17 عاما على تفجيرات عمّان
مدار الساعة - ما تزال تفجيرات ثلاثة فنادق في عمان عام 2005 ماثلة في الذاكرة الجمعية للأردنيين الذين يتوقفون غدا الأربعاء مليّاً في الذكرى السنوية السابعة عشرة لهذه الجريمة البشعة، في وقفة استعادية لحادث أليم هزّ الوجدان الشعبي.
في ذكرى الجريمة التي تلقي بظلالها على أسر 57 شهيدا وأكثر من 115 جريحا أوجعت الوعي الأردني العام في الصميم، أدرك الأردنيون بعد هول المصاب أن مبعث هذا الموت وهم قبع في رؤوس عفنة وفكر نفر منبت عن سياق الهوية العربية الإسلامية الحقيقية التي تقدس الحياة.
ورغم أن الذكرى ما تزال تشغل حيزا في العقل الجمعي الأردني، إلا أن الأردنيين انخرطوا بإرادتهم الصلبة منذ لحظة وقوع الجريمة في لملمة تداعياتها الروحية ليواصلوا الرحلة المشرقة نحو المستقبل، لكن بوعي أكبر تماثله عين يقظة لمحاصرة كل من تسول له نفسه الشريرة للإساءة الى أمن واستقرار الأردن.
جلالة الملك عبدالله الثاني أكد في غير مناسبة أن “الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة يسعى لتشويه صورة الإسلام ورسالته السمحة”، مشددا جلالته على أن الأعمال الإرهابية التي تستهدف أمن الأردن “تزيد إصرار الأردنيين في القضاء على الإرهاب وكسر شوكته”.
وقد تصدى الأردن بقوّة للعمل الإرهابي بكافة الوسائل والسبل السياسية والأمنية والعسكرية والقانونية والفكرية، فكان نموذجا في محاربة الإرهاب وكسر شوكته لحماية المواطنين والمكتسبات الوطنية.
الوزير المفوض السابق بمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور صالح السعد قال إن هذه الذكرى تشكل حافزا قويا لدى جميع فئات المجتمع لأخذ زمام المبادرة في الحيطة والحذر واليقظة الدائمة، وتكثيف التوعية والوقاية مما يمكر ذوو الأجندات والأفكار الإرهابية، مشيرا الى أن الإرهاب لا دين و لا وطن ولا هوية له.
وأضاف، إن الدين الإسلامي ينبذ كل أشكال العنف والتطرف، ويحرم القتل وسفك الدماء وإيذاء الآخر، ويدعو إلى التعاطف والتسامح وقبول الآخر، مشيرا الى أن العمليات الإرهابية التي تقترن باسم الدين ما هي إلاّ خروج عليه وتشويه لقيمه السمحة، والتي تحارب الظلم والإساءة لبني البشر.
ولفت السعد إلى انه ورغم أن المقاربة الأمنية هي إحدى آليات مقاومة التطرف والإرهاب، إلا أن مواجهته تتطلب الى جانب ذلك مواجهة الفكر بالفكر، أي الرد على الأيدولوجية المتطرفة من خلال تعزيز القيم والتوعية بأبعاد الإرهاب وأهدافه الماكرة، وتفعيل الدور الأسري والتربوي والتعليمي والتثقيفي ووسائل الإعلام والاتصال المختلفة في هذا الواجب.
وأشار إلى أن أكثر هذه الأدوار تأثيراً و حضوراً وفاعلية هو دور الأسرة، لأنها هي الأقدر على أن تزرع في الأبناء فكراً يقارع فكر المتطرفين من خلال تحصينهم بثقافة الاعتدال والتسامح والوسطية، ليشكلوا رأس الحربة في محاربة التطرف بكافة أشكاله وصوره.
وأكد أن التوعية تشكل عنصراً رئيسياً في مواجهة خطر التطرف والإرهاب، لأن الإحاطة بسمات وخصائص ذوي الميول المتطرفة مبكراً، تساهم في حماية الشباب وتحصينهم من الولوج في عالم الضياع، كما أن التعرف على أساليب الإرهابيين تحول دون اصطياد الشباب والايقاع بهم في حبائل الجماعات الإرهابية.
والأهم، يقول السعد، هو التنبه واليقظة وتعزيز الرقابة و الحذر من ذوي الميول المتطرفة إذ من سماتهم، الغلو والتشدد ورفض الآخر، وتتبع المواقع المتشددة ذات النظرة السوداوية والتكفيرية للمجتمع الداعمة لدعاة الفتنة والتعاطف معهم، وتصنف قتل الأبرياء والتفجير والاغتيال والدمار جهاداً، أما الوسطية والاعتدال فهي خارج قاموسهم الفكري.
ودعا السعد إلى التحوط من حالات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لأن مواجهتها والتصدي لها تساهم مساهمة فعّالة في تجفيف المنابع المالية للإرهاب، و الحد من تمويل عملياته و نشاطاته.
النائب السابق الدكتور هايل ودعان الدعجة لاحظ تراجع ملف الإرهاب على الأجندات العالمية بسبب هزيمته عسكريا، وحدوث تطورات هامة مثل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وما رافقها من موجات غلاء وأزمات طاقة وغذاء وارتفاع نسب التضخم وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في معظم دول العالم بصورة دفعتها لإعطاء الأولوية لمواجهة هذه التحديات على حساب قضايا وتحديات أمنية عالمية ممثلة بالإرهاب والفكر المتطرف.
وأعرب الدعجة عن مخاوفه من أن ترى التنظيمات الإرهابية في انعطاف الدول إلى الداخل، بيئة مناسبة تساعدها على استئناف نشاطاتها وعملياتها الإرهابية.
وأضاف، إن الأردن يؤكد حرصه الدائم على الاهتمام بهذا الملف وتذكير دول العالم بمخاطرة التي ما تزال قائمة وإنْ كان بأشكال أخرى كالإرهاب الفكري، مشيرا الى أن جلالة الملك وضع المجتمع الدولي في أكثر من مناسبة أمام مسؤولياته لمواجهة “الحرب العالمية الثالثة بين المعتدلين والمتطرفين” من خلال التعاون والتنسيق وبناء تحالفات دولية، ووضع استراتيجية تشاركية عالمية لمواجهة التهديدات والتحديات الناجمة عن الإرهاب العالمي، وضرورة حسم هذه المواجهة في ميادين الفكر عبر منهج فكري يستند إلى قيم إنسانية نبيلة أساسها التسامح والتآخي والتعايش والتراحم والمحبة ونشر السلام والعدل، والتركيز على تعظيم الجوامع والقيم المشتركة بين الأديان والمعتقدات.
وأكد الدعجة ضرورة معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية العالمية المرتبطة بالتنمية والتعليم والشباب وإيجاد فرص عمل، وان لا تترك وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي مرتعا لأصحاب الفكر المتطرف والأجندات الظلامية.
ولفت إلى أن جهود جلالة الملك توجت بطرحه لمبادرات ملكية كرسالة عمان وكلمة سواء وأسبوع الوئام العالمي وهي المبادرات التي تعلي من شأن القيم الإنسانية وأهمية نبذ العنف والتطرف والإرهاب، وإبراز صورة الإسلام الحقيقية بما هو دين رحمة ومحبة وتسامح.
وأكّد أنه يسجل للأجهزة الأمنية والعسكرية وفي أكثر من موقف مواجهتها للعديد من العمليات الإرهابية وتعاملها المسؤول مع التحديات والتهديدات التي تستهدف أمن الوطن واستقراره، مستندة في ذلك إلى مخزون معلوماتي استخباراتي احترافي رفيع، وسم أداءها بالكفاءة والحرفية والمهنية والجاهزية العالية، ومكنها من كشف أوكار العصابات الإرهابية وضربها في مهدها وبشكل استباقي قبل أن تختمر فكرتها الظلامية، وقبل أن تكتمل عناصر مخططها الإجرامي، تجسيدا لمفهوم العمل الاستخباراتي النوعي والحرفي، وتوظيفه في تتبع المعلومة الأمنية لتعزيز الأمن الوطني وتحصينه .
وأشار الى أن الأردن قدم في سبيل ذلك العديد من التضحيات والشهداء ممن نذروا انفسهم وأرواحهم فداء للوطن، وارتقت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها بعد أن قضوا دفاعا عن ثرى الوطن، مضيفا ان نجاحات الأردن في ملف الإرهاب دفعت أطرافا دولية وإقليمية إلى التعاون والتنسيق معه للاستفادة من خبراته وتجاربه في ظل الدور المحوري الذي يلعبه في المنطقة، فأصبح في طليعة الجهود الدولية في محاربة الإرهاب.
الباحث والخبير في القانون الدولي العام الدكتور صلاح سعود الرقاد، أشار إلى إن موقف جلالة الملك عبدالله الثاني كان مقداماً إبان تفجيرات عمان حيث أكد “أن شعبنا الأردني لن يقبل الابتزاز ولا يمكـن للأعمـال الإرهابية أن تدفعنا إلى تغيير مواقفنا وقناعاتنا الثابتة أو التراجع عـن دورنا بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله”، مشيرا إلى أن الأردن سعى إلى إيجاد تشريعات تنسجم في نصوصها وأهدافها مع الاتفاقات الدولية الخاصة بمحاربة منع الإرهاب والحد منه.
وأضاف، انه صدر “قانون منع الإرهاب” لعام 2006 وتعديلاته لعام 2014، وبهذا يعتبر الأردن مع إصدار هذا القانون في التشريع الداخلي من الدول السباقة في الشرق الأوسط، وبات يأخذ شكلاً أكثر جدية في محاربة الإرهاب والتطرف على الصعيدين الداخلي والدولي انطلاقا من أن هذا القانون بمثابة حرب استباقية على جميع أنواع الإرهاب.
وعرّف قانون منع الإرهاب لعام 2006، العمل الإرهابي بأنه “كل عمل مقصود أو التهديد به أو الامتناع عنه أياً كانت بواعثه وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق والأملاك العامة أو الأملاك الخاصة أو المرافق الدولية أو البعثات الدبلوماسية أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو إرغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة”.
وأكّد الرقاد أن هذا التعريف منسجم تماماً مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلم الدوليين ومبادئه وتعزيز علاقات حسن الجوار والصداقة والتعاون بين الدول، حيث أن المملكة الأردنية الهاشمية صادقت وانضمت إلى الاتفاقات الدولية والعربية في مجال مكافحة الإرهاب.
وفي هذا الصدد تبنى الأردن سياسات واستراتيجيات عدة للقضاء على بؤر الإرهاب الذي يستهدف الأردن والعالم أجمع، من خلال توظيف الوسائل والخطط تشتمل على أدوات فكرية وخطابات معتدلة تتعاطى مع الحالة التطرفية، كرسالة عمان التي اتخذت نهجا يحرص على إبراز الصورة الحقيقيّة المشرقة للإسلام ووقف التجني عليه ورد الهجمات عنه، إضافة إلى وسائل قانونية، تم من خلالها تطوير القوانين في مكافحة الإرهاب، كما تم تطوير المناهج واستخدام الإعلام كوسيلة للتوعية، بحسب الرقاد.
وأشار إلى أن من أهداف هذه الاستراتيجية العمل على تطوير وتفعيل التشريعات الوطنية ذات العلاقة بمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز آليات تبادل المعلومات بين الجهات المعنية والحفاظ على سريتها، والتشديد على توثيق الإجراءات التنفيذية اللازمة للتنسيق مع الجهات الخاضعة لأحكام القانون المالية وغير المالية والتأكيد على بناء القدرات المؤسسية والإدارية للوحدة والجهات ذات العلاقة.
من جهته بين أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة في جامعة اليرموك الدكتور عبدالله ربابعة، أن حرمة النفس في الإسلام عظيمة، وحذر الشارع الحكيم من الاعتداء عليها بالقتل، أو تعذيبها وإيذائها بشتى وسائل الإيذاء، لافتا الى قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم في خطبة حجة الوداع “إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا”.
وأكّد ربابعة أن من يقدم على قتل النفس لم يفهم نصوص الشريعة ولم يردعه الوعيد القرآني المشدد، ذلك أن الدين لا يجيز لعامة الناس تطبيق العقوبة على الجاني في الجرائم العادية، ويترك ذلك لولي الأمر كي تكون العقوبة عادلة، وتحقق مقاصدها بحفظ النفس.
وتساءل مستهجنا “كيف يجيز من انحرف فكره عن السوية قتل الأبرياء بدعوى حماية الدين؟”، لافتا الى أن الله سبحانه جعل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا لقوله تعالى “.. مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”.
–(بترا)