حديث الملك

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/30 الساعة 00:15

ي ما يقارب الثلاث ساعات أجمل جلالة الملك عبدالله الثاني أمام نخبة من الصحفيين والكتّاب، قراءة المشهد الأخير على الساحة الأردنية في كل ما يتعلق بالشأن الداخلي والخارجي والملفات السياسية الأردنية مع الإقليم، وهو يتفوق كالعادة على كافة المسؤولين والمحللين بقراءته وصراحته عما يدور داخليا وخارجيا، ولديه فهم واضح لكل شيء، لدرجة تجعلنا نتساءل :

ما الذي يعيق تقدمنا في المسارات السياسية داخليا وخارجيا، ولماذا لا نمتلك قوة الدفاع عن حقنا، وحماية إنجازاتنا ونجاحاتنا الإقليمية التي تسطو عليها الروايات المغرضة، والأصوات المعروضة للبيع داخليا وخارجيا، خصوصا فيما يتعلق بقضيتنا الأساسية وهي القدس التي باتت «عهدة هاشمية» حيث أنفق الأردن أكثر من مليار دولار على الإعمار والترميم والأوقاف هناك على مدى السنوات ، فيما المعابر الوحيدة لإخوتنا وأهلنا في فلسطين هي معابر وادي الأردن، والتي سجلت منذ بداية العام حتى اليوم مرور مليون ومئتا ألف عابر، والأردن بقيادة الملك هو المدافع عن الفلسطينيين وهو يضع الملف الفلسطيني في كل محادثات يجريها مع زعماء العالم، ومع هذا نستوعب حالة الإنكار لدى البعض لخدمة أهداف تزعميه.

الملك جعلنا نحس بتأثره بما وقع من حادثة الجريمة الغادرة لحارس السفارة الإسرائيلية بعمان، وما وراء ذلك من التصرف الأرعن للقيادة الإسرائيلية، التي أدخلت كل الأطراف للحصول على إتصال مع الملك، ولكنه حذر من الإنسياق خلف الأصوات النشاز التي تتحين أي زوبعة سياسية لتحويلها الى جدل إجتماعي وتشكيك في المؤسسات الأمنية والعسكرية التي هي خط أحمر لا يسمح الملك بالحط من شأنها أو رميها برماح التشكيك بناء على مزاجية شخصية مبنية على الإستنفاع السياسي أو المادي .

الملك كان واضحا تماما ومجملا للرواية الحقيقية في ما يجري من أحداث لدرجة التفوق على جميع المصادر والمراجع الرسمية، ولا يجد حرجا من أن يتحدث عن إخفاقات تحدث أحيانا بناء على خطأ في قراءة الصورة من قبل قليل من المسؤولين، خصوصا ممن هم معنيون بإيصال الرسائل الإخبارية أو المعلوماتية بالسرعة الكافية، ولكن أحيانا لا يمكن فهم تلكؤ البعض عن القيام بعمله، وهل الخوف من تحمّل المسؤولية أو عدم إمتلاك أولئك القدرة على إدارة ملفاتهم واختبائهم حتى عودة الملك الذي يبدد الضباب وأحيانا الظلام الذي يلف الساحة بين الفينة والأخرى.

الملك أكد على أن حق حماية الأردنيين هو مبدأ لا يمكن المساومة عليه، وحتى في حالة الإصطدام مع القوانين الدولية والمعاهدات الناظمة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، كما حدث في حادثة السفارة، فإنه لا مساومة على الحق القانوني والحق المعنوي الذي يجب أن تعتذر بناء عليه حكومة نتنياهو، وعلى تصرف نتنياهو المسيء والذي كان يريد منه بناء صورة جديدة له تنتشله من المنحدر الذي بات ينزلق فيه، ولكنه إصطدم أيضا مع كل أقطاب السياسة في إسرائيل، مع حلفائه قبل خصومه، وهذا ما يجعل الملك متشددا في ضمان حقوق أبنائنا المعتدى عليهم، وعدم السماح بأن تتكرر مثل هذه الحوادث.

يمكن أن نفهم من حديث الملك الإستشرافي لواقع الصراع مع إسرائيل، المحكومة بعقلية الليكود المتعنت، أن المرحلة المقبلة هي المهمة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومن المتوقع تشكيل لجان مشتركة بين جميع الأطراف بما فيها الأمريكية لمراقبة الخطوات التي ستتابع في السعي لفكفكة التأزيم المتواصل، وهذا التأزيم بالطبع تخلقه سياسة نتنياهو المتقلبة والمراوغة فيما يتعلق بالسيطرة على القدس كلما سنحت له الفرصة.

القدس بما فيه من مقدسات إسلامية ومسيحية أخذت أهمية قصوى من جلالة الملك في حديثه، وهو لا يغبط الأشقاء الفلسطينيين جهدهم في المشاركة بالتنسيق من خلال التواصل مع الجانب الإسرائيلي لضمان إعادة الأوضاع كما كانت قبل السابع عشر من تموز، ولكن مع هذا قدم جلالته الشكر لأبناء القدس والمرابطين هناك، وأكد على أن الواجب المقدس يستوجب علينا أن نبقى على تواصل تام مع أهلنا في القدس ودعمهم بكل ما يحتاجونه، فالجميع يعلم بما فيهم الأمريكان قبل الإسرائيليين أن القدس هي القضية الأخطر في العقيدة الجمعية لدى العرب والمسلمين، والوصاية الهاشمية لن تتنازل عن أي حق لأي مقدسي في حرية عبادته وسلامة مروره.

إن إنجازاتنا وحقنا المعنوي يجب أن لا يضيع، وأهم أداة تدافع عن كل هذا هو الإعلام الحقيقي الصادق المهني، وهذا كان محور حديث مطول مع جلالته، وعليه فإن توحيد الجهود الإعلامية يجب أن تتكاتف للدفاع عن اللُحمة الوطنية وإبراز الإنجازات والدفاع عن المشروع الأردني السياسي بغض النظر عن الأهواء والرغبات واختلاف وجهات النظر .

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/07/30 الساعة 00:15