جرار يكتب: سُدُود لِلاسْتثْمار
الاستثمار هُو الجُزء الأهمّ لِتنْمِية رَأس المال الحقيقيّ في الدول..
وإذا وقف الاستثمار سدًّا أمام المستثمرين، فإنّ الحوافز والتّسهيلات هي الماء الذي يحييه؛ ويتم ذلك من خلال أَدوَات تُسَاعد على عودة تلك المياه إلى تلك السدود!
هذا ولقد جفّت السُّدود الاستثماريَّة؛ جَرَّاء التَّصَحُّر الإجْرائيِّ الذي يعلو زاوية هرمه "الطرِيقَة المثلى" لجَلْب الاستثمار إلى مملكتنا الأرْدنِّيَّة الهاشميَّة الحبيبة.
وليس جفاف السُّدود المائيَّة عنّا ببعيد..
فهي وإن كانت مهمتها التي أوجدت من أجلها أن تَجمع ميَاه الأمْطار الواصلة إليها من كلّ واد وجبل، فإنّها لن تنجح في مهمّتها إِذَا لَم تَتَمتَّع بِبنْية تَحتِية سَلِيمَة، وسَتنعكس النَّتيجة التي أوجدت من أجلها من (مهمّة التّجميع) إلى (مهمّة التّشتيت)؛ فلا من مياه تجمعت، بل.. كأن السّد لم يبن أصلا!
وَمِن هُنَا تَأتِي الحاجة إِلى إِنشَاء "مَنظُومة استثمارية مُتكاملة" كالسّدود المنيعة ذات البنية التَّحْتيَّة المناسبة لبيئتنا.. إنّها "المنظومة المتكاملة لإحياء سوقنا الاستثماريّة" التي بها تتكامل متطلَّباتنا سوقنا، ومتطلبات مستثمرينا.. وستَعُود على أهلنا ووطننَا الحبِيب بِالْفائدة المرجوّة.
ولكل سدّ مملوء بالمياه حكاية مع النّقطة الأولى التي عَبَرته.. وحكاية أخرى مع منابع مياهه المتعدّدة حيث القمم الشّاهقة والمصبّات ونقاط تجميع المياه، وسلاسل التوزيع.. إلى غير ذلك.. تمامًا كحكاية الاستثمار في أيّ بلد!
فلكلّ استثمار مسقرّ، وذي ملاءة حكاية مع أول مستثمر تم استقطابه..
وإنّ المسْتثْمر هُو النُقطَة الأولى التي ستملأ مياه سدودنا الاستثمارية، وعلينا أن نبني تلك السّدود في كُلِّ مِنطَقة تَنموِيّة استثماريّة ذات فرص حقيقيّة تَحْتاجها؛ أملا في ملئها.
ولكن، نبنيها وفق رؤية شاملة.. ورسالة قابلة للتحقيق.. وسبل حقيقة لِلاستثمار تضمنها الخطط، والأهداف التي من أجلها صُنِعَت تلك السّدود، ومن أهمها زيادة المخْزون الإستراتيجيّ؛ من أجل ِإحْيَاء "المنْظومة الاستثماريَّة" في أردننا الحبِيب.
ويَأتِي الاستثمار من المسْتثْمر الأردنيّ، والأجْنبيُّ على حدّ سواء..
وَلكُلٍّ منهما طُرُقه المُختلفَة، ومعايير حساباته المُختلفَة: استقطابًا وقُدُرات.. منذ اللحظة التي تُولد بها (فكرة المشروع) إلى أن يُصْبِح مَشرُوعه فعلا واقعًا حيًّا على أَرْض الوطن، وَيؤتي أكله، ويسجّل بياناته على (خارطة اقتصاد وطننا) بوضوح واقتدار، وهذا مَا يُسمَّى "رحْلة المسْتثْمر"؛ ولهذا السبب أنشأنا "السّدود الاستثماريّة" التِي "تُسَاهِم بِتجْمِيع اَلفُرص الاستثماريَّة وتُرَاعِي العمليَّة الاستثماريَّة، وتنظِّمها".
وإن "وزارة الاستثمار" هِي الجِهة المخْتصَّة، والْمرْجع الرئِيس فِي ممْلكتنا الحبيبة فِيمَا يَتَعلَّق بِتنْظِيم الاستثمار: محليًّا وأجنبيًّا، وتنْميته، والنُّهوض بِمقوِّماته، وتشْجيعه، وحماية أصحابه، فإذا كان لنا أن نساهم في سرد مجموعة من الإجراءات التي يمكن الاعتماد عليها في سبيل تَحقِيق رؤية الوزارة، ورسالتها، وأهْدافهَا، دُون إِخلَال بِاخْتصاصات الجهَات اَلأُخرى، ومسؤوليَّاتها، فيمكن إدراج ما يلي من إجراءات:
• صياغة "إسْتراتيجيَّة وطنيَّة لِلاسْتثْمار فِي الممْلكة"، ثم رَفعهَا لِاسْتكْمال الإجْراءات النِّظاميَّة اللَّازمة فِي شأْنهَا، والْإشْراف على تنْفيذهَا بَعْد اعْتمادهَا، واقْتراح أيِّ تَعدِيل عليْهَا.
• شمول تلك الإستراتيجية على "السِّياسات العامَّة لِتنْمِية الاستثمار وتطْويره"، وَ"سبل تهيِئة البيئة الاستثماريَّة اَلمُثلى، وَتعزِيز التنافسيَّة"، ثم رَفعهَا لِلاعْتماد وفْقًا لِلْإجْراءات النِّظاميَّة المتَّبعة، ومتابعة تنْفيذهَا بَعْد اعْتمادهَا.
• اقتِراح "مشْروعات الأنْظمة المتعلِّقة بِالاستثمار"، ومراجعة الأنْظمة الحالية القائمة وتعديل ما يلزم منها، ثم رَفعهَا لِاسْتكْمال الإجْراءات النِّظاميَّة اللَّازمة.
• تنظيم "إجراءات إِصدَار تَراخِيص الاستثمار" وفْقًا لِلنُّصوص النِّظاميَّة ذات اَلصلَة، وَبقية خِدْمَات الوزارة المقدمة إلى المسْتثْمرين، مع تحدِيد المقابل الماليِّ لِذَلك بِالاتِّفاق مع "وِزارة الماليَّة"، و"مرْكز تَنمِية الإيرادات غَيْر النِّفْطيَّة".
وَمِن هُنَا تتشارك "وِزارة الاستثمار" إلى جانب "وزارة الماليَّة" ومختلف أذرع جلب العوائد الماليّة في جَلب الأمْوال؛ كونها ذراعًا مؤسّسيًّا تنظيميًّا مُساهِمًا..
وَإننا إذا نقدم مقترحاتنا فإننا نَسعَى إِلى تطْبيقهَا على أَرْض الواقع؛ بإِنشَاء "سُدُود اسْتثْماريَّة سِيادِيَّة" تُعنى بشؤون المحافظات على خصوصيتها؛ كي نمارس "اللَّامرْكزيَّة" بشكلها الصحيح، وفق شعار (استثمار – عطاء - سيادة).
وتبعث سيادة النّظرة الاستثماريّة عطاء لا حدود له..
فلكلِّ مُحَافظَة حاجاتها.. ومتطلّباتها.. بِشَكل انفرادي، وآخر تشاركيّ: فإنّها وإن انفردت بالحاجات، ولكنّها تتشارك بالمتطلبات مع القطاعات الحكوميَّة المسؤولة عن تحقيق تلك الحاجات والمتطلبات، مما يتوجب وجود مَندُوب في كلِّ وِزاراتنا ومؤسساتنا ذات العلاقة بالاستثمار، مثل وِزارة الدَّاخليَّة، والضَّمان الاجْتماعيِّ، ومؤسَّسة الجمارك، وَضَريبَة الدَّخْل، والصِّناعة والتِّجارة، مُجْتمعِين في مرْكز مُتخصّص في مُحَافظَاتنا الحبيبة، وتَحْت مُسمَّى "الصُّنْدوق السِّياديِّ الاستثماريِّ"؛ كي نُحقِّق مَفهُوم [الاكْتفاء الذَّاتيِّ لِمخْزون المُحَافظَة مِن حِصَّة جَلْب الاستثمار]، ونحقق العَدالَة بِتوْزِيع حِصص جَلْب الاستثمار لكلِّ مُحَافظَة، مدركين لمسؤولياتنا وواعين لأهمية استثمار آليات (التّحوّل الرّقميّ) في تسْرِيع "مَنظُومة العمل الاستثماريِّ".
وتكتمل بذاك "دائرة أَدوَات الاستثمار" باكتمال "مَفهُوم السُّدود الاستثماريَّة"، كما لا بدّ من إضافة كلمة رابعة على شعارنا (استثمار – عطاء - سيادة) ليصبح (استثمار – عطاء – سيادة - رقابة) إذ لا بد من بَعْض الأدوات الرّقابيَّة التي تعنى بمتابعة أَدَاء الأقْسام المعْنيَّة بِتسْهِيل إِجْراءات العمل الاستثماريِّ.
أما التَّحْديات اَلتِي قد تُوَاجِه قِطَاع الاستثمار، فمنها:
• عدم اتِّخاذ القرَار في وقته ومكانه المناسبَين!
• مركزيّة اتخاذ القرار بالرُّجوع إِلى الرئِيس المعْنِي في كلّ صغيرة أو كبيرة.
• ضعف آليات التَّعاون بَيْن القطَاعين: العام، والخاص.
• عدَم اتّضاح رؤية "دَائِرة مُكَافحَة الفسَاد" ورسالتها وأهداف وجودها؛ من حيث الخَلْط بين دورها في مُكَافحَة الفسَاد، ودورها كَجهَة رِقابِيَّة على الأدَاء وتحمي الأمْوال العامَّة.
• لا تَفعِيل لدَوْر الذِّرَاع الاستثماريِّ التَّابع لِلمُؤَسسَات الحُكومِيَّة المَعنِية بِالْعَمل اَلْعام والْعَمل الخدمِي بصفته الاستثماريِّة، فثمة ضرورة لوُجُود ذاك الذِرَاع الاسْتثْماريٍّ في كلّ مُؤَسسَة؛ حَتَّى يُسهِّل العمل، والْوَقْت، والْجهْد، وكي لَا يَدخُل المسْتثْمر في دوَّامة سلسلة الإجْراءات الحكوميَّة المُطوّلة.
• يَجِب أن يَكُون هُنَاك تَجانُس مَالِي ضَريبِي قَانُوني اسْتثْماريّ تقوده لَجنَة عُليَا، ويرْأسهَا شَخْص مُتَفرغ؛ لِخدْمة الاستثمار وَاستقطاب أصحابه وتسْهيل معاملاتهم، وفق أعلى المواصفات والمقاييس ذات الجودة القائمة على تحمّل المَسؤُولية والتّحدّث باسم رَأس النِّظَام أو مَن يُمَثّله؛ لِنخْرج مِن دَائِرة الرُّوتين المُنَفّر للمستثمرين غالبًا.
وأخيرًا..
فسيتحقّق النَّجَاح عِنْدمَا نتعاون..
وننهج خلف الدُّول التي لها قصص نجاح في الاستثمار، وحظيت بقصص نَجَاحات طبّقت خلالها "أركان مَنظُومة الاستثمار"، وبنت سُدُودًا نَاجِحة لِمنْظومتها الاستثماريّة، مثل دَولَة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، وغيرها؛ فلَدى اَلأُردن طاقات خَبِيرَة بِقطاعات الدَّوْلة، وقطاعات "النَّهْج الاستثماريِّ"، وهي التي بنت هياكل التَّنْظيم الاستثماري في تلك الدول، ومن الجدير عمله "إعداد بيانات لمَنظُومة خبرائنا في هذا المجال، وتكون وَاضِحة المعالم، ويمكن الاستعانة بها وقت ما نشاء، وكيفما نشاء".
ويمكننا عدّ بعض النِّقَاط الرَّئيسة التِي ساهمتْ في إنجاح منظومات تلك الدّول الاسْتثماريّة، والتي يمكننا إسقاطها على "منظومتنا الأردنيّة"، ومنها:
• إِنشَاء "مَنظُومة سِيادِيَّة مِهْنِية" تُعنى بِتطْوِير الاستثمار، ومتطلبات أصحابه، وتشتمل على بيانات الكوادر الخبيرة من مختلف الدّوائر الحكوميَّة في الأردن، وقطاعنا الخاص.
• إِنشَاء "هَيكَل تنْظيميٍّ" مَعنِي بِنهْج خاصٍّ لِقانون المسْتثمر الأرْدنِّيِّ المغْترب.
• مُساوَاة المميّزات التِي تُمنَح لِلمستثمر الأجْنبيِّ مُقَارنَة مع المستثمر المحَلِّيِّ والمستثمر المغترب.
• تجهيز [مَنظُومة العمل الاستثماريِّ الرّقميّ] التي تُدار مِن المسْتثْمر نَفسِه، ودراسة الإجْراءات على أرض الواقع فعليًّا؛ لما ينعكس ذلك على استقطاب المستثمرين.
• إعادة قراءة "قَانُون الضَّريبة" بِمخْتَلف أنْواعه وتفعيل "التَّسْهيلات الضَّريبيَّة" المتبدّلة والمتغيِّرة التِي هي مِن أهم العوامل الجاذبة أو المنفّرة للمسْتثْمر.
• ربط شرط توظِيف عدد مُعيَّن مِن المواطنين الأرْدنيين مع القيمة الفعْليَّة لاحتياجات المشروع الاستثماريّ (أقل/أكثر) حسب احتياجات المستثمر.
• تَحْتاج النَّظْرة المستقبليَّة لِلْمشاريع التَّنْمويَّة الضَّخْمة إِلى قَانُون خاصٍّ يضمن الاسْتمْراريَّة، والدَّيْمومة.
• إِنشَاء قَانُون مُنَاسِب لِتشْريعات "المدن الخضْراء"، و"مشاريع الطَّاقة الخضْراء".
• إِنشَاء مَنظُومة جَدِيدَة لِآليَّة تَطوِير قِطَاع النَّقْل اَلْخاص "التِّجاريِّ"؛ لاسْتقْطاب الشَّركات المعْنيَّة بِإنْشَاء قِطارَات تَخدِم القطَاع التَّنمويّ للمُدن الأردنيّة.
ولأننا نحتاج وُجُوهًا جَدِيدَة تُؤْمِن بِأنَّ الانْتماء، والْولاء، والْوفاء لِلْوطن يَأتِي لَيْس بِالْقَوْل فقط، بل بالقول والفعل معًا، فربّما من المفيد سرد بَعْض التَّحدِّيات التي رواها بَعْض المستثمرين، من واقع تجاربهم الذّاتيّة، وهي كما يأتي:
• يَحْتاج المسْتثْمر الأجْنبيِّ وَقْتًا طويلا مع موظَّفيه قد يصل إِلى أَسابِيع؛ لتقدِيم كفالَات بَنكِية، وموافقات أَمنِية؛ لِلْحصول على إقامات أوَ تصارِيح عمل.
• عدم وُجُود تشْريعات مَرنَة تتطابق مع مُتطلَّبات مشْروعات المستثمرين، وإن تلك التشريعات هي المفتاح الحقيقيّ لنَقْل تجْارب الاستثمارات النَّاجحة مِن الدُّول المجاورة إِلى وَطننا الحبِيب.
• تفعيل "قَانُون الضَرِيبَة التُناقصيّة"؛ بِحَيث تَحكمها زيادة حَجْم الاستثمار المادِّيِّ، وَزيادة كادر التَّوْظيف الأرْدني؛ لِتشْجِيع المستثمر.
• تتقارب القوانين الاستثماريَّة الموْجودة بين دول الْأرْدنِّ ومصْر والإمارات، وتتباعد نتائج تطبيقها؛ لوجود حَلقَة مفقودة تتمثل في "سرعة التنفيذ".
• علينا توضيح قَانُون الأسْعار التَّحْويليَّة، ودراسة آثاره على المستثمر في أرض الواقع.
وبعد،
فإننا قد أجبنا عن سؤال "لماذا نحتاج إلى هَذه السُّدود؟"..
وبقي القول إنها لِلْحفَاظ على كُلِّ قَطرَة مِن قطرات الاستثمار، وصولا إلى ملء سدودنا كاملة بالمياه..
كما نحتاج كامل خبرات أجيالنا القديمة/الجديدة، من ذِوي الخِبْرَة وَالمعرِفة القادرين على إدارة لجان استثماريَّة توحّد الرّؤى في مُخْتَلِف القطاعات، ويؤخذ بمخْرجاتها؛ لبعث الأمل في الاستثمار في الأردن من جديد، كما يكون من دورها شرح القوانين، وآلية تطبيقها، والإلمام بالتشْريعات، وتعديل ما يلزم منها، والإحاطة بالمرْجعيَّات التي تسرّع مِن تطوير نَهْج الاستثمار، وتعالج تطْبيقاته؛ لعلَّنا نفوز بِحَجم استثمارات كبير، وفي وقْت قصير، وَنقُوم بِتوْظِيف أَكبَر عدد ممكن مِن شَبَاب هذَا الوطن. وإنّ "الأسرع أداء.. هو الأقدر كفاءة".