عبدالهادي راجي في رسالة ناريّة إلى المتقاعد (س)
منذ أيام وأنا اتابع الحمم التي صبت على رأسي من قلة من بعض المتقاعدين العسكريين، حول طلبي إلغاء المكرمة الملكية، والغريب أن أساليب الاستزلام والاسترجال.. واستباحة ضمير الناس صارت سنة لدى البعض، والأغرب من كل ذلك أن أحدا لم يسألني لماذا طالبت بإلغاء المكرمة الملكية.. كنت انتظر السؤال حتى أجيب.. لكن أحداً لم يسأل.
وعبر هذا المقال سأوجه كلامي للمتقاعد (س) الذي نثر مقالا، أشبه بالشتائم التي ترشق في كل الاتجاهات، لدرجة أنه اشعرني بأني من (البدون).. أو أني طارئ على وطني، أو أني من بقية الصعاليك الذين قدمهم التاريخ في صورة لا تليق بالحيوان حتى..
الأخ المتقاعد (س)..
تحية وبعد: أولاً أنت لم تجرؤ على وضع كلمة الركن.. اكتفيت بالرتبة العالية، وتلك قصة السؤال فيها كيف وصلت لهذه الرتبة دون أخذك لدورة الأركان، مع أن شبابنا يأخذونها من رتبة رائد.. بالنسبة لترميجك لا نريد الخوض فيه. ولكن قبل أن تمارس عليّ (المراجل).. كان الأصل أن تسأل نفسك لماذا لا تجرؤ على وضع الركن؟.. سأجيبك لأنك لم تكن مؤهلا لذلك، وتذكر أننا نعرف أكثر مما تعرف، ولكن احذر قبل أن تغوص في أخلاقي وتقلباتي وتجلدني بسياطك.. احذر أن توغل في الأمر.. ودعني أيها المتقاعد أخبرك عن (المراجل)، كنت اتمنى أن اقرأها لك حين هدم مبنى القيادة العامة.. مبنى القيادة العامة في العبدلي، كان ذاكرة الأردني ووجدانه.. كان رمز النصر ورمز الشخصية الأردنية وكان التعريف الصادق للهوية، لماذا لم تسترجل في ذاك الوقت بمثل ما استرجلت علي؟.. أنا دافعت عن بقاء هذا المبنى، وكنت ادافع عن ضميري.. والاعتراض على هدم المبنى لا يعني أنك ضد الجيش، والاعتراض على بناء بعض القصور لا يعني أنك ضد الجيش والاعتراض على المكرمة كذلك.. لا يعني أنك ضد الجيش، فكيف وظفت أيها المتقاعد (س).. كل خبراتك العسكرية وقدمتني في إطار أني ضد مؤسسة هي ضميري ووجداني وهي الهوية.. أبدا الجيش كان ما يزال في قلبي هو الدم، وقد تشرفت بالكتابة عنه، وسأبقى وفيا له.. ومازلت أؤمن بأن ذرة التراب على بسطار عسكري، فيها من الكرامة والأنفة.. ما هو أعلى من شوارب الكثيرين..
أيها المتقاعد (س) لو كنت كاسب الصفوق لجئتك حبوا على يديَّ، وقبلت رأسك واعتذرت.. لو كنت عطالله غاصب الذي دمر (64) دبابة سورية وحرم الشمال على جنازيرها، لاعتذرت لك بدمي.. لو كنت يوسف كعوش الذي صاغ خطابا إعلاميا للجيش أعلى من خطابات الصحافة كلها، لجئتك أيضا واعتذرت.. لو كنت مشهور حديثة الجازي الذي حول المدافع إلى جحيم يصب فوق اليهود.. وجعل المدفعية السادسة توقع قرار الهزيمة على إسرائيل.. لأعطيتك قلبي، ولو كنت قائد الجيش الحالي اللواء يوسف الحنيطي لاعتذرت لك بوريدي.. على الأقل يوسف باشا يمتلك (15) ألف ساعة طيران مقاتل.. كان مع كل إقلاع على موعد مع الموت، وكان مع كل هبوط على موعد مع المنية.. وطار على كل الأنواع، واستشهد له بعض الرفاق من ضباط السلاح.. أتعرف كيف يطير الطيار في بلادنا على سفح الدمع؟ للأسف سيدي المتقاعد (س).. نصبت نفسك محاميا للجيش ومؤتما، وأنت لو وصلت على الأقل لدورة الأركان لسامحتك لكنك لا تجرؤ على تعريف نفسك بالركن..
أما بالنسبة لمن نحروني من الوريد إلى الوريد، كنت أتمنى أن يسألوني لماذا يريد عبدالهادي راجي إلغاء المكرمة.. سأجيبكم: وأنا هنا لا اتحدث من نسج عقلي بل مما استمعت له، وعلى ألسن مسؤولين، ومن مشاهدات وواقع عايشته..
أولا : الجامعة الأردنية مثلا معدل القبول الأدنى فيها للمكرمة والاستثناءات الأخرى هو (70%).. هذا يعني أن من حصل على أقل من سبعين لا يستطيع الدخول للجامعة، وبالتالي سيجبر والده المتقاعد على إرساله إلى جامعة خاصة وعلى نفقته.. وهنا لدي سؤال هل يقيس التوجيهي درجة المروءة والشهامة والرجولة لدى الفرد؟ التوجيهي يقيس القدرة العقلية والذهنية فقط.. والجيوش في الميادين لا تحتاج للأذكياء بقدر حاجتها للشجعان.. إذا ما ذنب هذه الفئة أن لا تحصل على مكرمة.. وما ذنب الوالد المتقاعد أن يتحمل أعباء التدريس في الجامعات الخاصة؟ وللعلم هذه الفئة في عددها أكبر بكثير من الفئة التي قبلت
ثانيا: وأنا هنا اتحدث عن المتقاعدين، ماذا سيحدث حين يتخرج الشاب من المكرمة؟ لا شيء عبء إضافي على الوالد المتقاعد.. يتلخص في الذهاب لمجلس النواب والأعيان والبحث عن وظيفة ربما لن تأتي، وربما إذا جاءت ستكون متأخرة كثيرا
ثالثا : المكرمة الملكية عمرها (50) عاما تقريبا، هي لم تعد مكرمة، هي صارت قرارا نافذا وصارت دائرة مستقلة، وهذا واجب الجيش أن يقدم التعليم والتأمين الصحي والمعاش للمتقاعد وأولاده.. ولكن المكرمة الحقيقية الأصل أن تكون بالتوظيف وليس بالتدريس بمعنى: أن تخصص الدولة 15 % من الوظائف الشاغرة كل عام، في جهازها البيروقراطي وفي شركاتها وفنادقها وفي الشركات المساهمة بها وفي القطاع الخاص لأبناء المتقاعدين مباشرة ودون المرور بديوان الخدمة المدنية..
المكرمة الأصل - كما قلت - للتعيين وليس للتدريس.. وإذا أخذنا بقراءات الجامعات الأردنية فهناك ما يقارب الـ 80% من طلبة المكرمة، يستطيعون الدخول للجامعات بالتنافس دون الحاجة للمكرمة، اللهم إلا الغطاء المادي.. وكما قلت هذا واجب الجيش اتجاه أفراده.
رابعا: لقد بحثت المكرمة والية تطويرها في زمن عبدالله النسور، ولكن بعض مراكز القوى أجلت الموضوع.. وتخيلوا لو أن أبناء المتقاعدين حصلوا على كوتا مباشرة في التوظيف دون انتظار الدور في ديوان الخدمة المدنية، ألن يكون هذا أجدى؟.. ألن يغطي هذا الأمر بمظلته وأقصد التوظيف الفئة التي لم يحالفها الحظ في دخول الجامعات بحيث يعملون في وظائف الدولة التي لا تشترط شهادة البكالوريس.
أنا مع إلغاء المكرمة، لأن الإرادة الملكية مع الزمن تصبح أعلى من التشريع ومن القرار والمكرمة صارت مؤسسة داخل الجيش، أما المكرمة الملحة فهي التوظيف وليس التدريس.. لم يسألني أحد لماذا تريد إلغاء المكرمة للأسف، لكن الكل صار يسترجل.. والفيس بوك لم يكن يوما منبرا للبطولة، لم يكن يوما أداة الشجعان.. بل هو في لحظة سلاح الجبان ولعنة على الشجاع.. والأخطر من كل ذلك أني بعد (27) سنه من العمل في الصحافة، وبعدما كتبت ألوف المقالات عن الجيش أصبح في خانة البعض ضد الجيش.. هل يثور إنسان على دمه؟ أنا لا أعرف كيف وصلوا لهذه النتيجة.. هل قرأوا بدر شاكر: (إن خان معنى أن يكون.. فكيف سيمكن أن يكون).. هل أخون نفسي؟ كنت اتمنى - والكلام لبعض المتقاعدين- كنت اتمنى لو توجهت سهامهم، لمن غادروا العسكرية واحترفوا (السوشيال ميديا) وأسسوا مداميك المعارضة القائمة على الردح والشتم.. كنت اتمنى أن يجدوا لي مقالا اشتبكت فيه ولو بالإيحاء مع النظام السياسي، وأنا طوال عملي في الصحافة.. يسجل لي ولا يسجل علي أني اشتبكت مع كل الحكومات.. لكن لا يسجل في تاريخي أني لمحت بحرف خال من الولاء اتجاه النظام السياسي.. كنت اتمنى من المتقاعدين الذي استرجلوا وخاضوا معركة قتل عبدالهادي راجي.. أن يسألوا عن الذين انقلبوا وتوجهوا لنحر البلد بعد الخدمة، على الأقل ربما يقبل أن يغير الصحفي اتجاهه ربما يقبل من حزبي أن يبدل تحالفاته.. لكن من خدم (30) عاما في سلك الجيش العظيم.. هل يقبل منه أن ينقلب (180).. ويلوح لأردوغان وينصبه زعيما على العرب، ويفقدنا كدولة شرعية الوجود وشرعية الاستمرار.. أما بالنسبة لابن الطاهي، انتم تعرفون وأنا أعرف أن هذه المهنة - وللأسف الشديد- لم تعد موجودة في الجيش، وتعرفون من هي الشركة التي تعد الأطعمة، وتعرفون حجم رواتب طهاتها.. أنا لا انتقص من مهنة الطاهي أبدا، لكنها إشارة لمن تخلى عن مبنى القيادة وفيما بعد تخلى عن أشياء كثيرة بما فيها مهنة الطاهي. المتقاعدون العسكريون.. ما زالت أؤمن أنهم المسك وأعلى شوامخنا، ما زلت أؤمن وسأظل مؤمنا بهم أنهم البهار والندى وعقال البلد.. ومن يحاول أن يقدمني بأني ضدهم الا فليخسأ، ومن يحاول أن يقدمني بأني انقلبت على الجيش أقول له بملء فمي: (ايخسى شاربك).. لكن المشكلة فينا أننا لا نسأل لماذا، وكيف.. لا نتعب أنفسنا أبدا بالسؤال.. والمشكلة أن البعض تعامل مع (بوست) لا تتجاوز كلماته ال (50) كلمة على أنه قرار سياسي.. واخرون بدافع التشكيك اتهموني بأني وجهت لكتابة الأمر..
حمى الله الملك حمى الله بلادي حمى الله الجيش