رسالة إلى من يهمه الأمر

حسين الرواشدة
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/05 الساعة 01:29

لا تحتاج الى شهادة من أحد لكي تكون «وطنيا»، يكفي أن يتحرك الوطن في ضميرك دائما فتشعر أنه أقرب اليك منك، يكفي ان تغرس قدميك في ترابه، وتسقي احلامك من مائه، وتتمنى أن لا تستنشق هواء غير هوائه، يكفي ان تكون نظيفا ونزيها ومستقيما لكي يعتز بك وتعتز به، وان تتجرد من حساباتك الضيقة ومطامعك الرخيصة لكي يبقى هو «الاول» دائما، والاقوى دائما، ولكي ينهض بعزيمتك، لا ان تركب عليه لتصل الى حيث تريد.

الوطنية ليست شهادة ميلاد يمكن ان تستخرجها من دائرة رسمية او شعبية، ولا وصفة نضال مغشوش تسجل فيها سنوات من السجن او التضييق، ولا قصيدة شعر أو اغنية ترددها الإذاعات في الصباح، ولا أيادي تصفق لكل شيء، ولا ترضيات على قاعدة «اطعم الفم تستحي العين»، الوطنية، ايضا، ليست منحة قد يتفضّل بها عليك احد،اي احد، وحين يغضب يستردها منك، هي اعمق مما يتصوره البعض حين يطردونك من قوائمها، او يضيفونك اليها، وهي اسمى من ان تخضع لمواصفات وشروط تنزل بالبراشوت، او يروّج لها المؤلفة قلوبهم احيانا، والخوارج احيانا اخرى.

الوطنية مثل الايمان تماما، فكما هو علاقة بينك وبين الله تعالى، معياره التقوى ودليله الصلاح ونفع العباد، فانها علاقة بينك وبين الوطن، تقاس على مسطرة العمل والاصلاح لا على مساطر التزلف والنفاق، وتعبّر عن ذاتها بلا ترجمان وبلا واسطة.وهل تحتاج الوطنية الى ترجمان لكي تثبت للآخرين انها تتغلغل في روحك حين تحلّق دون ان يراها احد.

دائرة الوطنية ايضا مثل دائرة الدين، لا يجوز لاحد ان يخرجك منها الا اذا ثبت عليك دليل الكفر والاعتداء، من يكفر بالوطن ليس الذين يسعون الى بنائه واصلاحه، ويعملون من اجل الصالح العام والخير العام، وانما الذين يسرقون خيراته، ويقايضون محبته بما لذّ وطاب، ويرجمونه بحجارتهم حين تنفضّ موالد الغنائم ولا يجدون لهم فيها نصيب.

حين تكون وطنيا لا يهم ان تكون محسوبا على خط المعارضة او ان تقف في طوابير الموالاة، على اليمين او على اليسار، مع هذه الحكومة او ضدها، المهم ان يكون الوطن حاضرا فيك ومعك حين تقول نعم او تقول لا، وان تتحرك باتجاه بوصلته دائما مهما كانت العواصف.

سامحهم الله، هؤلاء الذين رسخوا فينا ثقافة عنوانها: انت تعارض إذن انت غير وطني، وكأن دمغة «الوطنية» لا ينالها الاّ الذين يرفعون اصواتهم ويشهرون كلمة «نعم» في كل مهرجان، أما الذين ينحازون الى الاردن، ويتواصلون مع مؤسساته، ينتقدون احياناً اخطاءها و يشيدون احيانا بانجازاتها، فهؤلاء في قائمة «الاهمال» و مطلوب منهم اثبات براءتهم من تهمة «اللاوطنية»، وهم خارج (الملّة ) الوطنية اذا لزم الأمر.

في ميزان الوطنية الصحيحة لا فرق بين من يعارض من اجل الوطن وبين من يشارك لأجله، لا فرق بين أردني وأردني، نختلف بالطبع حول المواقف السياسية او الانتماءات الحزبية وحول ما ترتكبه بعض الحكومات من اخطاء في التوزيع والترقيع،او في الاقصاء والتقريب، او في الابعاد والاسترخاء، المهم ان يكون هاجس الاردني دائما وقبلته ايضاً، هو الوطن، هذا الذي هو اكبر من الحكومات والجماعات والأشخاص، ومن المواقع والمكاسب أيضاً.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/05 الساعة 01:29