العتوم يكتب: التجارب العالمية في اصلاح وتطويـر القطاع العام

مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/01 الساعة 08:34

التجارب العالمية في اصلاح وتطويـر القطاع العــــام World Practices المقالة الثالثة:

تجربــــة كل من الصين، ونيجيريا ولاتفيــا

د. راضــي العتــوم/ مدير عام معهد الادارة اعامة سابقا
المشرف الفني على مركز الدراسات والمعلومات بغرفة الرياض حاليا

تجربــــة الصين في اصلاح وتطوير القطاع العــام

أعلنت الصين في تقرير عمل الحكومة Government Work Report الذي رُفع للكونغرس الحادي عشر قال فيه أنه لتسريع وتيرة اصلاح نظام الادارة وتحفيز بناء الحكومة لذاتها فانه يجب على الحكومة جذب واستقطاب اهتمام الشعب Government reform has attracted considerable public concern.

فقد برز الاهتمام بالاصلاح على مستوى رئاسة الدولة كمشروع وطني استراتيجي، وجاء ذلك على خمسة مراحل استمرت ثلاثين سنة، حيث استفادت من تجربتي فرنسا وبريطانيا في التطوير، فعملت الحكومة على ايجاد نموذج وزارة للتطوير أسمته Super-Ministry System والذي يهدف الى بناء مؤسسات حكومية مثلى، ويعمل على نشر أمثل Deployment لدور الحكومة على أرض الواقع (Fangcheng Yuan, 2010, P86 ).

لقد ساعدت مراحل الاصلاحات الخمسة الصين في الآتي:
1. تخفيض العبء المالي على كل المستويات،
2. تحسين كفاءة العمل للحكومة،
3. بناء الخدمة المدنية وفقا لمتطلبات بناء خدمة مدنية ذات جودة ومهنية عالية.
4. تعميق اصلاح نظام الموظفين، واقتراح ادخال آلية للتنافس، وتطوير نظام الخدمة المدنية.

وعليه، وبشكل تدريجي ادخلت الدولة أنظمة الاختيار والتعيين للقيادات وللكادر الحكومي، وكذلك القواعد والطرق لتقييم الخدمة المدنية، وللجوائز، والتدوير الوظيفي، ومباديء تفادي استغلال الوظيفة العامة (Yuan, P87).

خلاصة القول، لقد ارتكزت الاستراتيجية الاصلاحية للقطاع العام في الصين على خمس خبرات تراكمية تمثلت فيما يلي:

1. يجب التركيز على ابقاء نظام السوق الاقتصادي الاشتراكي كهدف أول، ووضع آليات التحول الحكومي كمفتاح للاصلاح.
2. الالتزام بمبدأ التبسيط، والاتحاد والكفاءة، وضمان انسياب الهيكل التنظيمي للحكومة كمهمة مركزية للاصلاح الحكومي.
3. الالتزام بالمبدأ بفعالية، والانصياع للاصلاح بخطوات سليمة، واعطاء اهتمام كامل لكل مظاهر العطاء والتقدم الحصيف.
4. يجب الالتزام بالاصلاح المؤسسي، واصلاح نظام الموظفين جنبا الى جنب لتطوير السياسات المتكاملة ومقاييس مثالية هيكل الرواتب.
5. الالتزام بقيادة موحدة تحمل تدرج المسؤولية، وتحليل الصواب من الحقائق، ومن ثم تنفيذ خطوات الاصلاح خطوة بخطوة وفقا للظروف المحلية.

ونظرا لتوقع مواجهة العديد من التحديات، فان الحكومة ينبغي أن تزيد التركيز على الآتي:

 دعم وتشجيع نظرية الابتكار والابداع.
 تطوير التشريعات.
 اعادة النظر بوظائف الحكومة كمهام أساس وجوهريـــة.
 السعي الجادّ للاصلاح المؤسسي والاصلاح الشامل.

تجربــة لاتفيــا في تطوير ادارة الموارد الماليّـة والكفاءة الاقتصاديـة

جاء نجاح تجربة لاتفيــا من طلب الحكومية اللاتيفية من منظمة التجارة والتنمية ال OECD التعاون في تطوير الكفاءة الاقتصادية للموارد المالية للحكومة تحديدا، وذلك عام 2014 حيث عملت المنظمة على تقديم مهمتها الاستشارية في عام 2015 وتبنتها الحكومة وبشكل جادّ لتحقيق كل ما تمّ استنباطه من واقع العمل الحكومي، وما تمّ استقراؤه لمستقبلها في مجال الموارد المالية.

ففي تلك المهمة الاستشارية لمنظمة التجارة والتنمية OECD (2015) كان الهدف الأساس هو تطوير كفاءة القطاع العام من أجل نمو أفضل في لاتفيــا، حيث ركزت على أبعاد الكفاءة الاقتصادية للوصول الى تنمية الموازنة العامة، وبالتالي استدامتها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تحقيق الكفاءة بالانتاج وبالخدمات العامة، والتي ترتكز على فعالية الانفاق، وبرامج الضرائب في تحقيق أهداف الرفاه استنادا الى النمو والتوزيع، والعنصر الثالث هو كفاءة التكلفة؛ والتي ترتبط بالادارة، وبرامج انفاق المؤسسة ونظم الضريبة وما تتضمنه من سياسات لمحاربة الاقتصاد الخفي، وقد انتهى الأمر بانجاز وتحقيق الآتي (Klein, C. and R. Price , 2015, P6) :
 تحسن الاطار المالي بشكل جوهري، حيث تمكنت الدولة من تحقيق الاستدامة طويلة الأجل للمالية العامة.

 تمّ ادراج المستويات العليا من أولوية عدم العدالة والمعالم غير الرسمية للتهرب الضرائبي، والانفاق، ومقتضيات أخرى في الاقتصاد.
 أمكن تطوير ثبات ومهنيّة القطاع العام وذلك بواسطة تعزيز وتوجيه القدرات الاستراتيجية للمؤسسات، وتطوير ادارة الموارد البشرية، وتعزيز الشفافية في المشتريات الحكومية، والتأكيد على أن تكون الحكومات المحلية مكتفية بمواردها ومستقلة من أجل تحفيز جودة الخدمات العامة.

تجربـــة نيجيريــا

تُعــدّ تجربة نيجيريا تجربة مميزة جدا، وقريبة من واقعنا العربي الى حــدّ كبير جدا، فقد كان الفساد منتشرا ومتغللا في أجهزة الدولة، وتتفشى البيرقراطية بشكل سافر، وبيعت أسهم وملكيات الشركات والمؤسسات الحكومية بمبالغ أقل من قيمتها السوقية، وما أن جاء رئيس الوزراء أبسنجو Obasanjo الى سدّة الحكومة وعقد العزم على تطهير الفساد، وتطوير اجهزة الحكومة، والنهوض بتنميتها الاقتصادية، فتبنّى برامج اصلاحية واسعة النطاق، واتضح اصراره على تنفيذ خطط استراتيجية راسخة للنهوض بالدولة واخراجها من واقعها المؤلم، فعمل على التعاون مع دائرة التنمية الدولية البريطانية DFID عام 2004، لتقديم مساندة فنية في الاطار العام للتطوير وتحسين جودة الخدمات العامة، كما تعاون مع أهل العلم والمعرفة المخصلين من أبناء نيجيريا لتحقيق التنمية المنشودة والسير نحو العالم المتقدم.

وفي ظلّ معاناة نيجيريا من البيروقراطية، والفساد، وتراجع مستوى أداء الدولة برمتها، وبعد عودتها الى الديمقراطية بعد الحكم العسكري، عكفت الحكومة على اتباع نهج وبرنامج اصلاح جاد لاصلاح القطاع العام للفترة 1999-2013، فحققت نتائج مميزة ينبغي الوقوف عندها. public service are a ritual which every regime must embark on..

لقد كانت تلك الانجازات لحكومة Obasanjo الاصلاحية، والتي اتجهت الى الاقتصاد الرأسمالي النقـي pure capitalist economy ، وكما لخصها (Bayo (2012 لاصلاح حكومة أوبسانجـو في مجموعة محاور تمّ تطويرها لتشمل الآتي (Okorie & Stella, 2014, P268-70 ):

1. اصلاح التقاعد فأدخلـــــوا قانون اصلاح التقاعـد Pension Reform Act of 2004؛
2. اتبعوا سياسة تبديل المزايــــــا الأخرى للموظف بالنقــد Monetization Policy ؛

وكان لهذه المبادرة مهمة حيوية تتمثل في تحديد الكلفة الفعلية للحكومة من أجل منع الخسارة في الأجور، وفي التسرّب المالي في كل أعمال الحكومة، وكذلك تهدف الى تحسين حزمة الانفاق/ الدفع للموظف العام.
ويكون ذلك بأن يتم التعويض نـقـدا quantifying in money ، لكافة المنافع التي يحصل عليها الموظف والمسؤول الحكومي كجزء من شروط العمل والمكافآت؛ فشملت المزايا العينية الممنوحة للعاملين مثل فواتير الكهرباء، والمياه، والهاتف.

3. اعادة هيكلة وزارات معينة كمشروع تجريبي ؛ Restructuring and Repositioning of Ministries وهذا كان كوزارت للتجربة Pilot Ministries معتمدا على التجارب العالمية المثُلى، فبنى كادرا من الموظيفين معزز ومبني على التكنولوجيا ICT ليكونوا مهنيين متخصصين وذلك لحل مشكلات التضخم الوظيفي، ويعيد الثقة بالنيجيرين في مؤسسات الدولة العامة، وليحل الازدواجية والتداخل للوظائف بين المؤسسات والدوائر، فأدى هذا الى اعادة تموضع reposition الخدمة المدنية الفدرالية.

4. اتباع سياسة فرض التعليمات والمعايير المالية ومنع الفساد Financial Regulations and Anti Corruption Policy ؛

بحلول عام 2000 أصدر مجلس الأمة مرسوما بانشاء أنظمة رقابة عمليات الفساد كمؤسسة مستقلة وكذلك شكل لجان دفاع ذات علاقة، كما شكل هيئة للجرائم المالية والاقتصادية؛ وذلك من أجل محاربة الفساد بصورة جادّة وفعالة، ومن أجل اعادة الثقة لأعمال القطاع العام، ولتعزيز حصافة الادارة الحكومية، والحفاظ على المال العام.

5. اصلاح نظام الرواتب ، وتحجيمــه Down-sizing the Public Sector ؛

وذلك بايجاد قواعد ومبادئ واضحة للخدمات العامة Public Service Rules عام 2010.

ولنجاح العمل في هذا الاطار، فقد عملت الادارة الحكومية على عمل توثيقي للمعلومات البيومترية، وعلى اجراء تمرين لكل رأس/ فــرد biometric data documentation and head count exercise؛ وذلك بهدف تخفيض جشع العاملين ووضع صورة كاملة للكلفة المالية للمزايا التي يتقاضونها، والتي وصلت الى حـدّ الجشع والتطرّف في الاستغلال لموارد الدولة.

6. تطوير الخدمات الحكومية Service Delivery
وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، والادارة الذكيّة، والحكومة الالكترونية المتكاملة.
ومن الجدير بالذكر، أنه وقبل رئاسة أبسنجو Obasanjo ساد الاحتكار القطاع العام، ومؤسسات الأعمال، والكثيرون وقفــوا ضد التطوير والتنمية، والاصلاح (المقاومة المعهودة)، والنهوض بالدولة، الاّ أن أبسنجو تبنّى برامج اصلاحية بالتعاون مع دائرة التنمية الدولية البريطانية DFID عام 2004، لتقديم مساندة فنية في الاطار العام للتطوير وتحسين جودة الخدمات العامة، وأقرّ ذلك البرنامج المجلس التنفيذي الفدرالي SERVICOM.
كما استفادت الدولة من التجربة الأمريكية في التطوير، وانفتح على العالم المتطور ليجلب أفضل الممارسات وتطويعها لتتماشى والواقع في البلاد.

7. تطوير نظم المشتريات الحكومية وعملياتها واستحقاقاتها.

ولتحقيق أساسيات برنامج التجديد والاصلاح، فقد تمّ تأسيس الهيئات التالية:

 ديوان المشروعات العامة Bureau for Public Enterprise (BPE) وتطلعوا لأن يلعب الديوان دورا استراتيجيا في أجندة الاصلاح، فكانت مهمته الأساس هي الانتقال السلس للاقتصاد الرأسمالي.
 وفي عام 2004 تأسس ديوان اصلاح الخدمة العامة Bureau of Public Service Reforms (BPSR) كمؤسسة مستقلة في رئاسة الوزراء؛ ليعمل الديوان على اعادة هيكلة، واعادة تنظيم الوزارات ودوائرها، والمؤسسات الأخرى التابعة للحكومة الفدرالية.
لقد أوصى الديوان/ المكتب بأن يتم اعادة هيكلة الوزارات لتكون ما بين 4-8 دوائر معتمدا ذلك على اطار العمل والمسؤوليات لتلك الوزارات، على أن يعرض كل وزارة مهيكلة على المجلس التنفيذي الفدرالي Federal Executive Council لاتخاذ القـــرار العلمي المناسب.
 بناء نظام الرواتب المتكامل ونظام المعلومات للموظفين Integrated Payroll
and Personnel Information System (IPPIS) ؛ وذلك لتنظيم برامج ما قبل التقاعد وخاصة للوظائف غير المتخصصة مثل السائقين، والخدم، والأمن، والتنظيف ومن هم بمستواهم.
 أنشأ رئيس الوزراء أبسنجو Obasanjo عام 2000 أنظمة رقابة على عمليات الفساد كمؤسسة مستقلة وكذلك لجان دفاع ذات علاقة، وايظا هيئة للجرائم المالية والاقتصادية
Independent Corrupt Practice and Other Related Offences Commission (ICPC) and Economic and Financial Crimes Commission (EFCC) were established.
 كما أنشئ فريق لاصلاح الخدمة المدنية ، وفريق آخر للاصلاح برئاسة نائب رئيس الوزراء للتأكد من أن أصول الحكومة لدى الشركات العامة قد بيعت بقيمتها السوقية، ولم تستغل لأغراض البرجوازيين، أو المتنفذين.
 وأخيرا، أنشئت لجنة ستيف أورنساي Steve Oronsaye Committee عام 2007 لتقوم بانجاز المهام التالية:
 دراسة ومراجعة كل التقارير والسجلات السابقة لإعادة الهيكلة للحكومة الفدرالية والمستقلة وتقديم النصيحة فيما اذا كانت قائمة ومناسبة وفعالة.
 اختبار التشريعات السارية المفعول/ العاملة لكل المؤسسات الفدرالية، والهيئات المستقلة، واللجان وتصنيفها حسب القطاعات.
 الفحص الجدي لرسالة وأهداف المؤسسات الفدرالية، والمستقلة، والهيئات واللجان؛ وذلك من أجل تحديد مواطن التداخل، والتقاطع للوظائف فيما بينها، وتقديم التوصيات المناسبة لإعادة الهيكلة سواء بالدمج، أو الغاء الازدواجية والتداخل غير الموضوعي، أو التكرار... الى غير ذلك.
 تقديم النصح والارشاد بأي مسألة ذات علاقة بالهيكلة والخصخصة والتنظيم الحكومي للتقليل من كلفة حوكمة القطاع العام.
المراجــــــــــــع
1. Fangcheng Yuan, A Study on Characteristics of China’s Government Reform in Different Stages since the Reform and Opening-Up and Its Prospects, Journal of Politics and Law , Vol. 3, No. 1, March, 2010 (www. ccsenet.org / jpl), Institute of Political Science, Huazhong Normal University, Wuhan, Hubei 430079.
2. Klein, C. and R. Price (2015), “Improving public sector efficiency for more inclusive growth in Latvia”, OECD Economics Department Working Papers, No. 1254, OECD Publishing, Paris. http://dx.doi.org/10.1787/5jrw57p59bxx-en.
3. Teresa Curristine, Zsuzsanna Lonti and Isabelle Joumard, Improving Public Sector Efficiency: Challenges and Opportunities, OECD Journal on Budgeting, Vol 7, No.1, ISSN 1608-7143, OECD, 2007.
4. Okorie, Cornelius Ofobuisi & Stella, Odo , A Survey of Public Service Reforms in Nigeria: 1999-2013, International Journal of Humanities and Social Science Vol. 4, No. 10; August 2014.
5. OECD (2015), “Executive summary”, in Government at a Glance 2015, OECD Publishing, Paris. DOI: http://dx.doi.org/10.1787/gov_glance-2015-3-en.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/01 الساعة 08:34