قتلُ الفلسطينيين شأنٌ 'داخِليّ إسرائيلِي'.. وشيرين 'الأميركية' أيضاً؟
هذا ما أعلنه الصهيوني/بيني غانتس, الذي فاخر في حملاته الإنتخابية منذ خلع بِزّته العسكرية, أنه قتل أزيد من 1300 فلسطيني خصوصا في قطاع غزة عندما كان رئيس اركان جيش العدو. وها هو يُعيد اليوم مقولة كان كرّرها منذ أجهز جنوده على الشهيدة الفلسطينية/الأميركية شيرين أبو عاقلة في 11 آيار الماضي, رافضا فتح تحقيق جنائي في ملابسات الجريمة التي ارتُكبت بحق صحافية معروفة, مُختلِقا الأكاذيب عبر تحميل المسؤولية لمقاومين فلسطينيين.
وإذ واصلتْ إسرائيل المراوغة ومحاولات التملّص من الضغوط والدعوات الدولية وخاصة المنظمات الحقوقية, التي استنكرت الجريمة داعية الى عدم السماح لدولة الإحتلال التهّرب من مسؤولياتها والإفلات من العقاب, فان جنرالات تل ابيب وساساتها اداروا ظهورهم بازدراء الى المطالبات/والدعوات هذه, وبخاصة مُطالبات الادارة الاميركية , التي استنبطت تصريحاتها منح اسرائيل المزيد من الوقت لهندسة روايتها وضبطها. وصولا الى موافقة واشنطن على النسخة "الأخيرة" من الرواية الصهيونية المُضللة, التي اعتبرت انها "قتل" شيرين انما جاء "ربما" عبر رصاصة عَرضِية اطلقها جندي اسرائيلي، ما لبثت ادارة بايدن ان اصدرت بيانا (في 4 تموز الماضي) جاء فيه: ان ابو عاقلة أُصيبت (على الأرجح) بنيران اسرائيلية، زاعمة انه لا يتوفّر اي دليل على ان قتلها كان مُتعمّداً، وان الرصاصة كانت مُتضررة جدا, بحيث "لا" يُمكن التوصل الى "استنتاج نهائي".
جديد "ملف" استشهاد شيرين أبو عاقلة, هو ما تناقلته وسائل اعلام اسرائيلية وفي مقدمتها موقع "واللا" الالكتروني اول امس/الاثنين وسبقته الى ذلك القناة "14" الاسرائيلية, نقلا عن ثلاثة مصادر اميركية لم يُسمِّها موقع "واللا", ولا القناة "14" فيما عزَّزه موقع "اكسيوس"الاميركي المؤثر والمرتبط بمصادر موثوقة في المؤسسة الاميركية, ان واشنطن أبلغت وزارة العدل الاسرائيلية, بان مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي/ FBI، قرّر فتح تحقيق في ظروف استشهاد ابو عاقلة, وانه – مِن المُحتمل – ان يطلب الجانب الاميركي الحصول على مواد في ايدي السلطات الاسرائيلية بشأن القضية.
هنا وبمجرد انتشار الخبر، غانتس على الملأ بتصريح يعكس طبيعة وحجم الغطرسة الصهيونية, خاصة ما انطوى عليه تصريحه من كلمات ومصطلحات مُهينة للجانب الاميركي, سواء في وصف القرار الاميركي بانه "خطأ جسيم", ام في تشديده على ان تل ابيب "لن تتعاون مع اي تحقيق جنائي خارجي"، مُضيفاً في ما يُشبه الصفعة لادارة بايدن: "لن نسمح بالتدخّل في شؤون اسرائيل الداخلية".. مُوضِّحاً لمُمثلي واشنطن ان حكومة تل ابيب "تقِف خلف جنودها!".
واذ لم يصدر بعد اي رد فعل اميركي على ما تم نشره, خاصة على تصريحات غانتس الاستفزازية (مع ملاحظة ان حكومة لبيد التي يحتل فيها غانتس منصب وزير الحرب, هي في وضع انتقالي بانتظار تشكيل حكومة نتنياهو العتيدة)، فـ"ليس" من الحكمة التفاؤل أو رفع منسوب التوقّعات في شأن مواصلة ادارة بايدن العمل على ما اعلنت ان الـ"FBI"في صدد القيام به, لان صمّتاً اميركيا تواصل لستة اشهر (منذ 11/5/2022)، فضلاً عن عدم تجاوب ادارة بايدن مع رسالة "57" مُشرِّعاً أميركيّاً, بعثوا بها الى مدير الـ"FBI" ووزير الخارجية/بلينكن، طالبوا فيها بالتحقيق في قتل شيرين, وان أبو عاقلة كمواطنة اميركية, لها الحق في الحماية الكاملة التي تُوفِّر للاميركيين الذين يعيشون في الخارج. زد على ذلك ما واظبت الادارات الاميركية المتعاقبة ومنها ادارة بايدن توفيره كمظلة حماية لإسرائيل عبر القول: ان لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الارهابية. ما أسهم من بين أمور أخرى في مواصلة جيش العدو الصهيوني سفك دماء الفلسطينيين ودوام احتلالها لوطنهم. بل وبات الأمر في نظر اسرائيل بمثابة ضوء اخضر لاعتبار ما يجري في فلسطين التاريخية أمراً داخلياً إسرائيلياً, لا حق لأحد بمن فيهم اميركا نفسها بالتدخّل فيه, وهو ما اعاد قوله أمس /غانتس.
فهل تتراجع ادارة بايدن عن المضي قُدما في تحقيقها هذا؟.
... الانتظار لن يطول.
** إستدراك:
هل تذكُرون تصريحات المسؤول الأممي الكبير كريم خان/ البريطاني الجنسية , الذي أوصله دعم الولايات المتحدة/وإسرائيل الى منصب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية, وهما واشنطن/وتل أبيب رَفضتا الإنضمام للمحكمة أصلاً. عندما وصفَ مؤخراً(في مقابلة مع قناة الجزيرة/11 الجاري) مقتل شيرين بـ"الحادث الخطير جداً", كاشفا ان مكتبه تسلّم مراسلات عن الحادث وقدّم مزيدا من المعلومات عنه للنائب العام. لكن "سعادته" لم يُخبرنا ما هي الخطوات التي قام بها منذ ستة أشهر للتحقيق في "الحادث"؟, فيما سارعَ شخصيا يَصحبه فريق من الخبراء, الى "أوكرانيا" لتوثيق "جرائم الحرب" التي ترتكبها روسيا هناك؟.