'المونديال' فرصة تاريخية للعرب لتقديم أنفسهـم والدفـاع عن إرثهـم وحضارتهـم
ساعات وينطلق مونديال قطر 2022، أو مونديال العرب الذين تحمل لواءه اليوم قطر.
السعادة والفرح تغمران المنطقة العربية مع اقتراب الحدث العالمي، وشيئا فشيئا ومع تكشف التحضيرات التي أعدتها قطر يرتفع منسوب الفخر العربي بالدولة القطرية التي أحسنت في كل شيء ونجحت حتى قبل انطلاق البطولة.
اليوم تلتف الشعوب العربية حول قطر وتشعر اتجاهها بشيء من العرفان والامتنان، فما كان للأمة العربية أن تقدم نفسها بأفضل من الصورة التي تقدمها قطر اليوم.
بطولة كأس العالم ليس فقط منافسة رياضية تجمع كبار منتخبات العالم للتنافس الكروي، بل هي واحدة من أكبر التجمعات الإنسانية التي تتيح لدول العالم تقديم نفسها وحضارتها وتعريف الناس بقيمها وثقافتها، ومن أحوج من العرب لمثل هذه الفرصة بعد عقود من التشويه والشيطنة التي تعرضوا لها عبر اساطيل الاعلام الغربي الصهيوني.
فالبطولة فرصة فكرية وسياسية لاعادة وضع العرب على سكة الفعل الحضاري الانساني بنهج سلمي تنافسي يدفع عنهم الصورة النمطية للأمة الصراعية كما تصورنا الآلة الإعلامية الغربية باستمرار.
قطر سعت بكلّ ما تملكه من وسائل لاستثمار حضور مئات الالاف اليها لتقديم وجبة فكرية، معرفية حضارية تبرز الوجه المشرق للحضارة العربية والاسلامية وترد عنهم بعض ما الصقته بهم –زورا وبهتانا- دوائر اعلامية غربية مدعومة من الصهيونية العالمية.
من حق قطر علينا أن نكون معها وهي تواجه حملة تشويه تستهدف عرقلة استضافتها للمونديال العالمي، عبر إطلاق حملاتٍ منظمة للحديث عن انتهاكات لحقوق الإنسان، على الرغم من أن منظمي كأس العالم 2022 تحدثوا مراراً وتكراراً عن ترحيب قطر بجميع المشجّعين، بصرف النظر عن ميولهم أو خلفياتهم الثقافية أو العقائدية.
ويسجل للشقيقة قطر أنها لم تهتز أمام مثل هذه الحملات بل كان ردها «أن على العالم والحاضرين الى المونديال أحترام ثقافتنا»، فاختلاف الحضارة والثقافة ميزةً لا عيبا.
فالحقوق التي يتشدق الغرب بها، والحريات التي يتغنون بها تنحرف عن مسارها وتنجرف عن مدارها ويختل توازنها من دولة الى أخرى، وتتحول إلى برامج عالمية مقبوحة، وأجندات سياسية مفضوحة، للنيل من قطر، وقيمها، وقوانينها، وتقاليدها، وعاداتها، وعقيدتها، دون أدنى اعتبار أن لكل دولة حقوقها السيادية وقوانينها المحلية فليس كل ما يدعو له الغرب، حقوقًا إنسانية سليمة الهدف، نبيلة المقصد، بل العديد منها انتهاكًا لحقوق الله وتجاوزًا على عقيدة العربي المُسلم، المُتمسك بتقاليده، المؤمن بمُعتقداته.
استضافة كأس العالم حقًا مشاعًا مُتاحًا لجميع الأمم، صغيرها، وكبيرها، وهو ليس حكرًا على أمة بعينها، ولا على قارة معينة، وينبغي احترام ثقافة الدولة المُضيفة، سواء كانت عربية أم غربية، والاستفادة من تجربتها في الاستضافة، للتعرف على تراثها الثقافي وإرثها الحضاري، وعاداتها وتقاليدها، وضوابطها المُجتمعية، ولا يجوز ان يحاول البعض حصر حق استضافة البطولة العالمية للنخب كما قال وزير خارجية قطر في تصريحات صحفية مؤخرا حين قال «هناك الكثير من النفاق في هذه الهجمات التي يقف وراءها عدد ضئيل جداً من الناس، في عشر دول على الأكثر»، مشدّداً على أنّ «كرة القدم ملك للجميع، وليست نادياً حصرياً للنخب».
قطر تدرك طبيعة الشر المتأصل في ذهنية بعض أصدقائها وحلفائها وشركائها الغربيين وعقولهم، كما تدرك أنها ليست بمأمن من استهدافهم ومكائدهم، مهما فعلت، وأنهم لن يوفروا فرصة لأذيتها وابتزازها من خلال استغلال البطولة الرياضية والحدث العالمي.
ويبقى الفيصل دائماً هو العامل السياسي والمصالح الدولية الكبرى، فالحملات التي تتعرض لها قطر ترتبط مباشرة بما يجري في المنطقة، وبما يحدث في أوكرانيا، وبالخرائط الجديدة لأنابيب الغاز والنفط وأسواقهما وأسعار موارد الطاقة، وخصوصاً الغاز الطبيعي المسال الذي تسعي الولايات المتحدة والاتحاد والمفوضية الأوروبية لتغيير قواعد أسواقه لخفض الأسعار والسيطرة عليها مستقبلاً، فوجدت في المونديال سبيلا لابتزاز قطر في هذا الأوان. يجانب الصواب من يعتقد ان نجاح قطر مرده إمتلاكها المال، حيث برهنت الشقيقة الخليجية أنها منافس قوي في ميدان الوعي الفكري والنضوج الحضاري، فقدمت قبل بطولة العالم نموذج مثالي للحاكمية الرشيدة والتخطيط الاستشرافي والانجاز المدني وبات اسمها يذكر في كل محفل سياسي او اقتصادي وغدت مرجعا لقوى عظمى في عدد من مناطق النزاع والصراع، كما باتت نموذجا في الحياة المدنية العامة وبات النموذج القطري في الرعاية الصحية والتعليم والنقل حلم دول العالم كله.الدستور