مسجد بالعراء.. للترويج العقاري
لدينا أكثر من 7000 مسجد، فهل نحتاج لبناء المزيد من المساجد؟ الإجابة، نعم، لكن ليس في سياق خدمة الدين، أو حاجة عباد الله لإقامة الصلاة، وإنما في سياق «البزنس» الديني، فأسواق الدين لم تعد حكرا على بعض الذين استخدموه لأغراض سياسية، ولا الآخرين الذين ركبوا موجته للشهرة «والبرستيج « الاجتماعي، بناء المساجد، للأسف، أصبح أحيانا جزءا من هذه الأسواق العابرة للحدود والمصالح.
في منطقة تخلو من السكان داخل بلدنا، اكتشفت وزارة الأوقاف أن مسجدا قد تم بناؤه على قطعة أرض صغيرة، وبعد التدقيق تبين أن الشخص الذي أشرف على بنائه لم يحصل على التراخيص اللازمة، لا من البلدية، ولا من وزارة الأوقاف، وحين سئل عن تكاليف المسجد من أين جمعها، أجاب بأن شخصا من الخارج ارسل له الأموال.
القصة لم تنته هنا عند أموال دخلت تحت بند تمويل، أو تبرعات، ولم يجر الإفصاح عنها، أو تخضع للرقابة العامة، ولم تنته، أيضا، عند بند متعارف عليه لدى معظم الجمعيات الخيرية، ينص على اقتطاع 20% من التبرعات للعاملين عليها، فقد نُصبت على بعد أمتار من المسجد «آرمة» إعلان عن بيع قطع من الأراضي لغايات الإسكان، وبالتالي تم استخدام المسجد كـ»مصيدة» للترويج العقاري، حيث جرى بناؤه بعد شراء مساحات واسعة من الأراضي بأسعار رخيصة، ليجري بيعها ببركة المسجد بأضعاف مضاعفة.
كان مفهوما، بالطبع، عدم السير بإجراءات الحصول على الترخيص، لأن القوانين والأنظمة لا تسمح بذلك، كان مفهوما، أيضا، أن أسهل وسيلة للضغط على الوزارة، لانتزاع الترخيص منها، هو استخدام السلطة الشعبية التي يمتلكها من أشرف على بناء المسجد وقد فعل ذلك بحجة الانتصار للمساجد ، لكن الوزارة رفضت، كان لافتا، ثالثا، أن ما حدث ليس جديدا، فهو جزء من عمليات استثمار متكررة، يباشرها مجموعة من الأشخاص، سواء في قطاع بيع الأراضي، أو غيره.
سأتجاوز مسألة عدم الحاجة لبناء مساجد جديدة في بلد مزدحم بالمساجد، وعدم الحاجة لبناء مسجد في منطقة نائية تخلو، تماما، من السكان، وعدم الحصول على التراخيص اللازمة قبل الشروع في البناء، أشير فقط إلى قضيتين في السياق العام :
الأولى هي التحالف بين السياسي والديني ورجال الأعمال البزنس ، يعكس ذلك بوضوح احد المسلسلات الواقعية العربية (اسمه الريان)، حيث قام عدة اشخاص بتأسيس شركات لتوظيف الأموال في مصر نهاية السبعينات، الفكرة التي استندوا إليها هي إغراء المودعين بالادخار مقابل عمولة وصلت إلى نحو 40 %، وبموجب فتاوى حصلوا عليها باسم الدين، جنوا أرباحا طائلة، ثم انكشف المستور، وإذا بهم مجموعة من النصابين.
القضية الثانية تتعلق بخطورة توظيف الدين في أي مجال، سياسي، أو اقتصادي، أو طبي..الخ، أولا، لأن الذين يمارسون هذه المهمة يعتقدون أنهم يتحدثون باسم الله، وبالتالي فهم أوصياء على غيرهم من البشر، وطهارتهم لا تسمح لهم بقبول أي نقد، مهما كان، وثانيا، لأن القبض على هؤلاء أو كشفهم بأية لحظة، سيضرّ بالدين، وربما يدفع بعض المؤمنين بمشروعه الإنساني النبيل (خاصة من الشباب ) للهروب منه، تحت وطأة الخلط بين الدين ودعاته، أو المحسوبين عليه.
في القرآن الكريم، وردت كلمة «المقت»، وهي أشد أنواع الكراهية، لوصف حال الذين يقولون ما لا يفعلون، فالله تعالى لا يحب هؤلاء، ولا يزكيهم، ويستنكر عليهم فعلتهم، «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» صدق الله العظيم.