يحدث في جامعاتنا
لا يخفى على المجتمع الاردني تراجع جامعاتنا في اداء دورها القيادي والتوجيهي والاجتماعي ايضا، وأن جامعاتنا بكوادرها تتعامل مع الطالب بمنطق المزاجية البحتة، فمِن طالبٍ أراد عقد ندوة في حرم جامعته وبعد أخذ موافقة عميد كليته، ومن ثم يُفاجأ بأن عميد كليته لم يحضر وأن الندوة قد تم إلغاؤها، وطالب آخر يطالب بشهادته الجامعية، والجامعة ترفض تسليمها له بحجة رسومٍ ترتبت في ذمته، مع أن ذلك مخالف لما جاء في قرار محكمة التمييز رقم (٥٦٧١) الصادر عام ٢٠١٨، ومن عقد مجلس تحقيق مع طالبات ذنبهن الوحيد " إعداد جلسة أذكار في حرم الجامعة"، ومن تراجع أداء موظفي قسم القبول والتسجيل مع الطلاب، الى أفراد أمن الجامعة الذين يتعاملون مع الطلبة باعتبارات امنية بحتة، وصولا الى بعض الكوادر التعليمية، التي لم يراعِ حرمةَ الرسالة والأمانة التي تحملها، من تهم شهدها المجتمع في الآونة الاخيرة، الى تحميل الطالب ما لا يحتمل من اعباء تعليمية لا تفيده، ومن سرقة أبحاث ودراسات.
إذا ما اردنا طرح المزيد من الأمثلة، فالكلام يطول، لكن ما الاسباب وراء كل هذا التراجع الذي وصلت اليه جامعاتنا؟ وما هي الحلول التي نستطيع من خلالها إعادة "إحياء" جامعاتنا من جديدة، وإرجاعها الى "سكة" الصواب؟
في البداية، علينا إعادة النظر في "التراتبية البيروقراطية" التي أجهدت كاهل مجتمعنا منذ زمن، فالبيروقراطية سبب وجيه لما يحصل في جامعاتنا، فإذا ما أراد الطالب عقد ندوة او دعوة ضيف او حتى إلقاء شعر في مسرح الجامعة، احتاج لذلك موافقة أستاذه ثم رئيس قسمه ثم عميده ومن ثم موافقة رئيس الجامعة، إذ أن هذا التسلسل الهرمي، الذي يجب على الطالب المرور به كله للقيام بأي نشاط جامعي، يكلّفنا من الوقت والجهد ما نستطيع استغلاله في أمور أخرى تفيد جامعاتنا، ناهيك عن أن الطالب كلما ارتفع في هذا الهرم، وَجَبَ عليه مواجهة مزاجية المسؤول في هذا القسم من الهرم، وقد شهدنا ما كفانا من أحداث "تذرّع" فيها المسؤول الجامعي "بالنسيان" أو بعدم جاهزية الجامعة للقيام بهذا النشاط.
ما زال الفكر "العشائري" يسيطر على مجتمعنا، فإذا ما دققنا النظر في اسماء العاملين في جامعاتنا التي أقيمت خارج عاصمتنا، سنجد أن غالبيتها تنسلُّ من عشائر تقطن في نفس المحافظة التي أقيمت فيها الجامعة، ومن هنا يكون سبب توظيف العاملين بالجامعة مبنيا على أساس "العشيرة" لا الكفاءة والجاهزية للقيام بالأعمال الموكولة إليه، ناهيك عن إحساسه بأن "ظهره مسنود" بعشيرته، وتأثير ذلك على عمله، فإذا كان الرئيس والمرؤوس تربطهم قرابة فلا حسيب ولا رقيب على تقصيره .
انعزال الإدارات الجامعية عن الطلاب، هو سبب وجيه لانعدام التواصل بين الطالب والادارة الجامعية ، وعدم معرفة الادارة ما يحتاجه الطالب من إصلاحات وما عنده من أفكار قد تفيد الجامعة، فيجزم لي أحد الطلاب وهو على مشارف تخرجه ، أنه لم يرَ رئيس جامعته قط، وأنه حاول مقابلته اكثر من مرة، لكنه فشل في كل مرة جرّاء انشغال الرئيس باجتماعات وغيرها ، ناهيك عن انعزال جامعاتنا عن المجتمع ومطالبه فيما يخص التعليم، وهذا كله ينبع - بطريقة أو بأخرى - من النظرة التقليدية بين الطالب والاستاذ التي ما زالت سائدة في مجتمعنا، فعلى الاستاذ الامر وعلى الطالب التنفيذ دون نقاش، فجامعاتنا تتناسى أننا أصبحنا في زمن الحداثة ، فالطالب العشريني اليوم يحمل في عقليته أفكارا بديعةً كفيلة بأن تحدث إصلاحا كبيرا، بفضل وسائل التواصل والمعلومات التي أصبحت متوافرة لدى الجميع .
الحديث يطول، ونحن بحاجة الى إعادة ضبط المنظومة العاملة في جامعاتنا، التي وللأسف كبحت إبداع الطلاب وجمّدت تفكيرهم، بل وفي بعض الأحيان " أرعبتهم " بتوجيه الانذارات وعقد مجالس التحقيق وغيرها، نحن بحاجة الى "معايرة " نظرة الاستاذ لطالبه ، وأنها يجب أن تكون مبنية على الاحترام والمراعاة والحرص على مصلحة الطالب وسلامته النفسية، علينا إعادة النظر والتمحيص في الادوار التي يقوم بها الكادر الجامعي ، ابتداءً من حارس الأمن وانتهاءً برئيس الجامعة.