واشنطن 'لا' تبحثُ عن صراع مع موسكو.. بل 'حل تفاوضِيّ'.. أحقَا؟
في تصريح لافت في توقيته وغير مسبوق في مصطلحاته.. قال مُنسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الابيض/جون كيربي: نحن لا نسعى للصراع مع روسيا، مضيفاً.. الأمر متروك للشعب الروسي لـ«يُقرِّر» مَنْ يجب ان يكون في قيادته (...).. لافتا الى ان الولايات المتحدة «ملتزمة» التوصّل الى حل تفاوضي في اوكرانيا.. ومُسارعاً الى القول: لكنها ستُواصل مُساعدة كييف على «النجاح» في «ساحة المعركة».
نص مُكثّف ومثقل بالاشارات والرسائل حدود التناقض وليس الالتباس، ما يدعو للتساؤل عن سر هذه «اليقظة» الاميركية المفاجئة، عبر الحديث لأول مرة منذ اندلاع الحرب الاوكرانية، بل منذ رفضت ادارة بايدن كما حلف الناتو والاتحاد الاوروبي تقديم ضمانات أمنِية لموسكو، لتلافي التصعيد بين موسكو وواشنطن (واتباع الاخيرة بالطبع).
في التوقيت يُلحَظ ان تصريح منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الابيض, جاء قبل اسبوع واحد فقط من الانتخابات النصفية لجناحي الكونغرس (النواب/والشيوخ), في ضوء استطلاعات للرأي تتحدث عن ارتفاع حظوظ الحزب الجمهوري للفوز بأغلبية المجلسين وليس فقط «الشيوخ»، أما في «الاسباب» فان المتابع للجدل والسجالات الدائرة الآن على الساحة السياسية والحزبية الاميركية, يلحَظ ارتفاع منسوب الانتقادات التي يُوجهها اركان وقيادات الحزب الجمهوري لإدارة بايدن في ما يخص الازمة الاوكرانية, وحديث كبير الجمهوريين في مجلس النواب/كيفن مكارث?, عن ان حزبه (الجمهوري) اذا حصل على الاغلبية فإنه «سيُعيد النظر في مسألة دعم كييف او حتى إيقافها»..، لافتاً (مكارثي) الى ان «الاميركيين يُواجهون ركودا ولن يكتبوا شيكا بدون المبلغ المُحدّد», مضيفا ان «البيت الابيض لا يُمكنه التعامل فقط مع مشكلات اوكرانيا».
هي إذاً مسألة صراع بين الحزبين المتنافسين، ولا علاقة لها بكل ما قاله كيربي عن عدم بحث ادارة بايدن عن صراع مع روسيا, أو انها تريد حقا حلاً تفاوضياً. خاصة ان صحيفة «ناشيونال إنترست» الاميركية, وثيقة الصِلة بمصادر اميركية رفيعة حزبية/ واستخبارية وسياسية, كشفت في عددها الاخير 30/10 ان «مُفاوضات اميركية مع موسكو ستجري في حال فوز الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي المقبلة (8/11 الجاري) للكونغرس الاميركي».
هنا ايضا اشار مقال في الصحيفة الاميركية ذاتها للكاتب ماثيو ماي، الى ان «رفض واشنطن العنيد للتفاوض مع روسيا من أجل انهاء الصراع او على الاقل وقف اطلاق النار»، انما يقوم على اساس كاذب يقول: ان كييف (فقط) هي التي لها الحق في القيام بذلك».. وهذا - أضاف ماثيو - يجعل العالم اقرب الى صراع نووي».. مُختَتِماً مقالته على النحو التالي: «الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب، ستُؤثر على سياسة الرئيس بايدن تجاه موسكو»، لأنه ــ واصَلَ ــ اذا توقفت المساعدة لكييف، فَسيتعيّن على البيت الابيض فتح قنوات دبلوماسية مباشرة مع الكر?لين».
هذه هي «جذور» قصة التصريح المثير الذي اطلقه جون كيري حول «الميول» الدبلوماسية ذات البُعد الانتخابي الحزبي لادارة بايدن، وليس منح الأولوية لمفاوضات جدية مع موسكو تضع حدا لحرب متدحرجة, يقوم المعسكر الغربي (الولايات المتحدة,الناتو والاتحاد الاوروبي) بصب الزيت على نارها المشتعلة بهدف الحاق «هزيمة استراتيجية» بروسيا. على ما أكد اكثر من مرة وزير خارجية بايدن/بلينكن ووزير دفاعه/اوستن وصقور «حزب الحرب» في البنتاغون, كما امين عام الناتو/ستولتنبرغ, وجوزيب بوريل/مُفوّض الامن والشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي.
عودة الى تصريح جون كيربي:
في تصريحه ان ادارة بايدن تريد حلا تفاوضيا مع روسيا في اوكرانيا، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية (جون كيربي): «ان الأمر مَتروك للشعب الروسي, ليُقرِّر مَن يجب ان يكون في قيادته». فما صلة إشارة كهذه, في إعلانه المُفاجئ, حيث تؤكد المعطيات ووقائع وكميات الدعم الاميركي العسكري والاستخباري واللوجستي والمالي لنظام زيلينسكي, تَعارُضَه مع ادعاء كهذا؟، خاصة ان المفاوضات الاميركية مع روسيا (لو حدثت) فان مسألة, مَن يَحكُم في موسكو او واشنطن لن تكون على جدول الاعمال. إضافة الى أن إشارة كهذه تعكِس غياب الجدية عن تصريح كي?بي, ناهيك عن «تأكيد» كيربي نفسه الى ان «واشنطن ستُواصل مساعدة كييف (على النجاح) في ساحة المعركة».
في المُجمل.. يَصعب تصديق رغبة ادارة بايدن في البحث عن حل سياسي/تفاوضي للازمة الاوكرانية, بل ان قيامها بنشر قاذفات قنابل نووية في اوروبا, كذلك اعداد كبيرة من القنابل النووية التكتيكية/الحديثة في دول اوروبية عديدة, بل واستعداد فنلندا والسويد كما بولندا نشر اسلحة نووية اميركية على اراضيها, وبعضها لم يدخل «رسمياً» في الناتو (الذي إزداد عديد قواته حول الحدود الروسية الى «مرّتين ونصف» على ما قال وزير الدفاع الرويس/شويغو أمس), يؤكد من بين أمور أخرى, ان اميركا ساعِية بحزم/وتصميم الى «صِدام» مع روسيا وليس الى مفاوضات.
kharroub@jpf.com.jo