'الدرومو - قراطيا' تُساوي 'السرعة كقوّة'.. في الحرب الأوكرانية

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/27 الساعة 01:33

في آخر مقالاته التي تعجّ بالمعلومات وتُفصِح عن الكثير (ليس ثمة خطأ إن قُلنا تفضَحُ) من الأسرار, وتُفسِّر من جملة أمور أخرى, ما هو خفيّ أو تم تجهيله أو التجاوز عنه في المشهد الروسي, وبخاصة يوميات الحرب الأوكرانية.. ما سبقها وخصوصا عند اندلاعها.

يُضيء المفكر الروسي الشهير/الكسندر دوغين عبر مقالته المنشورة على قناته في «تيليغرام» 17/10 (ترجمها عن الروسية د.زياد الزبيدي), والمعنونة «الدرومو ـ قراطيا = السرعة كقوّة».. يضيء على الأهمية القصوى لعامل أساسي وهو «السرّعة», يراه حاسما للحضارة التقنية الحديثة, متّكئا في ذلك على اقتراح الفيلسوف الفرنسي «بول فيريلو», الذي درس أهمية السرعة للحضارة التقنية, عبر مصطلح خاص أسماه «الدرومو ـ قراطيا».. من اليونانية dromos تعني السرعة, و kartos تعني «القوّة». إذ تستند نظرية فيريلو الى التأكيد على انه في الظروف الحضار?ة الجديدة, «لا يفوز مَن هو الأقوى والأذكى والأكثر تجهيزا, بل مَن هو الأسرع». مُعتبرا ان «السرعة هي كل شيء».

من هنا ــ يقول دوغين ــ الرغبة في زيادة سرعة المُعالِجات (processors) بأي وسيلة وبالتالي جميع العمليات الرقمية... هذا هو بالضبط ــ يُضيف - ما يُركِّز عليه الفكر التقني المُبتكر اليوم. الجميع يتنافسون بالسرعة. لافتا الى ان العالم المعاصِر هو صراع من أجل التسارع. والشخص الأسرع يحصل على الجائزة الرئيسية - القوة بكل معانيها وأبعادها - السياسية والعسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والثقافية. في الوقت نفسه ــ يُواصِل ــ تُعتبر المعلومات هي العامل الحاسم في هيكل «الدرومو ــ قراطيا».

ما صِلة كل ما سبَق بالحرب الأوكرانية؟

يقول دوغين في ما يُشبه النقد اللاذع لأصحاب القرار في موسكو: «... في سياق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وجدنا أنها (أي السرعة) في الحرب - في الحرب الحديثة - هي أحد العوامل الرئيسية. كل شيء يعتمد على مدى سرعة حصولك على المعلومات الاستخباراتية، وإبلاغ وحدة النار واتخاذ القرار بالقصف، وكذلك ــ يُواصِل ــ تغيير المكان الذي توجد فيه وسائل إطلاق النار بالسرعة المطلوبة. ومن هنا يأتي الدور الهائل للطائرات بدون طيار، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وسرعة إرسال إحداثيات مواقع العدو، وتنقّل الوحدات القتالية، و?ذلك سرعة نقل الأوامر. من الواضح ــ يَخلص الى القول ــ أن هذا لم يُؤخذ لدينا في الاعتبار أثناء الاستعداد للحرب في أوكرانيا، وعلينا الآن تعويض الوقت الضائع في ظل هذه الظروف الحرِجة».

لم يكتفِ دوغين بذلك بل أضاء على مسألة لا تقِل أهمية في أبعادها ودلالاتها وخطورتها عما قاله عن ملابسات اتخاذ قرار البدء بالعملية العسكرية الخاصة, عندما أشار الى تناقض مسألة مواجهة الناتو في الوقت نفسه الذي ما تزال موسكو تعتمد فيه على تقنيات الغرب/وواشنطن: «وبالمِثل... قلّلنا من خطورة الاعتماد على الغرب في مجال التقنيات الرقمية والرقائق والتصنيع عالي الدقة. إن الاستعداد لمواجهة الناتو–وفي نفس الوقت الاعتماد على العناصر التكنولوجية المتقدمة والمنتجة إما في دول الناتو أو على أراضي دول تعتمد على الغرب–ليس دليلا? على درجة عالية من الذكاء. لكن الأمر الآن ــ يستَنتِج ــ لا يتعلّق بالتبعية للغرب، بل يتعلّق بعامل السرعة».

والحال هذه.. تحفل مقالة دوغين الثرِيّة, مُتنوعة الأمثلة والمُقاربات والكاشفة عن كثير من المُعطيات واختلال بعض المعادلات, التي تؤكد من بين أمور أخرى اهمية وأولوية عامل «السرعة» الحاسم, بما هي (السرعة)... «قوّة». كون عنصر الوقت ليس بسيطا أو ثانوياً في عالمنا المُعاصر. حيث هو «صراع من أجل التسارع». إضافة بالطبع الى «المعلومات» بما هي ايضا عامل حاسم آخر في «هيكل الدرومو ــ قراطيا», ومَن «ينجَح في إخضاعه يحصل على قوة عالمية كاسِحة».

في السطر الأخير يقرأ دوغين ما حدث وما قد يحدث في سياقات الحرب الأوكرانية وِفق المنظور التالي: «إذا سار كل شيء وفقًا لخطة العولمة، فسيتبع ذلك حل سريع، وبعد ذلك ــ يُضيف ــ يتم تنظيف هياكل النازيين الجدد بنفس السرعة. لقد رأينا نفس الشيء تقريبًا في كرواتيا أثناء انهيار يوغوسلافيا. أولاً.. يُساعد الغرب النازيين الكرواتيين - الأوستاش الجدد - ويُسلّحهم ضد الصِرب، ثم يُنظفهم حتى لا يتبقّى أي أثر. أهم شيء هو القيام بكل شيء بسرعة كبيرة جدًا. ظهرت النازية الجديدة بسرعة، وسرعان ما أدّت دورها، وسرعان ما اختفت. كأنها ل? تكن».

هذا هو «سَرّ زيلينسكي ــ يستطرِد دوغين ــ لم يتم اختيار الممثل الكوميدي كقائد عن طريق الصدفة. نفسيته مُتقلبة وعُرضة للتغيير السريع. سياسي مثالي لمجتمع «سائل». الآن يقول ويفعل شيئًا واحدًا، وبعد لحظة–عكسه تماماً. ولا يتذكّر أحد ما حدث قبل ثانية، حيث أن سُرعة تدفّق المعلومات تتزايد باطّراد».

kharroub@jpf.com.jo

مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/27 الساعة 01:33