عندما يسرق الصغار ملايين الدنانير
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/20 الساعة 01:45
في بلد محدود الموارد كالأردن، كما يقال عنه دائما، كان الأصل أن يكون الشعب فيه متواضعا مالياً، ومتكاتفاً ومتعاوناً اجتماعياً، وملتزماً بالأخلاق الرفيعة، تماما كما كان قبل ثلاثين عاماً على الأقل، ولكن عندما بدأ شبح ما يسمى بالاستثمارات وفتح الباب لكل صائل ومائل ليخترع أفكارا خبيثة ليدخل من بابها كي يملأ خزائنه بملايين الدنانير متكئاً على حساب الأغلبية من الناس الذين لا يملكون سوى قوت يومهم، فإن الموازين هناك قد اختلت وأصبحت الأغلبية تحاول أن تصعد جبال المال والأعمال، حتى وصلنا الى حافة الهاوية، لنجد أن صغيرا يبتلع مئات الملايين من جيوب الناس.
هذا ما جرى خلال سنوات ما تمت تسميتها "بالفورة"، حتى وقع الكثير من المواطنين في حبائل شركات البورصات الوهمية، وخسروا كل مدخراتهم، وضاعت الحُجة بين أروقة المحاكم، وسقط أناس كنا نراهم من المقتدرين ورجال الأعمال ليتدحرجوا عتبات السجون اليوم، ومنهم من فرّ بجلده خارج البلد، ومنهم من مات وهو ينتظر لحظة الفرج التي لم تأتِ، وكيف ستأتي ولا تزال قضية بنك مشهور في نهاية الثمانينات معلقة لأكثر من أربع وثلاثين سنة، وعلى أمل الإفراج عن مقدراتهم توفيّ أكثرهم، حتى وصلنا اليوم الى الاختناق المالي.
كل هذا، وأكثر مما نعرف، لم يعطنا الدرس لنحفظ كيف نتحوط، وكيف نضع قوانين صارمة على حركة المال العام، ففي الوقت التي تعاني القرى المحيطة بالعاصمة عمان من نقص شديد بالمدارس المتهالكة والخدمات العامة والمواصلات والمستشفيات، وبطالة الشباب، فإن التقرير السنوي لديوان المحاسبة كشف كمية الهدر المالي الباذخ وضياع الفرص المنتظرة للمعطلين ومناقلات الأموال بكل الاتجاهات دون تدقيق ولا حساب، والصرف من المال العام لغايات شخصية لم تسدد طيلة سنوات رحل بعض من أثروا منها، وتلاعب لموظفين لتعطيل توجيهات الحكومات المتتالية، ماليا وإدارياً، حتى بتنا أمام طُغمة مخفية من لصوص لا أحد يعرفهم كالمسامير المزروعة في مقعد المسؤولية.
وكما أشار تقرير ديوان المحاسبة لتجاوزات فاضحة لعدد من الأشخاص والجهات دون أن يسميهم بالاسم، فسأذكر هنا حالة فريدة من نوعها لأحد الوزراء المتقشفين، بل والأمناء على المال العام دون ذكر اسمه في حكومة، كما غيره من مسؤولين خرجوا من الحكومة براتبهم التقاعدي لا غير، وعوداً على الوزير مدار القول، فإنه تسلم وزارة سيادية لا يُسأل فيها عن كيف تصرف مستحقاته المالية، حيث ذُكر أنه جاء بالمدير المالي للوزارة وطلب منه جرد المبالغ العالية لديه، ووقعّ الاثنان على معتمد الصرف، وعندما قدم الرئيس استقالته وبُلغّ الوزير اليساري بخبر الاستقالة، طلب المدير المالي ليجرد الخزنة، فقال المدير للوزير: يا سيدي لم تفُتح الخزنة منذ استلمت موقعك، علما انه استدان لدفع أجرة بيته.
المشكلة اليوم ليست بشخص أو عصابة ترتدي أقنعة الفضيلة، بل بالانحطاط الأخلاقي الذي أوصل البعض لمد يده على المال العام، فتخيل يا رعاك الله، إن معاملة ما لسيدة مصابة بتيبس الأعضاء تستجدي لموافقة بقالة كي تساعدها مادياً ولم تحصل عليها، فيما هناك ضياع لملايين الدنانير على مشروع نقل فاشل، ومثله سرقات لمخازن الحبوب العلفية، فيما مربو المواشي تضيق عليهم الصحراء بما وسعت، ولا أحد يفزع لهم، ومليارات الدنانير ضاعت خلال سنوات المجد الاستثماري لحساب مستثمرين جاءوا لهذا البلد دون أن نرى لهم بصمة، إلا بصمة خروجهم من الأردن الى مصر وتركيا ودبي وكندا وغيرها من بلاد الرفاه.
عندما يسرق الصغار ملايين الدنانير، لا يسرقونها وهم خائفون، بل هناك محركات لشخصيات على شاكلتهم داعمة بالتأكيد، وتخيلوا مرة أخرى أن أحدهم استأجر طائرة خاصة لأصدقائه من الجنسين ليزوروا بلدا أوروبياً في رحلة استجمام من أموال المستثمرين، بل إن بنوكاً تعثرت قروضها لعدم السداد .
Royal430@hotmail.com
هذا ما جرى خلال سنوات ما تمت تسميتها "بالفورة"، حتى وقع الكثير من المواطنين في حبائل شركات البورصات الوهمية، وخسروا كل مدخراتهم، وضاعت الحُجة بين أروقة المحاكم، وسقط أناس كنا نراهم من المقتدرين ورجال الأعمال ليتدحرجوا عتبات السجون اليوم، ومنهم من فرّ بجلده خارج البلد، ومنهم من مات وهو ينتظر لحظة الفرج التي لم تأتِ، وكيف ستأتي ولا تزال قضية بنك مشهور في نهاية الثمانينات معلقة لأكثر من أربع وثلاثين سنة، وعلى أمل الإفراج عن مقدراتهم توفيّ أكثرهم، حتى وصلنا اليوم الى الاختناق المالي.
كل هذا، وأكثر مما نعرف، لم يعطنا الدرس لنحفظ كيف نتحوط، وكيف نضع قوانين صارمة على حركة المال العام، ففي الوقت التي تعاني القرى المحيطة بالعاصمة عمان من نقص شديد بالمدارس المتهالكة والخدمات العامة والمواصلات والمستشفيات، وبطالة الشباب، فإن التقرير السنوي لديوان المحاسبة كشف كمية الهدر المالي الباذخ وضياع الفرص المنتظرة للمعطلين ومناقلات الأموال بكل الاتجاهات دون تدقيق ولا حساب، والصرف من المال العام لغايات شخصية لم تسدد طيلة سنوات رحل بعض من أثروا منها، وتلاعب لموظفين لتعطيل توجيهات الحكومات المتتالية، ماليا وإدارياً، حتى بتنا أمام طُغمة مخفية من لصوص لا أحد يعرفهم كالمسامير المزروعة في مقعد المسؤولية.
وكما أشار تقرير ديوان المحاسبة لتجاوزات فاضحة لعدد من الأشخاص والجهات دون أن يسميهم بالاسم، فسأذكر هنا حالة فريدة من نوعها لأحد الوزراء المتقشفين، بل والأمناء على المال العام دون ذكر اسمه في حكومة، كما غيره من مسؤولين خرجوا من الحكومة براتبهم التقاعدي لا غير، وعوداً على الوزير مدار القول، فإنه تسلم وزارة سيادية لا يُسأل فيها عن كيف تصرف مستحقاته المالية، حيث ذُكر أنه جاء بالمدير المالي للوزارة وطلب منه جرد المبالغ العالية لديه، ووقعّ الاثنان على معتمد الصرف، وعندما قدم الرئيس استقالته وبُلغّ الوزير اليساري بخبر الاستقالة، طلب المدير المالي ليجرد الخزنة، فقال المدير للوزير: يا سيدي لم تفُتح الخزنة منذ استلمت موقعك، علما انه استدان لدفع أجرة بيته.
المشكلة اليوم ليست بشخص أو عصابة ترتدي أقنعة الفضيلة، بل بالانحطاط الأخلاقي الذي أوصل البعض لمد يده على المال العام، فتخيل يا رعاك الله، إن معاملة ما لسيدة مصابة بتيبس الأعضاء تستجدي لموافقة بقالة كي تساعدها مادياً ولم تحصل عليها، فيما هناك ضياع لملايين الدنانير على مشروع نقل فاشل، ومثله سرقات لمخازن الحبوب العلفية، فيما مربو المواشي تضيق عليهم الصحراء بما وسعت، ولا أحد يفزع لهم، ومليارات الدنانير ضاعت خلال سنوات المجد الاستثماري لحساب مستثمرين جاءوا لهذا البلد دون أن نرى لهم بصمة، إلا بصمة خروجهم من الأردن الى مصر وتركيا ودبي وكندا وغيرها من بلاد الرفاه.
عندما يسرق الصغار ملايين الدنانير، لا يسرقونها وهم خائفون، بل هناك محركات لشخصيات على شاكلتهم داعمة بالتأكيد، وتخيلوا مرة أخرى أن أحدهم استأجر طائرة خاصة لأصدقائه من الجنسين ليزوروا بلدا أوروبياً في رحلة استجمام من أموال المستثمرين، بل إن بنوكاً تعثرت قروضها لعدم السداد .
Royal430@hotmail.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/20 الساعة 01:45