حواتمة يكتب: عن تموز، الازمة وتوابعها
بالإضافة لكفاءته في اختبار الاحمال والقدرة الواطّيّة لشبكة الكهرباء، فلقد نجح تموز ايضاَ في اختبار الاردنيين رخترياً في ثلاث ازمات متتالية، لا بل متداخلة؛ في الكشف عن قوتهم، وصلابتهم، ودرجة وعيهم؛ في التعاطي مع كل ازمة راسمين خطوطهم الملوّنة الخضراء والحمراء وما بينهما من مساحة حرة للتعبير عن مواقفهم في مستويات ثلاث؛ وطنية، وقومية، واممية بتداخل دون تعارض.
فعلى المستوى الوطني جاء الحُكم في قضية الجفر مدخلاً حاسماً؛ ليبين مدى وفاء الاردنيين لجيشهم واستعدادهم للدفاع عن أبنائه ضباطاً كانوا أم افراد، وهنا لا بد من تناول هذا الامر من بعدين الاول من حيث أشكال ذلك التعبير والثاني مستوياته، وبموازاة ذلك وللتعرف على ألوان الخطوط المُحددة للشكل والمستوى؛ حريً بنا التمييز بين مرحلتين مختلفتين ما قبل الفيديو وما بعده؛ ذلك الذي نشره الجيش العربي وأبان تفاصيل حادثة إطلاق النار.
فقبل عرض الفيديو الذي وثّق تفاصيل الحادثة، اجتمع الرأي العام الاردني عفوياً وأيد بكل ما اوتي من وسائل تعبير سلمية التوصيف الاولي للحادثة؛ باعتبارها تدخل في باب تنفيذ التعليمات والقيام بالوجبات وحق الدفاع عن النفس، الا ان هذا المد البشري بقي منتظماً بشكل سلمي حتى على الارض فكانت بعض الاحتجاجات هنا وهناك؛ تنفذ بطريقة سلمية متقدمة، تعكس درجة الوعي والالتزام بمفردات الديمقراطية، والتي قابلتها الاجهزة الامنية بالمثل خاصة قوات الدرك التي نجحت بتغيير الصورة النمطية والانطباع السلبي اللذان تشكلا لدى البعض المتوجس تجاه قوات الدرك؛ وذلك حرصاً على متانة الحبل الناظم للتنوع الذي يمتاز به المجتمع الاردني عرقياً، ودينياً، وعقائدياً، ممثلاً بالحفاظ على الوحدة الوطنية بمفهومها الوسع. الا أن تغيراً جوهرياً طرأ على الموقف العام تجاه الحادثة بعد عرض الفيديو، ليؤكد مدى العقلانية التي تحلى بها الرأي العام الاردني، والتي أسست لذهنية جديدة تأخذ في اعتباراتها أهمية الشراكة مع الدول المُؤثرة في هذا الوقت الدقيق من عمر الامة.
وفي لوحة فسيفسائية عبر الاردنيون عن موقفهم القومي تجاه الاجراءات التي استهدفت المسجد الاقصى، وما رافقها من خطوات بعيدة اتخذتها اسرائيل؛ لمحاولة وضع يدها النجسة على المقدسات عامة بشقيها المسيحية والاسلامية، والسير بخطة هدم المسجد وبناء الهيكل. وهنا كان الاردنيون أكثر من كل اخوتهم العرب الاعمق تأثراُ بالأحداث والاقدر تأثيراُ بالمجريات وعلى كافة الصعد؛ انطلاقاً من الجهد العظيم الذي قام به جلالة الملك كبير الهاشميين للذود عن المقدسات تجسيداً للنهج الهاشمي في الحفاظ على قدسية وحرية الاماكن الاسلامية والمسيحية. وبموازاة ذلك ساند المجتمع الاردني بكل تفرعاته؛ النخبوية، والشعبية هذا الجهد الملكي، فبين عرض الحقائق التاريخية من جهة، والمسيرات الغاضبة من جهة اخرى؛ تنوع الاسلوب وتوحد الدافع والهدف.
وفي ذيل تموز أتت حادثة السفارة الاسرائيلية، وما نجم عنها من استشهاد اردنيين على يد موظف أمن إسرائيلي، في غياب جزئي لحقيقة الموقف؛ لتعيد رسم موقف الاردنيين الرسمي والشعبي، فعلى المستوى الرسمي دافعت الحكومة عن التزاماتها بالأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بحصانة البعثات الدبلوماسية، و الحقيقة أن الحكومة لم تُخفي غضبها من الحادث، وانزعاجها من طريقة بيبي الاستعراضية في استقبال القاتل؛ بطريقة يستجدي فيها اليمين المتطرف ثقة الناخب الاسرائيلي في الانتخابات المقبلة، في الوقت الذي تعد به الحكومة المواطن الاردني بمتابعة القضية وربط عودة طاقم السفارة للأردن بمدى الجدية التي تظهرها اسرائيل في التعاطي مع الحادثة، واعتماد مبدأ المعاملة بالمثل مستقبلاً.
اما على المستوى الشعبي فلقد كان الغضب يستعر في كل مكان، وحجم الحنق يتجاوز المعهود مدفوعاً بالعربدة الاحتلالية التي تمارسها اسرائيل خاصة وقد تزامنت هذه الحادثة مع التصعيد في ملف المسجد الاقصى، وكان لافتاً حجم التكاتف الذي أبداه الاردنيون، والذي عكس مدى العزة والجاهزية للتعبئة المجتمعية والاعلامية والعسكرية ان اقتضى الامر. كما اظهر اعتزازهم بقيادتهم الحكيمة التي ما انفكت تنادي بحقوق فلسطين؛ المقدسات، والدولة، في الوقت الذي خفتت وتلاشت فيه اصوات الجميع العربي والاممي.
adel.hawatmeh@gju.edu.jo