الإستراتيجية العالمية الجديدة (1-2)

م. مهند عباس حدادين
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/15 الساعة 01:25
إن الظروف التي مر بها العالم نتيجة جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية والأزمة التايوانية إضافة إلى التغيرات المناخية وانقطاع لسلاسل الإمداد والارتفاع الحاد بأسعار الطاقة والسلع الغذائية والتقدم التكنولوجي المتسارع, فرضت على جميع الدول مفاهيم ومتغيرات جديدة لم تظهر منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية ,من حيث العلاقات الدولية والتحديات الجديدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً, وسنتحدث عنها جميعها ومدى تأثيرها على العالم وما يجب علينا فعله للتخفيف من هذه الآثار.
هذه المتغيرات الجديدة التي ستتأثر بها دول العالم من تحديات إيجابية وسلبية :
1) الحرب بالوكالة: أصبح واضحاً أن الدول العظمى لن تتصارع فيما بينها باستخدام جيوشها التقليدية بل ستتحارب من خلال أذرعها وحلفائها , وعدم مقدرة الدول العظمى على حماية حلفائها في أرض المعركة.
2) تعدد الأقطاب: ان حتمية نشوء أقطاب عالمية جديدة ذات طابع اقتصادي هي نتيجة لهيمنة الدولار على العالم قرابة ثمانية عقود وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية منذ اتفاقية "بريتون وودز" عام 1944, والذي لا زال ليومنا هذا حيث يشكل الدولار ما نسبته 59% من العملات الأجنبية من أصل 12 ترليونا التي تحتفظ بها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم في نهاية العام 2021 ,والدولار أيضاً العملة الوحيدة في التعاملات النفطية, وقد أدى الأمر في النهاية لعكس ما يجري من نشاطات اقتصادية في الولايات المتحدة على العالم بأسره من خلال تأثر أسواق الأسهم العالمية وأسعار العملات الورقية والمشفرة والنفط والذهب سلباً, وبمقياس يبعد كل البعد عن أي تصحيح اقتصادي عالمي, لدرجة أنه لو زادت البطالة لشهر معين في الولايات المتحدة أو تأثر مخزون النفط فيها لانعكس ذلك وتم تعميمه على الاقتصاد العالمي مما يؤثر سلباً على جميع دول العالم وخصوصاً ذات الاقتصادات الناشئة والدول النامية, وقد شاهدنا مؤخراً كيف أن الفيدرالي الأميركي رفع قيمة الفائدة على دولاره بمقدار 75 نقطة أساس وسيرفع الفائدة أكثر وأكثر, فمعظم الدول تختلف نشاطاتها الاقتصادية ولا تتشابه مع الولايات المتحدة مثل الاقتصادات الناشئة (التي تمتلك صفات قريبة من صفات الأسواق المتقدمة) وأخرى نامية وبأمس الحاجة للبناء والتطوير, إن هذه الإجراءات حتماً ستقلل معدل النمو السنوي وارتفاع في نسبة البطالة وزيادة في المديونية فيها, إضافة إلى العقوبات الاقتصادية الأحادية على دول تؤدي إلى اختلال في النشاط الاقتصادي العالمي, لذلك حتمية نشوء أقطاب جديدة هو الحل.
بتعدد القطبية والذي سيشعر به العالم من النمو الاقتصادي الصحيح وتضاعف الناتج الإجمالي العالمي ويكون هناك التنوع الاقتصادي وعدم الاحتكار كون هناك بدائل, ويؤدي إلى خفض البطالة العالمية.
حيث ارتأت كل من روسيا والصين تأسيس تحالف اقتصادي جديد باسم BRICS والذي تشكلت نواته عام 2009, والذي يضم الآن كلا من روسيا,الصين,الهند,البرازيل وجنوب أفريقيا, وهناك 11 دولة مرشحة للانضام مستقبلاً لتحالف BRICS , ويذكر أن الخمس دول الحالية التي تشكل BRICS لديها 50% من إحتياطي النقد العالمي ويشكلون 25% من الناتج الإجمالي العالمي وجميعهم من ضمن الـ 20 الكبار.
وكذلك منظمة شنغنهاي للتعاون هذا التحالف السياسي الاقتصادي العسكري الذي يضم نصف سكان الأرض وتضم الآن 9 دول روسيا, الصين, الهند, إيران, باكستان, أوزبكستان, طاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان والمرجح لوصوله إلى 22 دولة بانضام دول مراقبة وأخرى شركاء حوار.
3) ظهور عملات جديدة تنافس الدولار وهذه العملات الجديدة مثل اليوان الروسي والروبل الروسي والروبية الهندية والريال السعودي, وظهور نظام مدفوعات عالمي جديد ينافس الـSWIFT .
4) تغير بمراكز الدول العظمى اقتصادياً نتيجة الحرب على النفط والغاز مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا , وظهور أخرى كدول عظمى مثل الهند والسعودية.
5) اختفاء العولمة: Globalization هو تعزيز التكامل بين مجموعة من المجالات المالية والتجارية والاقتصادية والتكنولوجية لربطها محلياً وعالمياً من خلال انتقال المواد الخام والسلع المصنعة والمواد الغذائية والخدمات المتنوعة والتدريب والتكنولوجيا من خلال الشركات والمؤسسات من محلي إلى عالمي سيختفي هذا المصطلح في القريب ولن يكون هناك مشاركة في التصنيع بين الدول إلى حد كبير , وستعتمد الدول المصنعة على نفسها وهذا بدأ مؤخراً عندما بدأت الولايات المتحدة بالتفكير بإنشاء مصنع رقاقات إلكترونية جديد يؤمن احتياجاتها في المستقبل القريب.
6) أبحاث واكتشاف الفضاء: سيتم تقليص التعاون بين الدول العظمى في المستقبل القريب في مجال أبحاث واكتشاف الفضاء.
7) التغيرات المناخية: لن يتم السيطرة عليها بالشكل الصحيح لفقدان التواصل بين الدول وتطبيق الاتفاقيات السابقة بينها , مما يؤدي إلى رفع حرارة سطح الأرض 1.5-2 درجة مئوية في العقد القادم.
8) قلة في إنتاج السلع العالمية المصنعة نتيجة توقف سلاسل الإمداد وارتفاع تكلفة الشحن والارتفاع في أسعار الطاقة والحصار على المواد الأولية التي تدخل في التصنيع مما يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار.
9) تسجيل أقل في براءات الاختراعات والأبحاث العلمية بسبب ضعف التعاون الدولي وسيتأثر بذلك القطاع الطبي والزراعي والصناعي.
10) ازدياد الهجمات السيبرانية في العالم وسيبرز استخدامها في السلم والحرب وسيبرز أيضاً جماعات الإرهاب السيبراني.
11) قلة المساعدات التي تنفقها الدول الغنية على الدول الفقيرة بسبب ارتفاع كلفة التصنيع وقلة إرادات الدول الغنية وكذلك زيادة الإنفاق العسكري لبناء وتحديث منظوماتها الأمنية, ولن تكن هناك مساعدات وخدمات أمنية بالمجان.
12) المجاعات نتيجة قلة الغذاء والارتفاع الحاد في أسعاره الذي تُنتجه الدول وتستورده من غيرها, نتيجة التغيرات المناخية والزيادة في النمو السكاني, سيرتفع عدد الجائعين في العالم من قرابة 800 مليون حسب إحصائية عام 2021 ليصل إلى قرابة 1500مليون جائع بنهاية عام 2024, وبما أن عدد سكان العالم عام 2020 بلغ 7.8 مليار يعيش منهم 1.3مليار في الدول المتقدمة ويعيش 6.5 مليار في الدول الأقل تقدماً, هذا يعني أن الدول الأقل تقدماً هي الأقل دخلاً فمن الطبيعي أن يكون هناك 1.5 مليار جائع في هذه الدول ويشكلون 23% يعني من بين أربعة أشخاص سيكون هناك شخص جائع في دول العالم الثالث .
13) إحتمالية ظهور جائحات عالمية جديدة مصطنعة على غرار كورونا" COVID 19", والزيادة في عدد المرضى نتيجة للتغيرات المناخية الحادة وارتفاع عدد الكهولة مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الخدمة الطبية من وقاية وعلاج.
14) انخفاض في الناتج القومي الإجمالي العالمي في السنوات القادمة من 10%-20%, والذي بلغ 94 ترليون دولار لعام 2021, وخصوصاً أن العالم سيعاني من التضخم لسنوات قادمة ومن الممكن أن يدخل بركود تضخمي سيؤدي إلى الكساد مما يؤدي إلى انخفاض في نسب النمو الاقتصادي للدول , والانخفاض في التبادلات التجارية بينها وبالتالي فقدان المزيد من الوظائف وارتفاع في البطالة والفقر وخصوصاً في دول العالم الثالث.
15) التراجع في الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية , ومن المتوقع أن تزداد عدد الدول دائمة العضوية فيه والتي تملك حق النقض الفيتو.
16) ازدياد الديون العالمية , حيث بلغت 303 ترليونات دولار عام 2021 بعد أن كانت 226 ترليون دولار عام 2020, وبلغ نصيب أقوى اقتصاد عالمي من الديون وهي الولايات المتحدة مبلغ 30.9 ترليون دولار.
17) عدم قدرة دول العالم الثالث على سداد ديونها.
18) قلة الاستثمارات العالمية وتردد المستثمرين في الاستثمار.
19) تراجع السياحة لارتفاع تكاليفها وفقدان الأمن والأمان خصوصاً في دول العالم الثالث.
20) ازدياد تجارة المخدرات في العالم وغسيل الإموال والاتجار بالبشر.
21) نتيجة الجفاف سيكون هناك حروب على المياه.
22) ازدياد عدد اللاجئين بسبب التغير المناخي حيث قدر عددهم ب200 مليون لاجئ في عام 2050.
mhaddadin@jobkins.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/15 الساعة 01:25