لبنان 'بلا' رئيس.. هل يَطول 'الشُغور'؟

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/02 الساعة 01:15

فيما يعيش لبنان الشقيق حالاً غير مسبوقة من الانهيارات الأفقية والعامودية.. اقتصادية, مالية ونقدية وخصوصاً اجتماعية, مُترافقة مع ارتفاع حاد في نِسب البطالة والفقر ونقص كبير في الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وطاقة, وفقدان السيولة وغلاء في الاسعار, تتواصل «المعارك» الكلامية بين النخب السياسية والحزبية المعنية أساساً بمصالحها الشخصية وارتباطاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية. خاصة بعد انتخابات 15 أيَّار الماضي البرلمانية, وفشل أحزاب وقوى المُعارَضة المشتتة, التي يُصنِّف معظمهم نفسه أنه"سِياديّ» واستقلالي وغير?ما من المصطلحات التي تبرع الأحزاب الطائفية وخصوصاً الانعزالية اختراعها والعمل على ترويجها. رغم ارتباطاتها المعروفة والمكشوفة بعواصم إقليمية ودولية. فشلها في تحقيق أغلبية برلمانية تسمح لها بتمرير مخططاتها وبرامجها السياسية ذات النزعة الانعزالية والتقسيمية كفدرلة البلاد.

حيث لا تنفي تلك القوى «السِيادية» المزعومة بالطبع علاقتها المشبوهة تلك, بل تُفاخر بها وتتمسّك, وترى فيها سنداً لها في ممارسة ضغوط «وتمويل أيضا", قد تساعدها في تعديل موازين القوى التي اختلت, رغم تعويل معسكر «السياديين» على الانتخابات البرلمانية الأخيرة, لكنّها لم تحصد شيئاً مما انتوت العمل على تحقيقه, وتجلّى ذلك «أقله» في انتخابات رئاسة وسكرتارية مجلس النواب, وهم الآن يتقدّمهم أحد أبرز «لوردات» الحرب الأهلية وأكثرهم دموية وعنفاً, إذ لم يَسلم من بطشه مسلم أو مسيحي لبناني, فلسطيني او سوري، مواطن أو مسؤول بدرج? رئيس حكومة عندما اغتال رشيد كرامي, ونجل رئيس الجمهورية حينذاك سليمان فرنجية (أقصد طوني ابن الرئيس فرنجية وعائلته), ناهيك عن تفجير أماكن العبادة كما حال كنيسة سيدة النجاة.

ما علينا..

انتهى عهد الجنرال ميشال عون بعد ست سنوات قضاها في قصر بعبدا الرئاسي, وسط حملات إعلامية شرسة هدفت شيطنته وتخوينه, فضلاً عن دسائس وعراقيل عمل عليها حزب القوات اللبنانية/ورئيسه سمير جعجع, الذي وإن كان أسهمَ في إيصال عون إلى منصب الرئاسة عبر «اتفاق معراب» (ومعراب هي «القلعة» التي يسكن فيها جعجع, وكلّفته ملايين الدولارات (ولم يسأله أحد: من أين لك هذا؟). ناهيك عما تكشّف لاحقاً عن ترسانة من الأسلحة وميليشيات مسلحة يقوم بتدريبها رغم زعمه أنّه سلّم سلاح قواته, التي كانت طليعة القوات الانعزالية في الحرب الأهلية التي?اندلعت في 13 نيسان 1975 وتواصلت بوتيرة تعلو وتنخفض حتى العام 1989.عندما وضعَ اتفاق الطائف/1989 حداً لها. لكنه اتفاق لم يُطبّق إلّا انتقائياً, فتواصلت الأزمات والاحتقانات والاغتيالات, فيما لم يتوقّف تدهور لبنان على مختلف الأصعدة والمجالات.

جلسات برلمانية ثلاث عُقدت حتّى الآن، لكن لم يتم انتخابات رئيس جديد للجمهورية. ولم يعد رئيس للبنان منذ بداية الشهر الجاري. فيما المؤشرات تشي بأنّ «فخامة الفراغ» هو الذي يحكم قصر بعبدا. وسط تشاؤم آخذ في التصاعد باحتمال استمرار هذا الفراغ إلى أن تجد القوى الإقليمية والدولية «شخصية توافقية» مقبولة/أو مفروضة, لا تجد النُخب السياسية والحزبية سبيلاً إلى معارضتها أو الاعتراض عليها. زِد على ذلك الدور التحريضي الذي تنهض به رموز دينية وروحية يُفترض أن لا يكون لها دور سياسي كهذا في بلد يُزعَم أنه علماني وبلد الحريات. ?كن «هيدا لبنان» الذي أوصلته «الصيغة الطائفية التي اعتمدها المُستعمرون الفرنسيون لإنشائه».. إلى طريق مسدود. ولم تعد ثمة شكوك بأنّه غير قادر على الاستمرار كـ«كيان», سوى إلغاء أو تعديل تلك «الصيغة» خاصة بعد التغييرات العميقة التي طرأت على تعداد «الطوائف» الـ«18» الديموغرافي, إضافة إلى التغييرات الاجتماعية والسياسية وخريطة التحالفات وموازين القوى الداخلية/اللبنانية, وتأثير وضغوط التيارات والتدخلات الإقليمية والدولية..

وإذا كانت تجربة «اتفاق معراب» الذي قام في الأساس على اقتسام «الحصة المسيحية» في المناصب والمواقع الحكومية بين جعجع/وعون, قد كشفت من بين أمور اُخرى مدى انتهازية الأول/جعجع وتهافت شعاراته ومزاعمه، فإنّ فشله في قيادة أغلبية نيابية سيادية (مَزعومة) يستطيع عبرها تنفيذ برنامجه الانعزالي, المرتبط على نحو وثيق بقوى ودول إقليمية ودولية في مقدمتها «فَدرَلة لبنان» تمهيداً لتقسيمه, فإنّ معركة الرئاسة التي يفتعلها/جعجع ويُلوّح بمزيد من التصعيد, تارة بزعم أنّ لبنان قدم تنازلات في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل, و?وراً بأن عون خضع لحليفه/حزب الله. بل لم يخجل هو والقوى الانعزالية الاخرى (وهم حلفاء إسرائيل منذ عقود طويلة), اتّهام عون/وحليفه بـ«التطبيع» مع إسرائيل. نقول: وجدَ جعجع فرصة لتصعيد حملته على فريق 8 آذار، ما يعكس إمكانية استمرار «الشغور» في موقع الرئاسة بلبنان. كون أحد من المُعسكريْن غير قادر على تأمين أغلبية الـ«65» (نصف مجلس النواب/128 زائداً واحداً) اللازمة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية, بعد أن يتمّ أولاً تأمين 85 نائباً (ثلثا المجلس) كي تكون الجلسة وماراثون الانتخاب لاحقاً.. «دستورية».

kharroub@jpf.com.jo

مدار الساعة ـ نشر في 2022/11/02 الساعة 01:15