لا نتفق سياسيا ولا نتوافق أيضا
لم يعد ممكنا اليوم، في العالم العربي، الاستمرار بذات جامعة الدول العربية، التي واجهت ازمات حادة على مدى عقود، وتحولت الى مظلة شكلية وبروتوكولية، في ظل التباينات في العالم العربي.
ربما النمط السياسي الافضل يرتبط بالعلاقات الثنائية، أو التكتلات الثلاثية او الرباعية او حتى الخماسية، ما بين الدول العربية التي بينها قواسم مشتركة، او توجهات سياسية متقاربة، أو خطط اقتصادية يمكن تنفيذها معا، فهذا النمط اكثر معقولية، ويقوم على المصالح المتقاربة.
لنشأة جامعة الدول العربية، قصة تاريخية، فقد اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن في الفترة 25 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 1944 لبحث هيكل عربي مشترك، واقترح الوفد السوري تسميته بالتحالف العربي، واقترح الوفد العراقي تسميتها بـالاتحاد العربي، إلا أن الوفد المصري قدم تسمية ثالثة الجامعة العربية، الذي تحول اخيرا الى جامعة الدول العربية، وتكونت رسمياً في 22 مارس 1945 أي قبل منظمة الأمم المتحدة بشهور، لتكون من أهم المنظمات الاقليمية والدولية، وتنضم اليها بقية الدول العربية.
قمة الجزائر تأتي بعد غياب ثلاث سنوات حيث لم تنعقد اي قمة عربية، وللمفارقة لم يختلف اي شيء في العالم العربي، إذ عدا الاتفاقيات المشتركة بشأن ملفات متخصصة كثيرة، فإنه لا يمكن اعتبار جامعة الدول العربية ممثلة حقيقية للعالم العربي، في ظل الازمات في العالم العربي، من الصراعات السياسية، الى الانقلابات، والعداوات التي شهدناها طوال عقود، اضافة الى تحول الجامعة الى ممثل لمصالح دولية، تتعارض معاً داخل هذه المؤسسة الاقليمية.
لا يتابع الانسان العربي، اعمال اي قمة عربية بشكل عام، والمؤسف هنا القول إن أداء جامعة الدول العربية، تعبير رسمي، عن تشظي الهوية القومية على المستوى الشعبي العربي، فالرابطة القومية ضعفت الى حد كبير، لصالح الهوية الوطنية، كما ان الرصيد السلبي لاجتماعات جامعة الدول العربية، ادى الى غياب الثقة فيها، ودورها الغائب لا نراه حتى في الازمات التي تنفجر داخل دول عربية، وفي علاقاتها مع دول عربية ثانية، وكأنها تحولت الى مجرد هيكل شكلي غير مؤثر.
برغم كل القواسم المشتركة بين العرب، الا ان المصالح لكل دولة على حدة باتت تحدد بشكل واضح العمل العربي المشترك، كما ان التغيرات الاقليمية والدولية، تركت اثرها الحاد على جامعة الدول العربية، بما تعنيه من تمثيل مباشر للأنظمة الرسمية، بكل تناقضاتها مع بعضها بعضا، واحيانا عداواتها، وحساباتها المتباينة، في ظل عالم تتم اعادة تشكيله في كل قارات الدنيا، ولعل الهزات التي يتعرض لها الاتحاد الاوروبي، والمشاكل في بنية الامم المتحدة، ومجلس الامن وغيرها من تجمعات تثبت اننا امام احد خيارين، إما إصلاح انظمة جامعة الدول العربية، وإما استبدالها بأنماط اكثر فاعلية على صعيد التكتلات العربية والاقليمية وفقا لحسابات جديدة.
هذه ليست سلبية، لأننا بصراحة لا يمكن ان نتفق سياسيا في العالم العربي، على قضية واحدة، وحتى القضية الفلسطينية المفترض ان تكون حاضنة للكل وجامعة لكل هذه الشعوب، تواجه على الصعيد الرسمي بتصورات متباينة، بما يجعلنا نسأل عن بقية القضايا التي تعد مؤهلة بطبيعتها لتوليد الاختلافات، والصراعات بين ابناء هذه المنطقة، الذين امضوا عمرهم وهم ينتظرون تمثيلا عربيا حقيقياً لمصالحهم وتطلعاتهم من المرور دون تأشيرة مسبقة، وصولا الى حق العيش في اي بلد عربي، دون اشتراطات، مرورا باستحقاقات الهوية العربية الواحدة.
بما اننا لا نتفق سياسيا، ولا نتوافق ايضا، خصوصا في هذه الايام التي نقف فيها امام محطات فاصلة، بسبب ازمات المنطقة في سورية، وليبيا، واليمن، وما يجري من ازمات في العراق، واحتلال فلسطين، وغير ذلك من ازمات اقليمية ودولية، فإن الحل المنطقي الوحيد اللجوء الى التكتلات على اساس اقتصادي وتكاملي دون التنكر للهوية القومية اذا كانت جامعة دول العربية، هي الممثلة لها، لكننا نتحدث عن الواقع الذي يفرض تكريس انماط التكتلات الاقتصادية بين الدول المتقاربة، وبلا شك فإنها تعكس ايضا نمطا من انماط التوافق السياسي، ولو في حدود معينة، بدلا من جامعة الدول العربية، التي تجمع الاضداد في موقع واحد، ولا تؤدي الى اي تغيرات جذرية في العالم العربي.