العقاب في الحياة السياسية الجامعية
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/23 الساعة 00:18
عشنا فترتين زمنيتين لا تشبهان بعضهما أبدا. في العام 1999، تعرضت للفصل النهائي من الجامعة الأردنية أثناء دراستي في كلية الدراسات العليا. حينها، وجهت لي عدة تهم إثر مشاركتي في حراك طلابي واسع. كان حراكا مطلبيا سلميا، ولم يحمل أي بعد سياسي إدراكا منا لخطورة ذلك على دراستنا ومستقبلنا.
من الصعب جدا أن تفصل في نهاية دراستك للماجستير لأنك عبرت عن رأيك أو ذاتك. النتيجة، وقتها، ربما تكون خطيرة على مستقبلك وعملك، وعلى مجمل حياتك، فقد كان أمرُ كهذا كفيلًا ببناء ملف ضخم عنك، مليء بالملاحظات التي سَتَحوْلُ دون تمكّنك من تحقيق أي هدف أو حُلم.
من حسن حظي، أن إدارة الجامعة تراجعت لاحقا عن قرارها، فعدت إلى الدراسة من جديد. لكن المسألة لا يمكن حسمها بتجربة شخصية لم تلحقْ أي ضرر يذكر، فهناك طلبة كثيرون تأثروا سلبا وبشكل جدي لأنهم حاولوا التعبير عن انتماءاتهم الأيديولوجية، واليوم لا يمكن لنا أن نعيد عقارب الزمن إلى الوراء لكي نعوضهم عمّا مروا به من تجارب مريرة.
كان الترشح لانتخابات مجالس الاتحادات ضمن أبعاد حزبية يمكن أن يشكل انتحارا معنويا للطلبة، والتعبير الحر عن الانتماء الحزبي قد يشكل نهاية لـ”مغامرة” غير محسوبة العواقب.
تلك خسارات كانت واضحة على مئات الأشخاص الذين تضرروا بسبب ذلك، ولكنْ هناك خسارات فادحة لم تكن مرئية حينها، وهي التي تحملها الأردن بسبب تغييب أجيال كثيرة عن حقهم في ممارسة العمل السياسي الطلابي في الجامعات، ما أدى إلى تخريج آلاف الطلبة الذين لا يحملون أي فكر أو نُضج سياسي، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على الدولة، وعلى مشاريعها الإصلاحية.
اليوم، يبدو الأمر مختلفا كثيرا، فبدلا من المنع والعقاب، تهيئ الدولة البيئة الصحية الملائمة أمام الطلبة لكي يمارسوا حريتهم الحزبية والسياسية، بعد إقرار نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي لسنة 2022، والذي لا بد أن يحسب على أنه تطور إيجابي نحو إشاعة الحريات، وتجذير الحياة السياسية في مؤسسات التعليم الجامعية، فالحراك الحزبي متاح بصورة رسمية طالما لا يتعارض مع الأنظمة والتعليمات.
هذه التعليمات تتزامن مع ضمانة عدم تأثير الانتماءات الحزبية والسياسية على مستقبل الطلبة، وهي العقبة الأكبر التي كانوا يواجهونها، فغدا الطلبة أكثر راحةً وطمأنينةً على حياة ما بعد التخرج.
من حق الطلبة اليوم تنظيم المؤتمرات، والدعوة إلى الأحزاب، وبتسهيلات تقدمها عمادات الطلبة، التي التقاها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني مؤخرا، وأكد دورها في تشجيع الطلبة على الانخراط في العملية السياسية، وهي رسالة لا بد أن تأخذها هذه العمادات على محمل الجد، خصوصا أنها تترافق ونظاما جديدا كان لصالح الطلبة لا عليهم.
أعود إلى تجربتي الشخصية مع الحراكات الجامعية والفصل، وأسأل: هل يمكن أن يحدثَ هذا اليوم؟ بالتأكيد لا، طالما لم يخالفْ الطالبُ التعليماتِ والأنظمةَ، ما يعني أن الكرة في ملعب جيل طلابي بأكمله لأن يكون جزءا من منظومة إصلاح سياسي، قوامه حراك حزبي سيشكل هوية الحياة النيابية وصولا إلى حكومة برلمانية.
السلوك القديم لأجهزة الدولة لن يكون له مكان في زمننا الحاضر، وربما من المفيد أن تعترف الدولة، وبأثر رجعي، بأنها أخطأت في “اجتهادها” الذي منعتْ فيه ممارسة الطلبة لواحد من حقوقهم الأساسية، وأن تقرَّ بأن سلوكها لم يكن صحيحا.
من الصعب جدا أن تفصل في نهاية دراستك للماجستير لأنك عبرت عن رأيك أو ذاتك. النتيجة، وقتها، ربما تكون خطيرة على مستقبلك وعملك، وعلى مجمل حياتك، فقد كان أمرُ كهذا كفيلًا ببناء ملف ضخم عنك، مليء بالملاحظات التي سَتَحوْلُ دون تمكّنك من تحقيق أي هدف أو حُلم.
من حسن حظي، أن إدارة الجامعة تراجعت لاحقا عن قرارها، فعدت إلى الدراسة من جديد. لكن المسألة لا يمكن حسمها بتجربة شخصية لم تلحقْ أي ضرر يذكر، فهناك طلبة كثيرون تأثروا سلبا وبشكل جدي لأنهم حاولوا التعبير عن انتماءاتهم الأيديولوجية، واليوم لا يمكن لنا أن نعيد عقارب الزمن إلى الوراء لكي نعوضهم عمّا مروا به من تجارب مريرة.
كان الترشح لانتخابات مجالس الاتحادات ضمن أبعاد حزبية يمكن أن يشكل انتحارا معنويا للطلبة، والتعبير الحر عن الانتماء الحزبي قد يشكل نهاية لـ”مغامرة” غير محسوبة العواقب.
تلك خسارات كانت واضحة على مئات الأشخاص الذين تضرروا بسبب ذلك، ولكنْ هناك خسارات فادحة لم تكن مرئية حينها، وهي التي تحملها الأردن بسبب تغييب أجيال كثيرة عن حقهم في ممارسة العمل السياسي الطلابي في الجامعات، ما أدى إلى تخريج آلاف الطلبة الذين لا يحملون أي فكر أو نُضج سياسي، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على الدولة، وعلى مشاريعها الإصلاحية.
اليوم، يبدو الأمر مختلفا كثيرا، فبدلا من المنع والعقاب، تهيئ الدولة البيئة الصحية الملائمة أمام الطلبة لكي يمارسوا حريتهم الحزبية والسياسية، بعد إقرار نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي لسنة 2022، والذي لا بد أن يحسب على أنه تطور إيجابي نحو إشاعة الحريات، وتجذير الحياة السياسية في مؤسسات التعليم الجامعية، فالحراك الحزبي متاح بصورة رسمية طالما لا يتعارض مع الأنظمة والتعليمات.
هذه التعليمات تتزامن مع ضمانة عدم تأثير الانتماءات الحزبية والسياسية على مستقبل الطلبة، وهي العقبة الأكبر التي كانوا يواجهونها، فغدا الطلبة أكثر راحةً وطمأنينةً على حياة ما بعد التخرج.
من حق الطلبة اليوم تنظيم المؤتمرات، والدعوة إلى الأحزاب، وبتسهيلات تقدمها عمادات الطلبة، التي التقاها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني مؤخرا، وأكد دورها في تشجيع الطلبة على الانخراط في العملية السياسية، وهي رسالة لا بد أن تأخذها هذه العمادات على محمل الجد، خصوصا أنها تترافق ونظاما جديدا كان لصالح الطلبة لا عليهم.
أعود إلى تجربتي الشخصية مع الحراكات الجامعية والفصل، وأسأل: هل يمكن أن يحدثَ هذا اليوم؟ بالتأكيد لا، طالما لم يخالفْ الطالبُ التعليماتِ والأنظمةَ، ما يعني أن الكرة في ملعب جيل طلابي بأكمله لأن يكون جزءا من منظومة إصلاح سياسي، قوامه حراك حزبي سيشكل هوية الحياة النيابية وصولا إلى حكومة برلمانية.
السلوك القديم لأجهزة الدولة لن يكون له مكان في زمننا الحاضر، وربما من المفيد أن تعترف الدولة، وبأثر رجعي، بأنها أخطأت في “اجتهادها” الذي منعتْ فيه ممارسة الطلبة لواحد من حقوقهم الأساسية، وأن تقرَّ بأن سلوكها لم يكن صحيحا.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/23 الساعة 00:18