من يطرد الاستثمارات الوافدة للأردن؟
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/05 الساعة 01:32
في عام 1988 كنت أنهي التدريب السنوي في صحيفة صوت الشعب آنذاك، وكنا نسمع عن كبار تجار البلد وشركاتهم والوكالات التجارية، وكان الملحق الاقتصادي يزخر بالكثير من أخبار الاقتصاد ومقابلات رجال الأعمال، وفي حينها كان خليج العقبة محجاً للبواخر الضخمة والسفن التجارية التي تنتظر دورها لتفريغ البضائع وتحميلها للشاحنات المتجهة للعراق، كان المشهد آنذاك لا يراه الرائي إلا ويقف مندهشا من سيل الشاحنات والقاطرات التي تحمل مختلف أنواع الواردات للسوق المحلي أو العبور للعراق، وكانت الشاحنات الأردنية تدر دخولاً فائضة، والدينار في أفضل حالاته ليتجاوز سعر صرفه الثلاثة دولارات.
وما انتهت الحرب العراقية الإيرانية حتى وجدنا النهوض الاستثماري وقد بدأ يظهر بقوة، وأصبح الأردن سوقا كبيرة تقوم على أرضه المصانع وشركات الانتاج وشركات التعدين، وميناء العقبة الكبير التابع لمؤسسة الموانئ لا يكل ولا يمل أحد فيه، فالصادرات الأردنية تغزو أسواقاً عالمية وقوافل الشاحنات تحمل كل ما تحتاجه الدول الشقيقة في الخليج، حتى جاءت سنة 1989 بما لا نحسد عليه، ولكن القرار جاء سريعا من أعلى سلطة لتلافي الأضرار، وما أن دخلنا العام 1991 حتى وقعنا في شرك الاجتياح العراقي للكويت وارتداداته على السوق الأردنية.
قبل ذلك الوقت بكثير، كان الأردن يحمل على عاتقه الملف الاقتصادي والتنموي، وكان من رؤاه إعادة توطين استثمارات الأردنيين لبلدهم، وبدأ بعقد مؤتمرات للمغتربين، وأذكر أن أول مؤتمر دعي إليه كبار المستثمرين ورجال أعمال لمناقشة سبل إنشاء نافذة خاصة بهم لإعادة أموالهم واستثمارها، وكانت المعلومات تتحدث عن 14 مليار دولار، وتلك المبالغ تُعد ثروة تتجاوز مالية الموازنة العامة بأضعاف كثيرة، ولكن تأثيرات الحصار الذي ضُرب على العراق وفرق التفتيش في عرض خليج العقبة، أثرت بشكل كبير على سلاسل التوريد بمختلف أشكاله خصوصا للصناعات والبضائع، ومع هذا تجاوز الأردن مرحلته الصعبة حتى نهاية العقد التاسع.
في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بدأ فورا العمل على الاستفادة من الاستثمارات وجلب الشركات العالمية ووضع الأردن على خارطة الشبكة العالمية للتكنولوجيا بمختلف قطاعاتها، وشمرّ عن ذراعيه وطلب من الحكومة ورجالات الدولة أن يقوموا من فورهم للعمل المباشر لنبدأ مرحلة التعافي، وقال لهم الجملة التي نتذكرها: "لا أريد أحداً يصفق لي بل يدّ بيد لنعمل"، وأول ما اختار تجربته الإشرافية كانت في العقبة، وبعلاقاته مع الشركاء الغربيين والعرب، استثمرت الكثير من الشركات هناك وامتدت الاستثمارات والمصانع تتوالى في منطقة الجيزة التي تضم اليوم أكثر من 700 مصنع وشركة عملاقة، ناهيك عن المطار الدولي.
وحتى ذلك الوقت كانت الفرص متاحة جداً لإنشاء معاهد وجامعات مهنية، وفي أحد اللقاءات بضيافة الملك، طلب مباشرة من الحاضرين أن يوجهوا أبناءهم للتعليم المهني، مشددا على أنه سيرعى الجميع في المملكة ويدعمهم للتحول الى الدراسات المهنية والمعاهد ذات الكفاءة العالية، ولكن في لحظة من العام 2005 تفجرت فجأة ينابيع الأموال، وفتحت البنوك خزائنها وغرق الناس بالقروض ودارت عجلة الأموال بأيدي أغرار، واستغل بعض الطامعين والطامحين وأصحاب الأنفس المريضة حاجات الآلاف من المغرر بهم عبر شركات البورصات غير المرخصة، وتبخرت الأموال في جنح ليلة سوداء، وهرب البعض وأفلس كثير من المستثمرين الكبار، وها نحن اليوم نعاني لجلب الاستثمارات لتشغيلنا.
المشكلة اليوم أن هناك من لا يريدون النهوض للاقتصاد، بل تسمع الكثير من جمله "خربوها"، والمفارقة أنهم يرددون كالببغاء، وما يدفعهم سوى الحسد وابتزاز المستثمرين أو رجال الأعمال الذين يرون في الأردن بيئة مستقرة وفيها دافعية للعمل، وهذا عامل طرد للاستثمارات أو الشراكات على الأرض، فصاحب المال جبان كما يقول المثل، فلا يعقل أن يتمرد البعض لطرد مصنع أو شركة إذا لم يوظف أبناء المنطقة جميعهم، رغم أن الحق الأساس لأصحاب المنطقة من أصحاب الكفاءة، لا القبض المجاني، وعندي روايات كثيرة.
ورغم أن البطالة عمت بين الشباب، فإن هناك شركات توظف الكثير من أبنائنا، وعلينا أن نحافظ على وجودها في ظل الاحتباس الوظيفي، فلكل مواطن الحق بوظيفة تدرأ عنه شبح الفقر والحاجة، وعلينا أن نؤسس لثقافة شبابية تؤمن وتتقبل جلب الاستثمارات داخلية كانت أو خارجية، وعلى الحكومة أيضا أن تفتح أسواقاً للسياحة والصناعات والأعمال الصغيرة والأعمال البيتية دون ملاحقات ضريبية، ولكن يجب تعميمها خصوصا في مناطق البادية والقرى.
خلاصة القول: إن هناك استثمارات مقبلة، قد تعوض عن الفاقد الذي خرج من بلدنا لأسباب عدة، وأهمها التدخلات الشخصية وتلقف المستثمرين وكأنهم غنيمة، وتدخلات مسؤولين غير رسميين وشخصيات لا تشبع ولا تقنع بما قسمه الله لهم، وموظفون لا يعجلون بالإجراءات إلا إذا تحققت لهم غاية، هم قلّة، ولكننا نربأ بهم عن فتح الأعين الوقحة، فهذا الوطن ليس حصة لفئة، بل هو للجميع.
Royal430@hotmail.com
وما انتهت الحرب العراقية الإيرانية حتى وجدنا النهوض الاستثماري وقد بدأ يظهر بقوة، وأصبح الأردن سوقا كبيرة تقوم على أرضه المصانع وشركات الانتاج وشركات التعدين، وميناء العقبة الكبير التابع لمؤسسة الموانئ لا يكل ولا يمل أحد فيه، فالصادرات الأردنية تغزو أسواقاً عالمية وقوافل الشاحنات تحمل كل ما تحتاجه الدول الشقيقة في الخليج، حتى جاءت سنة 1989 بما لا نحسد عليه، ولكن القرار جاء سريعا من أعلى سلطة لتلافي الأضرار، وما أن دخلنا العام 1991 حتى وقعنا في شرك الاجتياح العراقي للكويت وارتداداته على السوق الأردنية.
قبل ذلك الوقت بكثير، كان الأردن يحمل على عاتقه الملف الاقتصادي والتنموي، وكان من رؤاه إعادة توطين استثمارات الأردنيين لبلدهم، وبدأ بعقد مؤتمرات للمغتربين، وأذكر أن أول مؤتمر دعي إليه كبار المستثمرين ورجال أعمال لمناقشة سبل إنشاء نافذة خاصة بهم لإعادة أموالهم واستثمارها، وكانت المعلومات تتحدث عن 14 مليار دولار، وتلك المبالغ تُعد ثروة تتجاوز مالية الموازنة العامة بأضعاف كثيرة، ولكن تأثيرات الحصار الذي ضُرب على العراق وفرق التفتيش في عرض خليج العقبة، أثرت بشكل كبير على سلاسل التوريد بمختلف أشكاله خصوصا للصناعات والبضائع، ومع هذا تجاوز الأردن مرحلته الصعبة حتى نهاية العقد التاسع.
في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بدأ فورا العمل على الاستفادة من الاستثمارات وجلب الشركات العالمية ووضع الأردن على خارطة الشبكة العالمية للتكنولوجيا بمختلف قطاعاتها، وشمرّ عن ذراعيه وطلب من الحكومة ورجالات الدولة أن يقوموا من فورهم للعمل المباشر لنبدأ مرحلة التعافي، وقال لهم الجملة التي نتذكرها: "لا أريد أحداً يصفق لي بل يدّ بيد لنعمل"، وأول ما اختار تجربته الإشرافية كانت في العقبة، وبعلاقاته مع الشركاء الغربيين والعرب، استثمرت الكثير من الشركات هناك وامتدت الاستثمارات والمصانع تتوالى في منطقة الجيزة التي تضم اليوم أكثر من 700 مصنع وشركة عملاقة، ناهيك عن المطار الدولي.
وحتى ذلك الوقت كانت الفرص متاحة جداً لإنشاء معاهد وجامعات مهنية، وفي أحد اللقاءات بضيافة الملك، طلب مباشرة من الحاضرين أن يوجهوا أبناءهم للتعليم المهني، مشددا على أنه سيرعى الجميع في المملكة ويدعمهم للتحول الى الدراسات المهنية والمعاهد ذات الكفاءة العالية، ولكن في لحظة من العام 2005 تفجرت فجأة ينابيع الأموال، وفتحت البنوك خزائنها وغرق الناس بالقروض ودارت عجلة الأموال بأيدي أغرار، واستغل بعض الطامعين والطامحين وأصحاب الأنفس المريضة حاجات الآلاف من المغرر بهم عبر شركات البورصات غير المرخصة، وتبخرت الأموال في جنح ليلة سوداء، وهرب البعض وأفلس كثير من المستثمرين الكبار، وها نحن اليوم نعاني لجلب الاستثمارات لتشغيلنا.
المشكلة اليوم أن هناك من لا يريدون النهوض للاقتصاد، بل تسمع الكثير من جمله "خربوها"، والمفارقة أنهم يرددون كالببغاء، وما يدفعهم سوى الحسد وابتزاز المستثمرين أو رجال الأعمال الذين يرون في الأردن بيئة مستقرة وفيها دافعية للعمل، وهذا عامل طرد للاستثمارات أو الشراكات على الأرض، فصاحب المال جبان كما يقول المثل، فلا يعقل أن يتمرد البعض لطرد مصنع أو شركة إذا لم يوظف أبناء المنطقة جميعهم، رغم أن الحق الأساس لأصحاب المنطقة من أصحاب الكفاءة، لا القبض المجاني، وعندي روايات كثيرة.
ورغم أن البطالة عمت بين الشباب، فإن هناك شركات توظف الكثير من أبنائنا، وعلينا أن نحافظ على وجودها في ظل الاحتباس الوظيفي، فلكل مواطن الحق بوظيفة تدرأ عنه شبح الفقر والحاجة، وعلينا أن نؤسس لثقافة شبابية تؤمن وتتقبل جلب الاستثمارات داخلية كانت أو خارجية، وعلى الحكومة أيضا أن تفتح أسواقاً للسياحة والصناعات والأعمال الصغيرة والأعمال البيتية دون ملاحقات ضريبية، ولكن يجب تعميمها خصوصا في مناطق البادية والقرى.
خلاصة القول: إن هناك استثمارات مقبلة، قد تعوض عن الفاقد الذي خرج من بلدنا لأسباب عدة، وأهمها التدخلات الشخصية وتلقف المستثمرين وكأنهم غنيمة، وتدخلات مسؤولين غير رسميين وشخصيات لا تشبع ولا تقنع بما قسمه الله لهم، وموظفون لا يعجلون بالإجراءات إلا إذا تحققت لهم غاية، هم قلّة، ولكننا نربأ بهم عن فتح الأعين الوقحة، فهذا الوطن ليس حصة لفئة، بل هو للجميع.
Royal430@hotmail.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/05 الساعة 01:32