رياحُ الحياةِ تُذَّرِي
للرياح قوة كبيرة في مَسْحِ قرىً ومدنٍ بأكملها خصوصاً عندما تتشكّل الأعاصير الشديدة فتضربَ كلَّ شيء في طريقها فتزحزه وتدمّره وتمحي وجوده، وأخطر ما يواجه قوارب البحر والزوارق الصغيرة وخصوراً قوارب اللجوء والهجرة غير الشرعية هو هبوب ريحٍ عاصفةٍ فتضربُ المياه إلى داخل القارب أو الزورق وقد تؤدي به إلى الغرق ومن فيه.
وهناك نوع آخر من الرياح تُسمى رياح الحياة، فهذه الرياح عندما تهّب على الإنسان فهي تُعري حقيقتة وتكشف صدق أعماله من زيفها ولا ترحم أحداً. فكثير من أعمالنا تكون كالشجرة الثابتة الراسخة والضاربة جذورها في الأرض والقريبة من ينابيع المياة العذبة مما يجعل أوراقها دائمة الخضرة وثمارها في آونه لا يضاهيه ثمر لجودته وطيبته وفائدته ولا تزيدها الرياح إلا قوة وصلابة. وهناكَ أعمالٌ أخرى تُذريها الريح كالعُصافةِ فتتقاذَفُها في كلِّ إتجاهٍ وتُبدِّدُها لأنَّهُ لا أصل لها ولا ديمومة، فلا يكون لهذه الأعمال نصيبٌ في الثبات والإستمراية لأنها أعمال زائفة غير أصيلة وبمجرد أن تهبَّ عليها رياح الحياة تُعرّيها وتَكشف زيفَها لأنها لا أصلَ لها أصلاً، وتكون مزيفة كالعملة المزيّفة والمواد المقّلدة التي ما تلبث أن تظهر على حقيقتها.
وفي ذلك درس لنا في الحياة أن نحرصَ أن تكون أعمالُنا ذاتَ أصلٍ وذات معنى، فلا تزيدها الرياح إلا قوةً وصلابةً لأنَّها كلَّمَا تعرضّت لرياح الحياة كلمّا تمسّكت جذورها في أعماق الأرض وتشبّثت بها، بعكس الأعمال التي تفتقد إلى الأصالة والأهداف النبيلة والصالحة، فهي بمجرد أنْ تهّبَ عليها رياح الحياة تتطاير في الهواء وتتلاشى لأنها أصلاً بلا فائدة حقيقية وبلا منفعة، ولا غايةَ منها سوى الخداعِ والغّش والأنانية. فرياح الحياة التي تهّب كفيلة بأن تكشف معادن البشر وعندما تهّب لا ترحم أحدا.