محللون اقتصاديون: رفع أسعار الفائدة الأمريكية يؤثر على الاقتصادات العربية

مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/05 الساعة 18:26

مدار الساعة -أكد محللون اقتصاديون أن رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة 6 مرات خلال العام الجاري ستكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصادات وأسواق المال العالمية، ومنها العربية، كما أنه لا يصب في مصلحة أي من الأدوات والأوعية الاستثمارية.

وقال المحللون، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية "قنا": إن رفع أسعار الفوائد يعني زيادة في الإيداعات البنكية، ونقصا في الاستثمار بالأسواق، ما يثير المخاوف من ركود قد يواجه اقتصادات العالم، مشيرين إلى أن بلوغ معدل الفائدة 4 بالمئة مغر جدا للكثير من المتداولين، وهو ما سيؤدي إلى جذب المستثمرين نحو الإيداعات البنكية.

وتؤدي الزيادة، التي أقرها مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي الأربعاء الماضي بمقدار 75 نقطة أساس في أسعار الفائدة، إلى وصول تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة إلى نطاق بين 3.75 و4 بالمئة، وهو أعلى مستوى لها منذ أوائل عام 2008، حيث تأتي هذه الخطوة جزءا من معركة مجلس الاحتياطي الشرسة لخفض التضخم الحاد الذي عانى منه الاقتصاد الأمريكي، وبلغ 8.2 بالمئة في شهر سبتمبر الماضي، وفي وقت لا يزال فيه معدل التضخم المفضل لدى البنك المركزي الأمريكي بعيدا وأعلى بكثير من هدفه البالغ 2 بالمئة.

ويرى المحلل المالي أحمد عقل أن القرار الأمريكي وإن كان لمصلحة الجهات المقرضة مثل البنوك والمؤسسات المالية، يفرض تحديات كبيرة على الشركات المدرجة، منها أن زيادات رأس مالها في ظله ستتم غالبا عبر إصدار أسهم اكتتاب جديدة بدلا من الاقتراضات البنكية، كما أنها ستميل لتوزيع أسهم مجانية أكثر من توزيع النقد في محاولة للاحتفاظ بالسيولة، إضافة إلى ما يفرضه القرار على صعيد ارتفاع خدمة الدين.

وحذر من أن ركودا قد يواجه الاقتصاد العالمي نتيجة إغراءات أسعار الفائدة، الأمر الذي يشجع الإيداعات بالبنوك، وقد يلجأ معه البعض لبيع أصولهم ومدخراتهم في محاولة للاستفادة من هذه الأرباح، خاصة إذا كانت لفترات طويلة الأجل، وهو ما يعني سحب السيولة من الأسواق.

وقال عقل في تصريحاته لوكالة الأنباء القطرية "قنا": إن رفع أسعار الفوائد ليس في مصلحة أي من الأدوات الاستثمارية، سواء على مستوى سوق الأسهم أو الاستثمار في الذهب أو النفط أو غيرها من الأوعية الاستثمارية، بل إن هذا الارتفاع، الذي هو في المحصلة زيادة في الإيداعات البنكية ونقص في الاستثمار بالأسواق، يدعو للتخوف من ركود قد يواجه اقتصادات العالم.

واعتبر أن السياسة المشددة التي اتخذها مجلس الاحتياطي الأمريكي في الفترة الأخيرة سيكون لها تأثيرها المهم جدا على أسواق المال في العالم، ومنها العربية، مضيفا أن وصول مستوى الفائدة إلى 4 بالمئة مغر جدا للكثير من المتداولين، وهو ما سيؤدي إلى جذب المستثمرين نحو الإيداعات البنكية، خاصة في ظل ظروف غير واضحة على مستوى الركود والمستقبل الاقتصادي في الكثير من الدول.

وعن كيفية تجنب المخاطر الاقتصادية للقرار الأمريكي الأخير، قال: "تأثير رفع الدولار على الدول العربية سيكون صعبا جدا، ففضلا عن الركود المتوقع نتيجة سحب بعض رؤوس الأموال ووضعها كإيداعات بنكية، وهو ما يتوقع حدوثه بداية من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وحتى في معظم الدول، فإن بعض الدول العربية ستتأثر به بشكل كبير بسبب انخفاض قيمة عملتها مقابل الدولار، خاصة أنها بالمجمل مستوردة وليست منتجة، وبالتالي هي تحتاج لأن تقوم بدفع أثمان بضائعها عن طريق الدولار".

وأضاف أن رفع الدولار نفسه سيؤثر بشكل كبير أيضا على الدول المقترضة؛ إذ يضع على كاهلها مصاريف إضافية لخدمة الدين العام سواء كان داخليا أو خارجيا، كما سيؤدي إلى رفع أسعار المنتجات داخل الدولة على المواطنين، وهو ما سيحد من قدرتهم الشرائية، ويجعل الاقتصاد يدور في حلقة أضيق، ويتجه بشكل أكبر إلى الركود.

وأكد المحلل المالي أحمد عقل، لـ"قنا"، أن الدول العربية ليس أمامها سوى تأمين احتياجات الأسواق المحلية عن طريق مصادر وموارد داخلية للحفاظ على احتياطيها من النقد الأجنبي، وفي الوقت نفسه محاولة كبح جماح التضخم، والسعي إلى تكامل اقتصادي يعمل على تأمين أو استغلال الموارد الداخلية والثروات العربية، لتقليل الاستيراد.

وعلى الرغم من الركود المتوقع عالميا، رأى أن هناك فرصا حقيقية لرجال الأعمال للاستفادة من حاجة الأسواق الداخلية، والدعم الذي تقدمه الحكومات العربية لتصنيع منتج محلي قد يتوفر على هامش ربح منافس أعلى مما كان عليه سابقا، مقارنة مع البضائع الأجنبية.

من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي رمزي قاسمية، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من بين الدول العربية التي ستستفيد من رفع أسعار الفائدة، لاتباعها نهج السياسة النقدية الأمريكية، وارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي، وهو ما سيحافظ على جاذبية عملاتها، وبالتالي استمرار تدفق رؤوس الأموال إليها نتيجة المنافسة على عوائد السندات.

واعتبر قاسمية أن هذا التماشي مع سياسة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) يجنب دول مجلس التعاون ما يسمى "تجارة الفائدة"، لكنه رأى أن الدول العربية إجمالا ليس أمامها الكثير من الأدوات الاقتصادية للحد من تأثيرات ارتفاع أسعار الفائدة على الغذاء والطاقة سوى اتخاذ إجراءات تقشفية محلية؛ بهدف خفض الاستهلاك أو توجيه الدعم الحكومي لبعض السلع.

وأضاف أن زيادة أسعار الفائدة ستثقل كاهل الدول التي تعاني من نسب مديونية مرتفعة إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ لأنها ستؤدي إلى زيادة تكاليف خدمة الدين بشكل كبير، ما يزيد حجم الدعم الموجه إلى السلع والطاقة، كما ستؤدي بشكل غير مباشر إلى تغيير السلوك والأنماط الاستهلاكية عبر زيادة أعباء القروض، خاصة العقارية التي ستستنفد الجزء الأكبر من دخل المواطن، بحيث يتبقى جزء يسير يمكن توجيهه إلى السلع والخدمات.

وأشار المحلل الاقتصادي، في تصريحاته لـ"قنا"، إلى أنه في ظل استمرار مجلس الاحتياطي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة، لم يعد الحديث الآن عن دخول الاقتصاد العالمي في تباطؤ، وإنما في ركود اقتصادي نتيجة انخفاض جاذبية المشاريع الاستثمارية؛ لكون العوائد على الودائع مرتفعة وهي ذات مخاطر منخفضة، الأمر الذي يدفع بالضرورة إلى توجيه الأموال للادخار بدلا من الاستثمار.

ونظرا للطبيعة المترابطة للاقتصاد العالمي، يعني تصعيد مجلس الاحتياطي الأمريكي حربه على التضخم عبر رفع أسعار الفائدة المزيد من قوة الدولار أمام العملات الأجنبية ومن كلفة الحصول عليه؛ إذ سجل ارتفاعا بنسبة 10 بالمئة خلال العام الجاري، الأمر الذي يشكل مصدر تهديد حقيقي لعملات وأسواق الدول الناشئة والنامية، ويؤثر على أسعار الفائدة والتجارة الخارجية والديون في شتى أرجاء العالم.

ومع رفع مجلس الاحتياطي الأمريكي أسعار الفائدة، الذي يعد الأكثر صرامة في سياسة البنك منذ ثمانينيات القرن الماضي، يتوقع اقتصاديون أن تستمر الزيادة في أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة أخرى في شهر ديسمبر المقبل، ثم بربع نقطة في كل من الاجتماعين التاليين، لتصل أسعار الفائدة إلى حدود 5 بالمئة بحلول شهر مارس 2023.

ويعزز هذا الاتجاه نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الثالث من العام الجاري، بما يفوق التوقعات، مسجلا 2.6 بالمئة على أساس سنوي، لينهي بذلك فصلين من الانكماش، إضافة إلى بيانات وزارة العمل الأمريكية الصادرة مؤخرا، والتي أشارت إلى أن الاقتصاد الأمريكي أضاف وظائف أكثر مما كان متوقعا في شهر أكتوبر الماضي، بعد أن زادت الوظائف غير الزراعية 261 ألفا، وارتفعت الأجور بقوة، كما أن معدل البطالة لا يزال منخفضا تاريخيا رغم ارتفاع تسريح العمال، وهو ما قد يحفز مجلس الاحتياطي على مواصلة تشديد السياسات النقدية.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت مع ظهور جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19"، مطلع عام 2020، أكبر برامج التحفيز الاقتصادي في تاريخها بإجمالي 5 تريليونات دولار، لمواجهة تداعيات الجائحة، الأمر الذي تسبب في زيادة حجم السيولة في البلاد، وارتفاع التضخم السنوي لأعلى مستوى منذ 40 عاما.

وعلى الرغم من أن التوقعات تذهب في النهاية باتجاه أن يهزم مجلس الاحتياطي الاتحادي وقوى السوق هذا التضخم، ليتراجع في أفق 2023 إلى ما دون 5 بالمئة، فمن المرجح أن تبقى تبعات أسعار الفائدة المرتفعة على الاقتصاد العالمي لأعوام.
وكالات

مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/05 الساعة 18:26