سرحان تكتب: يرحم أيام السوسة

الدكتورة ميرفت سرحان
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/10 الساعة 11:39
كانت سوسنة طالبة مشاكسة، تتعمد افتعال المشاكل الواحدة تلو الأخرى .. وهذا جعلها تقع في ورطات عديدة .. ولأنها تتسم بالذكاء، وتخاف أن تتعرض للعقاب، أو أن يطلق عليها وصف الفتاة "المشكلجية" .. فقد قررت أن تختلق المشاكل دون أن تظهر في الصورة .. فكانت تحرض زميلاتها بعضهن على بعض؛ فتوغل صدر هذه على تلك مرة، وتطلب من إحداهن أن تخبر الأخرى بأن ثالثة تنعتها بوصف قبيح مرة .. وتحرض فتاة على عمل إضراب في الصف، وتوسوس لأخرى بأن تسرق حاجيات زميلتها، وهكذا .. وعندما يتم التحقيق في أي مشكلة فهي حرفيًا لم ترتكب أية مخالفة .. واستمرت سوسنة على هذا الحال سنين .. تظهر بصورة الفتاة المهذبة المثالية، التي تقدر الآخرين، وتحترم القوانين .. إلى أن افتُضح أمرها .. ولكن دون أن يستطيع أحدهم أن يمسك عليها ممسكًا .. فالجميع يعلم أنها المتسبب الأول في المصائب، لكن دون أن يتمكن أحدهم أن يثبت الأمر .. لذلك؛ فقد كانوا يصفونها، ويسمونها "السوسة" .. فهي تشبه السوس الذي ينخر الأسنان مستعينًا بالسكر أو ببقايا الطعام، ولا يشعر الشخص بالألم حتى يمتد هذا السوس في اللثة فيؤدي إلى تخريب السن، وقد يتسبب باقتلاع العصب ..
وكذلك تفعل "السوسة" .. فهي تمكر لغيرها بدهاء وفي الخفاء، ثم تنفذ دون أن تظهر في الصورة، حتى لا تعرض نفسها للعقوبة أيًا كان نوعها (لفظية، أو جسدية، أو مادية، أو نفسية، أو غيرها ..) .. وكونها تفعل ذلك بالخفاء .. فإن هذا يعني ببساطة أنها تميز بين الحلال والحرام .. وبين الصواب والخطأ .. وبين العيب والأدب .. وهذا يجعلها تخجل من أخطاءها .. فتنسبها إلى غيرها ..
أما في وقتنا الحالي .. فقد كثر عدد من يجاهر بارتكاب الخطأ .. وزاد عدد من يتبجح بإيذاء الآخرين .. غير مكترث بما يسببه من أذى لغيره .. ولا مهتمًا بنظرة الناس له .. ولا خائفًا من عاقبة فعله أمام ربه ..
فهذا موظف يشهد له الجميع بحسن خلقه، واتقان عمله .. يجازيه مديره لأنه تأخر خمسة دقائق عن موعد العمل لأول مرة .. لكي يثبت لرئيسهم في العمل أنه يقوم بواجبه على أكمل وجه .. دون أن يهتم هذا المدير بعلم الجميع بأن هذا موظف مثالي ..
وتلك فلانة تصنع خيرًا مع علانة .. وتمر الأيام وتسيء علانة إلى فلانة أمام الجميع .. وفي اليوم التالي تأتي علانة إلى فلانة لتطلب منها خدمة .. دون أن تكترث لما سببته لها من أذى أو أنها قد أساءت لها ..
وهذا شخص يعيّر زميله أمام الآخرين بنقص لديه .. وتمر الأيام ويسامحه زميله وينسى الإساءة، ويعاود الشخص معايرة زميله مرة أخرى .. ويكمل حياته كأنه لم يفعل شيئًا .. لا يصبح على جاره حتى لو مرّ بجانبه، ووقعت عينه بعينه .. وعندما يعتاز حاجة ما، يسارع إلى طرق بابه .. غير مبالٍ كيف كان يعامله ..
رحم الله أيام السوسة فعلى أخطائها و"علاتها" .. لم تتجرأ يومًا أن تجاهر بالخطأ والإساءة والمعصية ..

يقول ربي تبارك وتعالى في سورة "النساء الآية: ١٤٨"
"لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" ..
ويقول تبارك وتعالى في "سورة المائدة: ٧٩"
"كَانُوا لاَ يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ" ..
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/10 الساعة 11:39