فرح الحياري تكتب: الهوية، مرآةُ البلد

فرح محمد الحياري
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/30 الساعة 16:35

على أسفلِ هامشِ الحياةِ، خطونا بخطٍ عريضٍ ما هو قادر على الرمي بنا على أمواجِ الغرقِ ، فَبِتنا نركضُ هربًا من النفسِ السليمةِ نحو التقليدِ المسمومِ، و نجتهدُ كعادَتِنا بإخفاء عيوبِنا لعلَّ الآخرين يتقبلونَنا، فإعلام ينقلُ لنا الصفحةَ المثاليةَ من كتابِ الغربِ، و شخصيات تَرفعُ القبعات لإنجازاتٍ وهميةٍ و ترمي بتهميشِ الهويةِ الوطنيةِ بين الزقاقِ، و الهربُ من الهويةِ الأردنيةِ هو الحلُ الوحيدُ على قائمةِ الحلول المطروحةِ بعقولِ الأجيالِ القادمةِ.

تداخل مخيف بين الهويات الوطنية لكلِ بلدٍ، و تدخلات المعنيين بالحفاظِ عليها ما هي إلّا بضعُ كلاماتٍ تقالُ أمامَ الشاشاتِ، و المشكلةُ تتفاقمُ دونَ علاجٍ يرممُ شتاتها ، ولا محافظين يرفعون راياتها لتعلو فوق السحاب. فطالب جامعي يثبت قبح شخصيته عند جلوسه مع زملاءَ من بلدان أخرى، فيبدأ بطرحِ عيوب البلد و رمي محاسنها على جدران الخيبات، و فتاة تستغل وجودها بين جنسيات أخرى فتبدّل من لهجة أجدادها لتظهر بشكل يلفت الانتباه، وآباء نسوا دورهم المهم بنشر هوية الوطن لأبنائهم، فباتت بمرحلة ضياعٍ مخيفٍ، فانتشارُ الثقافاتِ العالميةِ تغيّر من وسيلةٍ لربطِ العالمِ ببعضِهِ إلى وسيلةٍ لتشتيتِ هويتنا و الابتعاد عن عراقتنا.

بين غمام الأمور لا تزال مزن الخير تحاول الصمود، فالزي الأردني المطرز بخيط الوفاء سيبقى شامخًا، و مفاهيم المحيطين بنا ستتطور فالهوية الأردنية مرآة للحراثين و البدويين ،العاملين و أصحاب الاستثمارات، فهي بمثابة التجمع للمواطنين لبناء دولة ديمقراطية قادرة على إنتاج الكثير، سنجتمع و نطلق وقائع الهوية و مكنوناتها، بمحافظة كل بلد على تاريخه و مستقبله ليسعى لتطوير ذاته، فالهوية هي الماضي و الحاضر و المستقبل للبلد.

ولا تزال أعلام الوطن تحلق في سماء العليم لتخبر الشعب بأمجاد السنين، و تذكر الأجيال بأنها ليست كوسيلة لحصد الملايين من المعجبين، بل رمز للعراقة و التاريخ، و مجد سار به الوطن منذ القديم من السنين ، فاللون الأحمر سيبقى متربعًا على قلوب الأردنيين ليذكرهم بإنجازات الهاشميين، فنحن الشعب الذي أحييَ على مبادئ الكرامة منذ بدء الوجود ، وحملنا الهوية الأردنية بكل شرفٍ و فخرٍ وعزةٍ، فهل الأيام غيرت من طوقِ النجاة أم لا زالت شرايين الفؤاد تنبض بشرف الانتماء!

كنا رمزًا عظيماً بالانتماء لماضينا فنحن الذين خاطبهم الملك الحسين بكل احترام وحب قائلًا للعالم بأسره :"إنني أحب هذا الشعب حبًّا عظيمًا ،فلولاه لما كنت شيئًا مذكورًا". نعم يا سيدي، ها نحن هنا لا نزال نبني الوطن بعروقنا، ونحارب العالم بشظايا ما تركته من فخر بأنفسنا ، متمسكين بقوة الإيمان بالله و بإنسانيتنا، و مستبشرين بالتقدم المشهود الذي أريناه للعالم، فلن نسمح لمساحة افتراضية بالحكم على تاريخنا، و لن نقبل بطمس عراقتنا، ولأن الشمس لا تزال تشرق من شرقها فلا استسلام لأوهام الكون، ولا خضوع لنسيان ماضينا.

مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/30 الساعة 16:35