وصفة وحيدة لحل أزمة الإضراب
لا يوجد لديّ أية وصفة جاهزة، أقدمها لإدارات الدولة والأردنيين لطي صفحة أزمة الإضراب إلا استدعاء الحكمة، والتعامل بمنطق الدولة، أعرف، تماما، أن كل يوم يمر سيرتب على بلدنا كلفة اكبر من الخسارات، أعرف، أيضا، أن الرهان على العروض المقدمة لأصحاب الشاحنات، برفع الأجور، لم ينجح، أعرف، ثالثا، أن الحكومة مقيدة بحسابات الأرقام في الموازنة، وهواجس الاقتراض مجددا، كل ذلك وغيره أصبح مفهوما، لكن الأهم هو أمن بلدنا واستقراره، والحفاظ على كرامة الأردنيين، ورد التحية لهم، جرّاء صبرهم وإخلاصهم، بمثلها أو بأحسن منها.
في بلدنا تبدأ الأزمات صغيرة، البعض يتعامل معها بمنطق التهوين، والبعض الاخر «بالعين الحمراء «، معظم النقاشات التي تجري تنصب باتجاه إطفاء الأزمة، دون الانتباه لعمقها وامتداداتها المتوقعة، غالبا ما تتوسع الأزمة وتمتد بعد أن نتأخر في التعامل معها، أو محاصرتها بحلول عملية ومرضية لكافة الأطراف، الآن بعد مضي اكثر من أسبوع على الإضراب الذي انتقلت عدواه من الشاحنات إلى معظم وسائل النقل العام، اصبح عنوان المطالب واضحا، وهو خفض أسعار المحروقات، السؤال : هل نحن جاهزون للحوار حوله، و تقديم ما يلزم من تنازلات، أم لا..؟
ببساطة، يمكن (بل يجب) أن نتنازل وننحاز للحكمة، وبحساب الكلفة، أيضا، فمهما يكن حجم خفض أسعار المحروقات، ومهما كانت خسارة الخزينة من الضرائب المفروضة عليها، فإن الكلفة ستكون اقل بكثير مما يمكن أن ندفعه من امننا السياسي والاجتماعي، فيما لو تصاعدت الاضرابات، وتداخلت العناوين، وعجزنا عن ضبط حركة الغضب والاحتقان العام، وفيما لو ركب الموجة آخرون لا نعرفهم، عندئذ لا يستطيع احد أن يتنبأ بحجم الكلفة، ولا أعتقد ان بلدنا ستتحملها.
أعرف أن إدارات الدولة وأجهزتها في حالة استنفار، وأن نقاشات عميقة تجري لتطويق الأزمة، أو البحث عن حلول لها، أدرك، أيضا، أن لدى رئيس الحكومة من الوعي والحرص والتقدير للوضع العام، ما يجعله قادرا على المبادرة للتعامل مع الأزمة بمرونة وحكمة، ما أخشاه، هنا، هو أن ينجح البعض في تزيين مسارات الحلول البديلة بدل الأصيلة، او تقديم منطق العناد على منطق «كلمة سواء» تنصف الجميع، أو التعويل على شراء المزيد من الوقت، أعتقد أن ثمانية ايام كانت تكفي لالتقاط الرسالة، وفك ما حملته من شيفرات سياسية واجتماعية، ثم الرد عليها بما يتناسب مع المصلحة العامة للدولة، ومع قيمها أيضا.
حتى الآن ما زالت أزمة الإضراب محصورة في اصحاب وسائل النقل، معظم الأحزاب لم تدخل على الخط، الوسائط الاجتماعية كذلك لم تشتبك معها، المتضررون من الضغوطات الاقتصادية ( وما أكثرهم) ما زالوا يجلسون على مقاعد المتفرجين، حتى العقلاء لم يتحركوا للوساطة، ما يعني أن الأزمة متعلقة بمطلب محدد، وما زالت تحت السيطرة، و أن أحدا لم يستثمر بها سياسيا حتى الآن، هذه أخبار مريحة لإدارات الدولة، ويمكن أن تسهل عملية الخروج بتوافقات مرضية للجميع، لكن لا احد، بالطبع، يضمن أن يبقى الوضع على ما هو عليه، الضمان الوحيد هو نجاح مؤسسات الدولة بإدارة الأزمة ومعالجتها، بأقل ما يمكن من خسائر.
بقى أن أضيف : الدولة الأردنية قادرة على تجاوز هذه الأزمة كما فعلت دائما، و الأردنيون يمتلكون من الوعي والوطنية ما يجعلهم حريصين على بلدهم، المعادلة هنا بين الأردنيين ودولتهم واضحة ولا تستدعي أية مخاوف، ما يقلقنا، فقط، هو الدفع من أي طرف باتجاه «المكاسرة»، أو ركوب مركب العناد، عندئذ سنخسر كلنا لا قدر الله، الأمر الذي يستدعي، من كافة الأطراف، أن تضع الأردن، الدولة والوطن، في أولوية حساباتها عند كل صرخة مطلبية، أو عند التفكير بإصدار أي قرار.