهه عبر القنوات الدبلوماسية على نحو رسمي ام مجرّد علاقات عامة وبالون اختبار, فان المثير في "اسباب" توجيه هذا التحذير تدعو للسخرية, نظرا لانعدام الجِدية فيها وخصوصا في تبرير واشنطن الخطّيْن الاحمرين المزعوميْن. إذ أشارت جهات اميركية (وفق هيئة البث "كان")في محادثات مع مُقربين من رئيس الوزراء المكلف نتنياهو، انه إذا ما بقي الحوار بين واشنطن وتل ابيب مُركّزاً على قضايا تتعلق بالاستيطان والفلسطينيين, "فقد" يأتي ذلك على حساب المساعي لـِ"مكافحة ايران"، مُضيفة ان المسؤولين الاميركيين اوضحوا ان ادارة بايدن حذّرت من ان "انشغال الحكومة المقبلة بتبنّي سياسات متطرفة تجاه القضية الفلسطينية، سيُقلص من "قدرة الولايات المتحدة على التعاون معها في مجال مواجهة البرنامج النووي الايراني".
ما يعني من بين امور اخرى.. ان الخطوط الحمراء الاميركية المزعومة، لم تأت نتيجة خطوة اميركية جادة تتعلق مباشرة, بلجم خطوات الحكومة الفاشية التي يعتزم تشكيلها تجاه الاستيطان والضم والتهويد وقمع الفلسطينيين, ودفن قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وخصوصا القانون الانساني الدولي. على ما تواصل واشنطن الثرثرة الكلامية حوله، بل مُجرد لفت نظر خجول لنتنياهو بان ادارة بايدن تمنح الأولوية لمواجهة البرنامج النووي الايراني اكثر مما هي معنية بوضع حد للاحتلال وخطوات التهويد والضمّ والعمل بدأب على تقسيم الحرم القدسي الشريف زمانياً ومكانياً, على النحو الذي فعلته دولة الاحتلال في الحرم الابراهيمي الشريف.
دون ان نهمل حقيقة ان ادارة بايدن وعلى لسان وزير الخارجية انتوني بليكن, كانت تراجعت على نحو مُعيب عن "تحذيراتها" السابقة من أنها "لن تتعاون مع وزراء متطرفين ينوي نتنياهو توزيرهم في حكومته", وكانت تقصد الفاشي الكاهاني بن غفير اذ قال بلينكن مُؤخّراً: ان حكومته ستتعامل مع حكومة نتنياهو وفق "أعمالها" وليس وفق أسماء او شخصيات وزرائها.
ناهيك عن ان "الخطّيْن الأحمرين" الاميركيّين المزعومين، يأتيان مباشرة بعدما توصل نتنياهو الى توقيع اتفاقيات رسمية مع كل من بن غفير/زعيم حزب عوتصماه يهوديت (القوة اليهودية), وسموترتش زعيم الصهيونية الدينية. اذ منح الثاني (سموترتش) صلاحيات واسعة أهمها ان يكون مسؤولا عن الادارة المدنية (الاسرائيلية) المسؤولة عن الضفة الغربية. ما يعني "نقل" صلاحيات وزير الدفاع الذي كان مسؤولا عن ذلك منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967. وهو امر يعني عملياً وميدانياً ضمّ الضفة الغربية. مع التذكير بان بن غفير الذي سيتولى حقيبة الامن الداخلي/الشرطة، يُطالب بتغيير قواعد إطلاق النار في الضفة الغربية وفتح المسجد الاقصى امام اليهود للصلاة فيه, ودائما في شرعنة البؤر الاستيطانية اي الاعتراف رسميا بها, بكل ما يعنيه ذلك من تخصيص ميزانيات لها وتوفير بنى تحتية.
فهل يمكن لاحد ان يصدق بان واشنطن وضعت خطوطاً حمراء امام نتنياهو؟..
** استدراك:
أطرف ما يمكن تصوّره هو الوصف الذي أطلقه يائير لبيد رئيس حكومة العدو المنتهية ولايته على حكومة نتنياهو العتيدة, إذ قال في إحدى مسيرات الاحتجاج على توزير بن غفير وسموترتش: إنها أكثر حكومة متطرفة ومجنونة وضعيفة, في تاريخ إسرائيل ويقودها ظلاميّون.
لم يسأله أحد بالطبع: كيف تصِف حكومة "التغيير" التي قادها الثلاثي المُتطرّف.. بينيت, انت والجنرال الدمويّ غانتس؟