مراجعة الذات

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/21 الساعة 03:00
حين نتحدث عن بلدنا, ونتحدث عن قطر.. ونسأل أنفسنا لماذا لم نحتضن تظاهرة عالمية مثلهم, تكون الإجابة دوما: (المصاري)... أو (عندهم دخل)..
هذه اجابة العاجز, ولكن الحقيقة غير ذلك تماما... نحن دولة من دون موارد, من دون ماء يكفي, من دون نفط... ومع ذلك أنتجنا في السبعينات والثمانينات, أهم منظومة تعليمية في العالم العربي, فقد كانت كليات الطب في الجامعات الأردنية هي الأهم من كل جامعات العالم العربي...
نحن أيضا كنا محجا للمرضى في العالم العربي, ونحن أول من أجرى عمليات زراعة القلب, نحن أول من أجرى عمليات زراعة الكلى, نحن الذين كانت مستشفياتنا وخدماتنا الطبية نواة لأهم مؤسسات علاجية في العالم العربي, وكان الأطباء لدينا يعالجون الرؤساء العرب...
نحن أول من أنشأ أكاديميات للطيران العسكري في العالم العربي, ونحن أول من انتجنا شركة طيران (عاليه).. والتي غطت خطوطا ومدنا عجزت كل خطوط الطيران في العالم العربي عن الوصول لها... ونحن أول من بنى شبكات الطرق الحديثة, وأول من أنشأ الجامعات العسكرية.. وأول من افتتح كليات الحرب والأركان...
نحن أيضا أول من بنى مراكز القيادة والسيطرة, وعلمنا العالم العربي معنى الأمر.. ونحن أول من انشأنا الصقور الملكية, ونافسنا الغرب في الألعاب الجوية, وتفوقنا عليهم.
القصة ليست في المال صدقوني, القصة تكمن في الإرادة... المواطن القطري منذ (12) عاما واهتمامه ينصب على بناء المرافق, وتوفير الإمكانيات.. وانتاج المشروع القطري الخاص بالقيم والثقافة والهوية, ونحن منذ (12) عاما ونحن ننتج الشتم والردح والبث المباشر على وسائل التواصل الإجتماعي, كان الأجدى بالبعض بدلا من انغماسهم بنرجسية المعارضة أن يتجهوا للعمل والإنتاج.. وتحدي المستحيل.
منذ (12) عاما والمواطن القطري, يبني شخصيته المستقله, وقد ترك السياسة والصراعات للجزيرة.. ولوزير الخارجية, ونحن منذ (12) عاما وكل واحد منا يحاول أن ينتج من نفسه قائدا وطنيا ورمزا معارضا, ووزير خارجية ورئيس حكومة..
منذ (12) عاما والمواطن القطري, يركز اهتمامه على استيعاب كل وافد واستيراد العقل, وجذب الكفاءات في العالم العربي, ونحن منذ (12) عاما ونحن نتجول على أبواب السفارات ونحاول اقناع قتيبة بالعدول عن السفر, ونلعن الحظ.. وندين البلد.
منذ (12) عاما والمواطن القطري, يرمي السياسة خلفه, ويعيد بناء جامعاته, ويؤسس جوائز في الترجمة وجوائز عالمية أخرى في الرواية, ويبني الهوية.. عبر إعادة إحياء التراث, ونحن منذ (12) عاما وبعض نخبنا تفكر في بناء مراكز ممولة, ونبحث في قضايا الجندر والحريات, ونقيم مؤتمرات للثرثرة, وفي النهاية نراجع كم حصلنا على تمويل؟
منذ (12) عاما.. والقطري, لا يفكر في الفيس بوك, ولا في تويتر.. تفكيره كان ينحصر في أن يؤسس كيانه المستقل والمتنور من دون وصاية أحد, ونحن منذ (12) عاما ونخبنا الثقافية والسياسية, تفكيرها ينصب على لقاء السفير الفلاني, والحوار مع السفير الفلاني... والأعياد الوطنية للسفارات في الدوحة تمر عابرة, بالمقابل لدينا حين تقيم سفارة عيدها الوطني, تندفع كل البلد للمشاركة.. بدعوة أو حتى بدون دعوة.
كان من الممكن أن نكون مثلهم, كان من الممكن... لكننا للأسف لم نقم بإجراء مراجعة للذات, لم نقم بنقد الذات.. كل همنا كان ينصب على ماذا قال فيصل الفايز, وماذا فعلت الحكومة, وكم وقعوا عقدا.. وكم نائب تنفع, وكم مسؤول أدين..
نسينا الأردن.. الأردن هو الأساس, هو رأس المال.. هو الهوية والوجدان والمسار, نسيناه تماما وصرنا نفكر فقط بإنتاج بطولات الفيس بوك..
هل نحن من ظلمنا الأردن, أم أن بلادنا هي من ظلمتنا؟.. أنا لا أعرف ولكن أكثر ما نحتاجه في هذا الزمن المر ..هو مراجعة الذات, فقط مراجعة الذات.
abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/21 الساعة 03:00