كذب
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/19 الساعة 07:11
في الطفولة أوهمتنا المناهج بأن رباب كانت أجمل البنات, وكانت تعتني بنظافة شعرها.. وترتدي (الشبرة) وتساعد والدها..أوهمتنا المناهج أن العم منصور النجار أيضا.. يبني بيوتا للعب, وأنك تستطيع أن تذهب إليه كي يصنع لك ما تشاء..
أوهمتنا المناهج أيضا بأن بائع الحلوى المكشوفة يشبه إلى حد بعيد من يتورط بقضية فساد كبرى.. كانت اكبر قضايا الفساد في طفولتنا هي أن ترى بائع (الهرايس) يعرض بضاعة مكشوفة.. أوهمونا أيضاً بأن الجد يمثل الحكمة وأن وظيفته في الحياة هي سرد الحكايات للأولاد.. مع أن جدي لم يسرد حكاية.
في طفولتي بصراحة لفتت انتباهي والدة رباب, فمن رسم صورتها أجاد في صنع الابتسامة, وكان دورها أن تعد الحلوى (وتمشط) شعر رباب, وتودعها حين تذهب للمدرسة.. لم يخبرونا بأن الشمس تشرق من عين الأم اليمنى وأن القمر لا يكتمل إلا عبر مفرق الرأس إن اكتحل بالشيب.
أوهمتنا المناهج أيضا, بأن سالم لا يفعل شيئا سوى (زراعة) البستان, وأن خديجة هي الأخرى لا تفعل شيئا غير اعداد الطعام،.. وأنا كنت أسأل ألا يذهب سالم مع خديجة لأداء واجب (عائلي) مثلا.. ألا يتشاجر معها لأنها تأخرت في الغداء, ألا يوجد لديهم أولاد؟
والمناهج أوهمتنا أيضا, بأن طياراً عربياً حلق بطائرته كالصقر وحين التقى بطيار يهودي صرخ قائلا: (خذها من يد عربية).. فانفجرت طائرة اليهودي, ما زلت اتذكر ذلك الدرس.. واتذكر أني حفظته عن غيب ونسخته (7) مرات...
أوهمتنا المناهج أيضا, أن رباب فتاة ذكية وكريمة.. وتتقاسم (السندويشة) مع زميلتها في الصف.. الذي رسم السندويشة (فنان).. لقد رسمها على شكل خبز (التوست) ونحن لم تكن المخابز لدينا وقتها تنتج هذا النوع من الخبز..
المناهج رسمت لنا المجتمع بصورة مثالية, رسمت لنا فلاحا ينكش الحقل, وطالبا مجتهدا.. رسمت لنا كيف تكون العائلة نموذجية.. رسمت لنا كل شيء بصورة مثالية.
الغريب أننا كبرنا جميعا, ورباب لم تكبر.. سالم ما زال يزرع البستان.. اكتشفنا أن الكذبة لم تتغير, ظلت كما هي على الأوراق.. ولكن نحن من هرمنا.
كل شيء يشيخ فينا.. حتى ورق الجدران والأرصفة والشجر..
Abdelhadi18@yahoo.com
أوهمتنا المناهج أيضا بأن بائع الحلوى المكشوفة يشبه إلى حد بعيد من يتورط بقضية فساد كبرى.. كانت اكبر قضايا الفساد في طفولتنا هي أن ترى بائع (الهرايس) يعرض بضاعة مكشوفة.. أوهمونا أيضاً بأن الجد يمثل الحكمة وأن وظيفته في الحياة هي سرد الحكايات للأولاد.. مع أن جدي لم يسرد حكاية.
في طفولتي بصراحة لفتت انتباهي والدة رباب, فمن رسم صورتها أجاد في صنع الابتسامة, وكان دورها أن تعد الحلوى (وتمشط) شعر رباب, وتودعها حين تذهب للمدرسة.. لم يخبرونا بأن الشمس تشرق من عين الأم اليمنى وأن القمر لا يكتمل إلا عبر مفرق الرأس إن اكتحل بالشيب.
أوهمتنا المناهج أيضا, بأن سالم لا يفعل شيئا سوى (زراعة) البستان, وأن خديجة هي الأخرى لا تفعل شيئا غير اعداد الطعام،.. وأنا كنت أسأل ألا يذهب سالم مع خديجة لأداء واجب (عائلي) مثلا.. ألا يتشاجر معها لأنها تأخرت في الغداء, ألا يوجد لديهم أولاد؟
والمناهج أوهمتنا أيضا, بأن طياراً عربياً حلق بطائرته كالصقر وحين التقى بطيار يهودي صرخ قائلا: (خذها من يد عربية).. فانفجرت طائرة اليهودي, ما زلت اتذكر ذلك الدرس.. واتذكر أني حفظته عن غيب ونسخته (7) مرات...
أوهمتنا المناهج أيضا, أن رباب فتاة ذكية وكريمة.. وتتقاسم (السندويشة) مع زميلتها في الصف.. الذي رسم السندويشة (فنان).. لقد رسمها على شكل خبز (التوست) ونحن لم تكن المخابز لدينا وقتها تنتج هذا النوع من الخبز..
المناهج رسمت لنا المجتمع بصورة مثالية, رسمت لنا فلاحا ينكش الحقل, وطالبا مجتهدا.. رسمت لنا كيف تكون العائلة نموذجية.. رسمت لنا كل شيء بصورة مثالية.
الغريب أننا كبرنا جميعا, ورباب لم تكبر.. سالم ما زال يزرع البستان.. اكتشفنا أن الكذبة لم تتغير, ظلت كما هي على الأوراق.. ولكن نحن من هرمنا.
كل شيء يشيخ فينا.. حتى ورق الجدران والأرصفة والشجر..
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/19 الساعة 07:11