'مُؤتمر دوّلي' لانتخاب.. رئيس جديد لـِ'لبنان'؟
أثارت دعوة الكاردينال الماروني/ بشارة الراعي, الى عقد مؤتمر "دولي" لانتخاب رئيس جديد للبنان, ردود أفعال مُتباينة وخصوصا مُنتقِدة/رافضة, ما أضاف المزيد من الاحتقان في ظل الأزمة السياسية المتدحرجة التي تعصف بلبنان, قبل وبعد انتهاء ولاية الجنرال عون في اليوم الأخير من الشهر الماضي. ناهيك عمّا يعانيه لبنان من أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية ونقدية ومعيشية وخدميا, معطوفة على فقر وبطالة وانهيار مؤسساتي شمل مرافق الدولة كافة.
وإذ أعلن الكاردينال الراعي ان المجلس النيابي "مؤسسة فاشلة", مُعتبرا ان جلساته الخمس التي لم تُسفر عن انتخاب رئيس جديد مثابة "مسرحية هزلية", أطاحت "كرامة" الذين يريدون انتخاب رئيس للبلاد, ويعتبرون ـ أضاف ـ أنه ضروري للدولة, لافتاً الى أنهم بذلك "يحطّون" من قيمة الرئيس المسيحي ــ الماروني, كما قال حرفياً. فإنه اعتبر ان ليس هناك من حلٍ لهذه المعضلة, إلا بالدعوة الى "مؤتمر دولي خاص بلبنان، يُعيد – أضاف – ضمان الوجود اللبناني المستقل والكيان والنظام الديمقراطي، وسيطرة الدولة وحدها على اراضيها، استنادا – استطرد – الى دستورها اولا ثم الى مجموع القرارات الدولية الصادرة بشأن لبنان.
واذ يصعب صرف النظر عن ردود الفعل على دعوة المطران الراعي، اقلّه في ما خص موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو "دستورياً" من اختصاص مجلس النواب اللبناني وحده، ولا شأن لأي دولة او منظمة دولية او مؤتمر دولي أياً كانت عضويته وجدول اعماله، فان مسارعة رجل دين "آخر" وهذه المرة "شيعي", هو المفتي الجعفري/الشيخ احمد قبلان, الى "رفض" دعوة البطريرك الماروني واعتبار ان "المشروع الدولي يريد بلدا بلا قرار سياسي، ووطنا بلا مؤسسات ودولة مُمزّقة وشعبا متناحرا، مضيفا: نحن لا نقبل بالانتقاص السيادي ابدا".. ذلك السجال انما يرفع منسوب الشحن الطائفي/والمذهبي, ويأخذ لبنان الى مربع خطير سبق ان عايشه اللبنانيون وخبروا كوارثه ونكباته وما لحق بلبنان الوطن والشعب من خسائر وضحايا وانهيارات, في الحرب الاهلية التي لم يبرأ لبنان من تداعياتها حتى الآن.
من هنا تبدو الدعوة لمؤتمر دولي لانتخاب رئيس جديد، مثابة إعلان مدو لفشل "الصيغة" التي قام عليها لبنان, منذ اعلان ما وصفه المستعمِرون الفرنسيون "لبنان الكبير" عام/1920 ولاحقا (22/11/1946) كعام الاستقلال. صيغة قامت – ولم تزلْ – على أُسس طائفية/مذهبية وأخرى ديموغرافية/عددية في سنوات "الاستقلال" الاولى. لم يرث منها اللبنانيون - على اختلاف طوائفهم/ومذاهبهم ــ سوى الكوارث والانقسامات والعداوات. وخصوصا الخضوع لرغبات ومصالح النُخب الاقطاعية والمالية والتجارية وخصوصا الروحية, التي منحت لنفسها – بتواطؤ من السياسيين- التدخل في الشؤون السياسية, في بلد تزعم نُخبه انه بلد "علماني". بل ثمة منهم من رأى – وما يزال – ان لبنان ينتمي الى المعسكر "الغربي", ولا يمتّ بصلة الى العروبة وتراثها التاريخي والحضاري إلاّ عند الضرورة او عند فشل/ أو انهيار مشروعه الانفصالي.
دعوة تدويل الاستحقاق الرئاسي في لبنان غير مرشحة للتطبيق لاسباب عديدة, خاصة انها غير دستورية وتتناقض مع الدور المنوط بمجلس النواب. ناهيك عن ان الداعي لها ليس فقط حذّر من ان اي تأخير في اعتماد هذا الحل الدستوري والدولي (كما وصفه).. من شأنه ان يورِّط لبنان في اخطار غير سلمية، لا أحد يستطيع احتواءها في هذه الظروف، وانما ايضا أنه اناط بالمؤتمر الدولي العتيد مهمة "تجديد ضمان الوجود اللبناني المُستقل, والكيان والنظام الديمقراطي وسيطرة الدولة وحدها على اراضيها. استنادا الى دستورها أولاً ثم الى مجموع القرارات الدولية الصادرة بشأن لبنان".
هدف الدعوة على ما قال صاحبها هو فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فما الذي استدعى "زجّ" كل هذه العناوين والملفات في بند داخلي كهذا؟ بافتراض ان الدعوة ستجد دعما لها في الداخل اللبناني وهو امر مشكوك في حدوثه، تماما كما كان مصير دعوات "حياد لبنان" التي برزت في الاشهر القليلة الماضية، وقبل انتهاء رئاسة الجنرال عون، وسجّلت فشلا بحيث لم تجد من ينادي بها الآن.
في السطر الاخير.. يبدو المشهد اللبناني الراهن أكثر تعقيداً, فضلا عن احتقانه بسبب رهان قوى حزبية وسياسية واخرى روحية, على العامل الخارجي لحل مشكلاته المتفاقمة وبخاصة في استحقاق رئاسة الجمهورية. ناهيك عن تشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة تصريف الاعمال الحالية (بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية), فضلا عن غياب بل رفض كُتل برلمانية تحسب نفسها مُعارِضة, اي صيغة للتوافق حول شخصية الرئيس العتيد، ظنا منها ان بمقدورها في النهاية توفير "65" نائبا لـ"إنجاح" رئيس من صفوفها، مع يقينها ان توفير ثُلثيّ مجلس النواب/86 نائباً, كشرط دستوري لشرعنة اي جلسة, سيكون مستحيلا في ظل غياب توافق كهذا.