الصمادي.. أردني يُبدع بتشكيل اللوحات عبر ضغط النحاس
مدار الساعة -ليث الجنيدي/ الأناضول -للفن أشكالٌ وألوان وأساليبٌ تختلف من إنسانٍ لآخر، منه ما وصل عبر العصور والأزمان وآخرٌ أوجدته الموهبة الخاصّة والإتقان، ليبقى شاهدا على تميّز صاحبه ويحفظ إبداعه من النسيان، وفن الضغط على النحاس إحدى هذه الحرف التي تقاوم الاندثار.
في محافظة جرش شمالي الأردن، اختار أحمد الصمادي (64 عاما) لونا فريدا من الفن ليتميّز به، بل ولأن يجعله من الأسماء المعدودة على مستوى بلاده فيه، والمتمثل بتشكيل اللوحات الفنيّة عبر ضغط النحاس.
درس الصمادي دبلوم هندسة الاتصالات بإحدى الكليات العسكرية، وخدم في جيش بلاده إلى أن بلغ سن التقاعد برتبة نقيب عام 1995.
ـ الضغط بدل الطَّرق
وعن بدايات تعلمه لفن الرسم عبر الضغط على النحاس، قال الصمادي: "تعلمت هذا الفن من خلال عملي بسوق حرفي في جرش بعد التقاعد، وأسسنا جمعية في 2008، تُعنى بالحرف اليدوية، ثم انتقلت إلى أخرى وهي جمعية رواق جرش للثقافة والتراث في 2014".
وتابع في حديثه للأناضول: "من خلال الجمعيات، التحقت بدورات حرف يدوية، وتعلمت على أيدي خبراء، وأكثر ما أعجبني تجسيد النحاس".
واستدرك الصمادي: "هنا لا أقصد كما يعتقد البعض بأنها طَرقٌ على معدن النحاس، فأنا لا أستخدم المطرقة أو السنبك (قطعة معدنية محدّبة)، وإنما الأقلام الخشبية".
وأردف: "أستخدم رولات (لفائف) النحاس الطّري أو المطاوع، ويتم تقطيعه بشكل صفائح بحجم يتناسب مع اللوحة المراد رسمها".
وأضاف: "بعد ذلك أقوم بطباعة الصورة على ورقة، ثم يتم تعليمها على صفيحة النحاس، وبعد ذلك ننتقل لمرحلة أخرى تسمى الغائر، وهي تعميق الملامح العامة للصورة بطريقة عكسية، من الجانب الآخر للصفيحة لإبرازها".
ومضى الصمادي، في توضيحه لآلية عمله "ثم نقوم بتعبئة الغائر بمعجونة؛ منعا لتغير شكلها مع الملامسة والحركة، ومن ثم تلصق على لوح خشبي وتوضع داخل إطار خاص بحجم يناسب اللوحة، ثم أخيرا التلميع والتعتيق بالحرق، أو استخدام مادة خاصة لهذه الغاية".
واستطرد: "أركز في لوحاتي على المناظر الطبيعية والورود وحيوانات وآيات قرآنية وأغلفة المصاحف ومناظر سياحية، وأي شيء يتم طلبه مني".
ولفت إلى أن "إنجاز أي لوحة على الصفائح النحاسية يعتمد وقت إنجازها على حجمها وتفاصيلها، فبعضها لا يستغرق سوى ساعات وبعضها الآخر يحتاج إلى أيام".
وأردف: "أستطيع إنجاز من 10 إلى 15 لوحة صغيرة في اليوم الواحد".
ـ علمني أحد ذوي الإعاقة
وفي تأكيده على أن الإبداع لا يقتصر على الأصحاء فقط، قال إن "من علمني هذه الحرفة شخص من ذوي الإعاقة، يعيش بالعاصمة عمان، ويُعرف اسمه بسيف النحّاس".
وشدد الصمادي، على أن "الإنسان يجب أن ينقل علمه للآخرين"، وفي هذا السياق، قرر تعليم حرفته عبر عقد مجموعة من الدورات التدريبية.
وبلغ مجموع من التحق بالدورات، بحسب الصمادي، نحو 400 شاب وشابة من الجنسيتين الأردنية والسورية.
وأوضح أن "منهم من عمل بها، ومنهم من لم يهتم، ومنهم من أصبح مدربا ومرجعاً فيها".
وعن طبيعة أسعار اللوحات التي يصممها، قال: "الأسعار متفاوتة تبدأ من 5 دنانير (7 دولارات) وتصل لـ40 دينارا (56 دولارا)، والسبب أن خام النحاس سعره مرتفع بالأردن".
وكشف أنه "بناءً على ما أجده خلال جولاتي التدريبية في محافظات المملكة المختلفة، ظهر لي بأنني الوحيد في الشمال، ومن المعدودين على مستوى البلاد، ممن يتقن هذه الحرفة".
ـ حرفة نادرة
واستطرد: "هذه الحرفة جميلة ونادرة، لذلك أحرص دائماً على نقلها للآخرين، وأؤكد دوما أن النجاح لا يتحقق ما لم يكن لدى الإنسان عزيمة وإصرار على التفرد والتميز فيما يفعله ويقوم به".
الصمادي، لفت إلى أن "الحرفة موجودة منذ القدم، وأخذت على عاتقي حفظها من الزوال، كإرث تعارف عليه أجدادنا منذ عقود طويلة، خاصة وأنها باتت نادرة ومهددة بالاندثار".
ودعا الجهات المعنية في بلاده أن يكون لها دور في إعادة إحيائها وتبنيها، قائلا: "نطمح لإنشاء مشغل خاص لهذه الحرفة وغيرها من الحرف الأخرى".
وبحسب المراجع المختلفة، فإن النقش والرسم على النحاس، واحد من أهم الفنون الإسلامية، التي بقيت محتفظة بمكانتها في العالم.
ولهذا الفن طرق مختلفة، فمنها ما يتم استخدام الإزميل والمطرقة فيه، وأخرى بالنّقر، وطريقة بسكب الفضة، أو بالضغط، كما يفعل الصمادي.
ومن أبرز التحديات التي تواجه من يعملون بهذه الحرفة حاجتها لجهد وتكاليف عالية في بعض الأحيان، ما يجعل الإقبال عليها ضعيفاً نوعاً ما، ما دفع العاملين بها إلى تركها.