كرة مملوءة بالهواء الفاسد
سواء عاد نادي الوحدات عن قراره بالانسحاب من منافسات الدوري أو بقي على قراره بالانسحاب, فإن كرة القدم وأوجاعها الوطنية تحتاج إلى مراجعة شاملة, بعد أن باتت صداعاً دائماً في رأس الوطن, فقد تم نفخ الكرة التي تتناقلها ارجل اللاعبين بكل الهواء الفاسد, واصبحت الاندية عناوين كبرى, لوطن وقضية, ودون اعادتها الى صيغتها الحقيقية, كاندية اردنية فقط, لن نستطيع التقدم خطوة واحدة الى الامام في هذا الملف, الذي كما اسلفت بات صداعا مثل صداع الشقيقة مؤلماً وبلا علاج لفترة زادت عن العقود الاربعة, فمنذ عام 1980 والصداع متصل, وي?قق فوائد لفئة قليلة ولكنها نافذة, وكل محاولات العلاج كانت جزئية وعلى مسار احادي وليس على المسارين, فتجربة تغيير اسم الوحدات الى نادي الضفتين كانت فاشلة بامتياز, وتجربة استنساخ نادٍ جديد من رحم النادي الفيصلي اثبتت فشلها.
كل مقاربات الحلول كانت جزئية بل وسطحية, فالازمة كانت اكبر من كرة تتقاذفها ارجل اللاعبين, واوسع من صدام بين جماهير متعطشة لفوز ناديها, فالثنائية القطبية بين ناديين موجودة في كل البلدان وليست علامة فارقة لنا في الاردن, وشغب الملاعب وتعصب الجمهور الكروي ظاهرة تعاني منها اعتى الدول الكبرى والديمقراطية, لكنها ليست ثنائية قائمة على الهوية او انكار مواطنة جمهور, او منح جمهور صفة نضالية على حساب جمهور آخر, فلا تخلو قرية اردنية او مخيم او بادية, من شهيد او جريح على ثرى فلسطين الطهور, ولم يتخلَ اردني واحد عن قضيته ا?كبرى ولم يتراجع او يتلكأ في الوقوف مع فلسطين واهلها, سواء في قرية او بادية او مخيم, بل نفس الجمهور الثنائي كان يلتحم مع فلسطين وقضيتها, فأين الخلل إذن؟
الخلل بنيوي حسب التعريفات الاجتماعية, بمعنى خلل في اصل التأسيس والانتقال لاحقا, فأندية المخيمات على اطلاقها بقيت تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين, حتى عام 1987- 1988, ثم انتقلت تبعيتها الى وزارة الشباب وتحولت من مراكز شباب الى اندية, ولم يصاحب انتقال التبعية الادارية اي تغيير على البنية والنهج, فبقيت الاندية حاصل صراع وصدام فصائل منظمة التحرير الفلسطينية, لم تنخرط في العمل النادوي التقليدي, ولم تتعرف على وزارة الشباب التي كانت تغيب وتحضر طوال سنوات, فتكرس عمليا شكل انفلاتها من البنية الرسمية, و?قيت العلاقة مشدودة على وتر, ولم تقدم وزارة الشباب في سنوات وجودها او المؤسسات اللاحقة التي عُنيت بالشباب اي مشروع بديل, بل لم تناقش الازمة المركبة الا في اطار شغب الملاعب فقط.
بالمقابل كانت الاندية الاخرى تبني وتُبنى وفق حسابات ضيقة, وانفلاش وانفلات في التأسيس حتى وصلنا الى قرابة الـ 370 ناديا, في معظمها تكوينات مناطقية ضيقة او واجهات قبلية, وكان الخلاف الجهوي او العشائري ينتج ناديا مقابلا للنادي القائم, وبالتالي فقدنا ميزة الكلاسيكو, اي المباراة الكبرى على مستوى الدولة وما ينتج عنها من ثقافة وسلوك, وفقدنا فكرة ديربي المدينة وحتى المحافظة وما ينجم عنها من سلوك وثقافة, فتجذر الصراع الهويي او الخلاف القبلي والجهوي, بعد ان وجد كل تكوين اجتماعي او ديني او قبلي ضالته في النادوية, فكل?تكوين اجتماعي انتج ناديه, وكل خلاف داخل هذا التكوين كان ينتج ناديا موازيا, ولم تتدخل اية جهة رسمية لضبط المشهد ولم تتقدم اي جهة بحثية لقراءة الواقع وتفكيكه من اجل تغييره.
الاندية في مجملها اليوم حالة تعبير هوياتية سواء ضاقت الهوية على مستوى الحارة او القبيلة او المنطقة, وكلما تعددت الهويات ارتفع منسوب الصدام, والفرصة اليوم مواتية لضبط كل هذا الانفلات, من خلال انفاذ القانون على الجميع واعادة الاعتبار لاول شرط من شروط ترخيص النادي وهو منع اي نادٍ قائم على اسس جهوية او اثنية او عرقية او دينية.
omarkallab@yahoo.com