روعة العربيات تكتب: بذرةٌ في عالمٍ افتراضي
لا نستطيعَ أن ننكرَ أن مجتمعنا مليءٌ بالثغراتِ، والاعتراف بهذا هو الخطوة الأولى في طريق الإصلاح، فنحن نستطيع تعداد العديدِ من القضايا المجتمعية التي تحتاجُ إلى حلولٍ ولكن ما نغفل عنه، هو أن البذرةَ الفاسدةَ بطبيعةِ الحالِ لن تُثمر، فالمسببُ الرئيسي لهذه القضايا هو عدم الاهتمام بتلك البذرة بالقدر الكافي الذي يسمح لها بالنضوج لتصبح شجرةً مثمرة.
يتغير هذا العالم بسرعةٍ فائقةٍ ولنحافظ على أطفالنا من هذا التغير يجب علينا أن نراقب أبسط الأشياء التي يقدمها لهم هذا العالم الذي أصبحَ افتراضيًا، فالتغيير البسيط يترتب عليه تغيراتٍ كثيرةٍ وليس بالضرورةِ أن تكون كلها لصالحهم، على سبيل المثال شاشاتِ التلفاز التي يُقضي الأطفال أغلب أوقاتهم عليها، من شأنها أن تكونَ سامةً، ففي أبريل عام 2012 أقبلَ خمسةَ عشرَ طفلًا في الجزائر على الانتحارِ بعد مشاهدتهم لإحدى أشهر المسلسلات الكرتونية (المحقق كونان)، خمسةَ عشرَ بذرةً كتبت على نفسها البقاء في الأرض بدلًا من النمو، والسبب يكمن في عدم قدرة هؤلاء الأطفال على التفريق بين الصحيحِ والخاطئِ ،فما يفعلونه يُدعى فقط تقليدًا أعمى لشخصيةٍ كرتونيةٍ أخذت مكان الأهل في الاقتداء.
أما في الحديث عن مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت إحدى أسرع الوسائل إيصالًا للرسائل،إلا أنه ومن المؤسف ليست سوى حساباتٍ توصل صورًا غير واقعية لأطفالٍ لا يعلمون شيئًا عن الواقع، فتتكون في مخيلتهم صورة مبهمةٌ عنه لا يستطيع أحدٌ انتشالهم منها فتثمر تلك الشجرة في غير موطنها، لتسقط مع أول عاصفة تواجهها، فحينما يستطيع أي إنسانٍ نشر فكره ومعتقداته الخاصة للعامة، يصبح تسليم مثل هذا السلاح ذو الحدين لطفلٍ لا يتجاوز السادسة عشرَ من عمره لا يقل خطورةً عن إلقاءه أمام قطارٍ متوقِعًا منه الهروب، فهناك من سيتعلم الهروب بنفسه، وهناك من سيستوعب الكارثة بعد فواتِ الأوان، وهناك من لن يستوعبها من الأساس ويبقى الوالدانِ أمام ابنيهما مغمضين أعينهما حتى سماعِ صوت الحادثِ الذي سيوقظ حواسهما.
لا أقول أن وضع الأطفال في قفص هو الحل، ولكن تركهم يحلقون في سماءٍ بعيدة ليس بسليم، فالإنسان على خلاف باقي الكائنات لا يستطيع الافتراق عن والداه قبل النضوج، فكما يخافان عليه من الحوادث الملموسة على أرض الواقع يجب تنويههما عن تلك التي تحدث في العالم الافتراضي الذي يفصلهما عن صغيرهما. فالسماح له بالدخول إلى عالم تشوبه الكثير من المؤثرات التي من شأنها تكسير تلك البذرة أو حتى تحطيمها، ليس لمصلحة الفرد ولا حتى الجماعة فنحن بحاجة لهؤلاء البذور، بحاجة لمزيد من الأشجار المثمرة، فيمكن إحاطة هذا التسمم الفكري بحدودٍ تمنعه من الانتشار عن طريق مراجعة ما يشاهدونه باستمرار والتبليغ وحتى منع عرض ما يحرضهم على العنف والأفكار الخاطئة.و أما عن مواقع التواصل الاجتماعي فإبقائهم بعيدًا عنها قدر الإمكان والسماح لهم بالتحليق فوق رؤوسنا فقط والأهم من كل ذلك هو تركهم لمواجهة الواقع وتفسيره، و تركهم للشعور بالانتماء تجاه شيءٍ أعمق من مجرد طيفٍ خلف شاشة، تركهم للبحث والتجربة ، للتقدم وهم يخطون بثباتٍ تجاه شيئًا يريدون اكتشافه وليس الاختباء منه، في الواقع تركهم ليثمروا فتتساقط الثمار وتنهض بهذا المجتمع.