واشنطن 'تُوافِق' على 'تشكيلَة'.. حكومة نتنياهو؟
هذا صحيح إذ لم تعد إدارة الرئيس الأميركي/بايدن, تعترِض على توزير قُطبَيّ تحالف الصهيونية الدينية, إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش, بعد أن كانت "أشبعتنا" تفاؤلاً نسبياً يقوم على "احتمال" حدوث تغيير ولو طفيف, في سلوك ونهج إدارة "بالغَ" رئيسها في بذل الوعود والزعم بأنه "مختلف" عن سلفه/ترمب, وأن إدارته ستنتهج مُقاربة جديدة في معالجة القضية الفلسطينية, والموقف من إسرائيل في شأن المستوطنات وحل الدولتين وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة, وغيرها من الكلام المعسول الذي ثبت أنه بلا رصيد سياسي أو دبلوماسي.
جديد مواقف إدارة بايدن التي "كانت" أعلنتْ وعلى نحو خجول, عبر تسريبات لموقع " "أكسيوس" الأميركي المُؤثّر والمُرتبط بعلاقات وثيقة مع هيئات ومؤسسات ووكالات استخبارية أميركية, أنه من "غير المُرجّح" أن يتعامل البيت الأبيض مع العضو المُتطرف بن غفير, الذي يُتوقّع أن يتولى منصباً وزارياً رفيعاً في حكومة نتنياهو الجديدة (تسريبات كهذه حدثتْ مباشرة بعد إعلان نتائج انتخابات الكنيست/رقم 25 في الأول من الشهر الماضي).
بل إن الموقع الأميركي ذاته ذكرَ أن وزير الخارجية/بلينكن ومستشار الأمن القومي/سوليفان "ألمَحا" إلى احتمال عدم العمل مع بن غفير وغيره من المتطرفين اليمنيين, وذلك وفق" "أكسيوس" خلال إجتماعهما مع الرئيس الإسرائيلي/هيرتسوغ خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.
ذلك كلّه تبدّد الآن ولم يكن تجاوز حدود الثرثرة والتسريبات الفارغة, التي تشيع أجواء من الأوهام بأن تغييراً ما سيطرأ على الموقف الأميركي, من ربيبتها العنصرية الإستيطانية الإحلالية.
المستر بلينكن/رئيس الدبلوماسية الأميركية أعلن بلا تردّد "عدم" اعتراضه على توزير أي يميني متطرفاً كان أم عنصرياً أو حتى فاشيّاً, عندما قال بوضوح أول أمس/الأحد وبكلمات غبر قابلة للتأويل في خطاب له, أمام اللوبي اليهودي المُسمَّى "جي ستريت" والموصوف بأنه يسارِيّ وغير مُتناغم مع مواقف اللوبي اليهودي الأقوى والأكثر تأثيراً ونفوذاً "إيباك"، ان إدارة بايدن – قال بلينكن – ستحكم على الحكومة الجديدة في إسرائيل "وِفق سياساتها وليس حسب هوية أفراد معينين".
كلام واضح بلا تلعّثم أو تردّد, منحَ بلينكن ضوءاً أخضر لنتنياهو كي يُلبّي كل مطالب واشتراطات بن غفير, تماماً مثل شريكه في تحالف الصهيونية الدينية/سموترتش. يُعطي الأول صلاحيات واسعة في حفظ الأمن في "يهودا والسامرة", وأن يغدو صاحب القرار الأول في جهاز الشرطة. ولا بأس إن طبقّ شعاراته ونفذ تهديداته بإطلاق النار على أي فلسطيني يقوم برمي الحجارة, وإعدام كل مَن يحاول دهس يهودي مستوطناً كان أم عسكرياً. زد على ذلك ما وعد نتنياهو به سموترتش من صلاحيات "أمنِيّة" خارجة على نطاق مهامه كوزير للمالية. حيث سيُشرف على الإدارة الإسرائيلية للشؤون المدنية الفلسطينية, بما في ذلك الإشراف على الإستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
أمام هذا "الوضوح" الأميركي غير المسبوق في تزلّفه ونفاقه, لم يتردّد بلينكن أيضاً في القول: إن بلاده لن تتراجعَ عن دعمها الراسخ لإسرائيل, مؤكداً أن الولايات المتحدة ستبقى "صديقة مُقرّبة" لإسرائيل. مُضيفاً أن "الشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل كانت دائماً مضمونة, بالتزام الولايات المتحدة الصارِم بأمن إسرائيل، وهو التزام – واصلَ بتفاخر– لم يكن أقوى مما هي عليه اليوم".
أوراق اعتماد أميركية لحكومة جديدة للاحتلال في طور البروز والتشكّل, في الوقت الذي قال فيه أنه سـَ"يتعيّن على القادة الفلسطينيّين الإمتناع عن إثارة التوترات التي تُعرّض حل الدولتين للخطر", مؤكداً أن إدارة بايدن تواصِل "دعم" اعتراف سلفها بالقدس كعاصمة لإسرائيل, وتَعمّل على توسيع اتفاقات ابراهام التي توصل لها ترمب.
في السطر الأخير.. حفل خطاب المستر بلينكن بكثير من الإشارات والرسائل المتناقضة, التي تستبطن من بين أمور أخرى إدارة ظهر إدارته لما يدور على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. صارفاً النظر عن ارتكابات إسرائيل وجرائمها. إذ يقول: إن إدارة بايدن ستعمل "دونما هوادة" للحفاظ على "أُفق أَمل" مهما كان "ضئيلاً" من أجل إقامة دولة فلسطينية. مُعرباً عن "قلقِه" من تصاعد العنف في الضفة الغربية من جانب "الفلسطينيين" والمستوطنين, لافتاً إلى أن هذا العنف "يجب ان يتوقّف ويجب محاكمة من يرتكبه, وفقاً لمبدأ المساواة أمام القانون".
دققوا جيّداً في هذا الكلام الذي تفوح منه رائحة التواطؤ، فهو أولاً يُساوي بين المواطن الفلسطيني الواقع تحت الإحتلال, وبين المُستعمِر المسمى مُستوطناً. فضلاً عن "تحييده" بل تبرئة جيش الإحتلال. الذي يقوم بإعدام ميداني لكل فلسطيني يُواجِهه. ولم يقل لنا هذا "الحقوقي" أي قانون يتساوى فيه الفلسطيني والمستوطن, أهو القانون العسكري الإسرائيلي؟ أم قانون الإنتداب البريطاني؟ أم قانون المتطرفين الجُدد الذين سيَحكمون قريباً؟.