زمن..

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/29 الساعة 01:10
زمان كانت عمان أبهى بكثير... كان السرفيس الأبيض معروفا جدا، وكانت المرسيدس (اللف) تشكل حالة من التباهي في الشوارع.. أنا اتحدث عن عمان زمان، أتحدث عن الطناجر التي كانت ترحل بين البيوت, وعن حسونة (الهبيلة) الذي تعرفه كل الحارة, وعن بكم (أبو علي) الذي يقف مع سويعات العصر في (زاروبة) قريبة.. كي يبيع الملوخية.
تخيلوا حتى الملوخية تغيرت, أنا اعرف أنها كانت تأتي إلى المنزل مثل كومة القش الضخمة، وتجلس مجموعة من النسوة (للتلقيط).. وبعد ذلك تفرم, الآن صارت تباع في الأسواق مجمدة.. وجاهزة دون الحاجة للفرم, ودون اصابات بالخدران للنسوة اللواتي اجتمعن من الحارات المجاورة في نوبة مساء (لتلقيطها).. فقدت الملوخية هي الأخرى (هيبتها).
كان الماضي أجمل بكل برودته حتى الحزن كان أجمل والشتاء كان ابهى, والحب كان يحتاج لجهد ورصد لتحركات الحبيبة.. كانت كلمة (مرحبا) تأخذ مني أكثر من عامين من الرصد والتحري ومراقبة ليلى ومعرفة مواعيد حصصها, ومغادرتها المدرسة... ومرحبا كانت تكفي كي يندلع هذا الحب دون تأخير... اليوم صارت ليلى متاحة على الفيس بوك وتحتاج فقط لوضع (لايك) على منشور لها حتى يندلع الكلام دون توقف بينكما..
المدن كبرت.. وضاق القلب, حتى (المياصة) في زمننا لم تكن بهذا الانحدار.. أصلا مستلزماتها لم تكن بالوفرة الموجودة الآن, كانت خدمة العلم كفيلة بتهذيب الجميع.. وبتأديب كل من حاول أن يسلك درب المياصة.. والنقود أيضا كان لها هيبة أكثر من اليوم, جيوب الرجال كانت (تخرخش).. وهذه (الخرخشة) كانت كفيلة بلفت انتباهنا.. تخيلوا أن (الشلن) كان يقيم وزنا لكل من يدخل (دكانا)..
وسوسن تفاحة.. كانت تمثل نموذجا للمرأة الصارمة, لم تكن مذيعة فقط بل كانت مديرة مدرسة ومربية.. وحين كانت تطل على الشاشة نصمت، كنت أحيانا أحس بأنها (تجحرني).. وحين تقدم نشرة الأخبار كان أبي يقوم بلف الشماغ على وجهه, الشاشة هي الأخرى كانت أكثر تأدبا من شاشات اليوم..
لم يكن في زمننا مصطلح (رز مجبل).. لأن النساء كنّ يجدن الطهو لا بل يحترفنه... هذا المصطلح ظهر جديدا, من النساء اللواتي يتزوجن على طريقة (الفيديو كليب).. يبدو أن الزمن الحالي صار مثل الأرز.. زمن (مجبل).. وهذا أدق وصف لزمننا.
abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/29 الساعة 01:10