لنسأل السوريين قبل التطوع نيابة عنهم
لا توجد كارثة مثل كارثة لجوء الأشقاء السوريين، حين يكون هناك أكثر من 5.6 مليون لاجئ سوري مسجلين في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق، بينهم 675 ألفا في الأردن، لكن التقديرات الأردنية تقدر العدد بـ1.3 مليون، كون أغلبهم غير مسجل لدى الأمم المتحدة.
نحن نتحدث عن رقم كبير جدا، وسيزيد مع مرور الأيام، خصوصا، ان هناك أرقاما تتعلق بالمانيا، وأميركا، ودول أوروبية، كما أن انجاب العائلات سيجعلنا أمام رقم يتضاعف تدريجيا.
هذه الأرقام ليست مجرد أرقام، بل ترتبط بازاحة ديموغرافية في سورية، فأغلب هؤلاء من المسلمين السنة، واخراجهم من المنطقة بهذه الطريقة، يؤدي إلى إعادة انتاج الخريطة السكانية داخل سورية، واضعاف المسلمين السنة، تحت عناوين مختلفة، لا يمكن التلاعب بها هنا.
القصة ليست اذكاء التعصب المذهبي، بل نتحدث عن الكلفة السياسية للحرب في سورية، وهي كلفة يضاف اليها عدد القتلى والجرحى والمسجونين والمفقودين، وإذا كانت الرواية السورية تتحدث عن حرب صهيونية لتدمير سورية، فإن إدارة دمشق للحرب، لم توقف الحرب الصهيونية، بل انتقمت من الكتلة الغالبة، أي الكتلة المسلمة السنية، بدلا من توحيد المكونات السورية في وجه هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر، وتمنع عودة السوريين حتى هذه الأيام.
كلما قصفت إسرائيل سورية، يأتي الرد السوري داخل سورية، وليس ضد إسرائيل، ومنذ سنوات يتم وعدنا بالرد في المكان المناسب، والتوقيت المناسب، فلا يأتي ابدا.
وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يبلغ عدد الأطفال السوريين المولودين كلاجئين في الأردن 168500 منذ العام 2014، في حين أن هناك أكثر من مليون طفل سوري ولدوا في المنفى، وهذا يعني أننا أمام أجيال جديدة كاملة لا تعرف سورية، وقد لا تفضل العودة اليها.
أغلب الاشقاء السوريين في الأردن، يعيشون خارج المخيمات، ويعيش في مخيم الزعتري مثلا 80 ألف شخص، يتوزعون على 25 ألف كرافان، في ظل ظروف ليست سهلة على الإطلاق، وتحدث حالات زواج وانجاب بشكل دائم، والمخيم المؤقت يتحول إلى حي سكني بالتدريج في تلك المنطقة الصحراوية، في ظل وجود خدمات تجارية مختلفة مثل البيع والشراء، والخدمات الصحية.
هناك رغبات بتأهيل هذا النظام، والكل يلمس تغيرا في مواقف أردنية واقليمية ودولية، بل إن حركات مثل حركة حماس أرسلت وفدا إلى دمشق، وهي التي غادرت اعتراضا على ما يجري، وللمفارقة أدانت شخصيات إسلامية في الأردن ذات زمن ما فعلته الحكومة هنا حين أرسلت وفدا من الوزراء إلى دمشق للتفاهم حول ملفات كثيرة، لكن ذات الشخصيات سكتت حين ذهب وفد حماس، وهذا معيار مزدوج، يبيح لطرف أن يفعل ما يريد، ويحرم على طرف فعل نفس الشيء.
لا يمكن تأهيل النظام السوري، دون التعامل مع تداعيات هذه الحرب، والكلام عن فك ارتباط دمشق بطهران، وتطبيق وصفة سياسية، مجرد اغراءات لا تأبه بها دمشق، ولربما يتوجب اولا ان تجد دمشق بالتعاون مع دول الجوار حلا لمشكلة الأشقاء السوريين الموزعين فيها، عبر تأمين عودتهم، دون تصفية حسابات أو انتقامات، خصوصا، ان الغالبية ترفض العودة خوفا من الانتقام أو الاعتبارات الأمنية، أو بسبب التغيب عن خدمة الجيش، أو بسبب انعدام شروط العيش الكريم، أو خسارة بيوتهم وعقاراتهم، إضافة إلى نشوء جيل جديد مرتبط بالدول المضيفة وحياتها وثقافتها وبنيتها بما يجعل هذه الأجيال الجديدة تميل إلى البقاء حيث تعيش الآن.
طرح فكرة تأهيل النظام السوري، تعبر عن سوء تقدير لتعقيدات الازمة، إذ كيف يمكن تأهيل النظام السوري بهذه البساطة، بعد ان دفع كل هذه الكلف، وهل لديه الاستعداد أساسا، لإعادة التموضع في خريطته السياسية في المنطقة والعالم، بعد أن أقنع ذاته أنه انتصر في هذه الحرب الصهيونية عليه، فيما الضحايا كلهم من مواطني سورية، وليس من الاحتلال الإسرائيلي.
قبل الحديث عن تأهيل النظام السوري، بلسان عربي مبين، يتوجب ربما أن نسأل ملايين السوريين الموزعين في دول العالم، عن موقفهم، بدلا من أن نقدم طوق النجاة لدمشق، نيابة عنهم، وبحيث يصبحون مجرد فرق حسابات، في خرائط المنطقة، وكأنهم مجرد أرقام.
لنسألهم اولا، بدلا من هذا التطوع المجاني نيابة عنهم.