الوادي الأزرق

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/01 الساعة 02:35
كنت اسمع بالوادي الأزرق.. ولكني أمس زرته, اصطحبني أحمد الكلوب معه.. على غداء لا تستطيع كل مطاعم عمان أن تنتج مثله, لأنه طبخ بأنفاس سلطية..
فوجئت بالمنطقة, ولو كنت من (هوامير ) عمان.. لأقمت لي كوخا هناك.. وتركت لما تبقى من سني العمر أن تستريح على تراب ذاك الوادي.. واشتريت (50) رأسا من الحلال وسرحت بها على تلك التلال..
عشيرة الكلوب السلطية تسكن هذا الوادي, وحين تجولت به ورأيت الرجال وبيوتهم تذكرت عرار حين قال: (هل ما تزال هضابهم شما وديرتهم أبية).. اطمئنك يا عرار في الوادي الأزرق, التلال ما زالت تعج بالكرامة... والشجر هناك ينبت على انفاس الرجال وليس على الماء, اطمئنك بأنهم قوم لم يتركوا الزراعة ولم يتركوا ماشيتهم.. ظلوا يعيشون الحياة بكل زهدها.. ولكنهم أسرفوا في الكرم كثيرا وأسرفوا في الكبرياء كثيرا, وحين تأتيهم يعطرون فناجين قهوتهم بالطيب والرجولة وليس بالهيل...
تمنيت لو أني لم أغادر ذاك الوادي... لكن ماذا أقول عن الذين تركوا الشجر الذي يسقى بالكبرياء وتركوا الطعام الذي يملح بالأنفاس السلطية, وتركوا الأرض التي تخجل أن تدوسها بقدمك وتتمنى لو أنك تمشيها على كفيك... وهربوا للقصور المشيدة بالرخام الإيطالي والنخل المستورد, والشبابيك المستوردة.. والوجوه المستعارة..
لو كان لي رأي في هذا الوطن, لطلبت أن يعقد مجلس الوزراء جلسته القادمة في الوادي.. وتحت (معرش)... لو كان لي رأي, لأرسلت طلبة الجامعات إلى تلك الجبال.. كي يشاهدوا كيف تحن على الناس وكيف يقبلها الناس في المساء.. تلك المرة الأولى في حياتي والتي اشعر بها.. أن الجبل له هوية سلطية ومن عشيرة سلطية.. وتظن حين تعبر من جانبه أنه يدعوك لكي تستلقي ولو قليلا على كفه... وسيكون ترابه لحافا لجسدك... الجبال في ذاك الوادي تنافس الناس على الكرم... والجبال لها هوية.
للعلم في الوادي الأزرق لم أشاهد الجبال... أنا حقيقة لا أظنها جبالا, بل ما شاهدته كانت أوتاد وطن وهوية .. لا تنزع ولا ترحل ولا تهدم ولا تغيب..
كيف نسينا الجنة في وطننا, واتجهنا للقصور والرخام المستورد.. والضمير المستورد.
على كل حال... تناولت الغداء هناك.. والطعام لا يكتمل أبدا إن لم يملح بالأنفاس السلطية.
abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/12/01 الساعة 02:35