«أبو طالب» البوذي يظهر في تايلند ...!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/01 الساعة 02:15
وجهان لتايلند: أحدهما يعرفه الذين يبحثون عن السياحة والمتعة ، او الاستثمار والتجارة واحياناً السياسة، أما الآخر فلا يمكن أن تراه الاّ حين تدقق في وجوه “المسلمين” الذين يسكن اغلبيتهم في محافظة “فطاني” التي تقع جنوب البلاد...هناك يبحث الناس عن أشياء أخرى تضمن لهم الحفاظ على هويتهم وسط محيط يخشون الذوبان فيه، كما يحاولون انتزاع حقوقهم لكي يتكيفوا مع العصر ويندرجوا في إطار الدولة ويبرزوا النموذج الذي يحلمون به. أبو طالب الأستاذ البوذي الذي يعمل مستشاراً في جامعة الأمير سونكلا بفرع فطاني (اسمه كانوك) يعتقد ان التعليم هو بوابة “تغيير الصورة” للمسلمين، يقول: نذرت نفسي لدعم المسلمين، كما فعل أبو طالب تماماً مع الرسول عليه السلام، قلت لهم: لا تبحثوا عن الحلول في السماء ابحثوا عنها في الأرض، تعلموا كيف تنتقلون من مجرد عمال وحراس الى مهندسين وأطباء وخبراء في الاقتصاد والتقنية، لا يمكن ان تنافسوا في السوق الاّ اذا امتلكتم “العلم” وأدخلتهم ابناءكم الى الجامعات، والأهم إذا خرجتم من العزلة وانخرطتم في المجتمع ورأيتم العالم على حقيقته. حين استمعت للدكتور كانوك خطر في بالي سؤال واحد وهو: لماذا يتطوع هذا الرجل البوذي لمساعدة المسلمين؟ ربما يكون “مبعوثاً” من قبل الحكومة (الدولة إن شئت) في إطار سعيها لاستيعاب الأقلية المسلمة، ربما يكون تطوع من نفسه بعد ان رأى “التهميش” الذي تعاني منه المناطق التي يعيش فيها المسلمون وتولدت لديه الرغبة في تقديم الخدمة اليهم، خاصة في المجال التعليمي والمجال الديني، ربما أراد ان يقدم نموذجاً “حياً” للتعايش بين البوذيين الذين يشكلون أغلبية السكان وبين المسلمين الذين ما زال بعضهم يحلم “بالانفصال”. مهما تكن الأسباب فإن ما فعله الرجل يلهمنا – كمسلمين- لرؤية صورتنا، ليس فقط في تعاملنا مع الآخر الذي يختلف معنا في الدين او المذهب او حتى في السياسة، وانما مع أنفسنا، سواءً في الدائرة الحضارية او الدينية او الوطنية، ومن المفارقات أن تكون نظرتنا للبوذي – مثلاً- ما تزال محصورة في زاوية “الطرد” من الملّة الدينية وربما الإنسانية فيما لم يتردد (كانوك) البوذي عن وقف وتسخير كل جهوده في خدمة المسلمين. من “فطاني”، البلدة التي تمتد في جنوب تايلند، يمكن بوضوح ان ترى صورة “المسلمين” التي يحاول أبو طالب ان يغيرها، فالفتوى هناك كما قال كانوك لسماحة المفتي العام للمملكة بحاجة الى “تطوير” وربما يكون النموذج الأردني صالحاً لكي يستفيدوا منها، والدعاة بحاجة الى تأهيل وتدريب، وتجربة الوقف الإسلامي التي رأيناها في جامعة “فطاني” الاهلية يمكن ان تؤسس لحالة من المؤسسية الأهلية لخدمة الناس في كل المجالات، ونوازع التعصب والكراهية يمكن كذلك ان تواجه بخطاب عقلاني وبإصرار الجميع على التعايش وان اختلفوا في الدين او العرق او المذهب والسياسة. المفارقة الغريبة ان كل ما حدث في بلد مثل “تايلند” من صراعات وحروب لم يفرز لدى الشعب والدولة هناك الاّ الإصرار على التقدم، وفي الوقت الي كان بمقدور الناس في بلداننا التي لديها أفضل مما لدى التايلنديين من مقدرات ان ينجزوا تجربتهم وأن يدبروا أوضاعهم كما فعل اخواننا “البوذيون” رغم كل الظروف ، الا ان ما حدث كان عكس ذلك تماما، فنحن ما زلنا للاسف نتراجع بصورة مذهلة، لدرجة ان ما انتجه التطرف والتخلف كان كفيلاً بإعادتنا مئات السنوات إلى الوراء. ترى، هل نحتاج الى “بوذي” مثل كانوك الذي يسعده ان يلقب “بأبي طالب” لكي يلهمنا او يساعدنا على تغيير مسار تجربتنا البائسة، ويعيد الينا حلمنا المفقود بالنهضة والتقدم، بعد ان عقمت أرحام امهاتنا عن ولادة عربي ومسلم فصيح. الدستور
  • لب
  • صورة
  • مال
  • اقتصاد
  • المسلمون
  • الدين
  • الأردن
  • إسلامي
  • عرب
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/01 الساعة 02:15