راكان المجالي يكتب: أكثر من لقاء صدام والأسد في الجفر..
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/12 الساعة 01:49
شاهدت، كما شاهد غيري من المتابعين والمهتمين العرب، المقابلة التلفزيونية التي تم بثها على برنامج (السطر الأوسط) في محطة (إم بي سي)، والتي استضافت السياسي والإعلامي الكويتي البارز محمد جاسم الصقر، الذي كان على رأس جريدة القبس الكويتية اليومية في ثمانينات القرن الماضي، والتي تميزت بإصدار طبعة عربية دولية في لندن هي القبس العربي والدولي.
في تلك المقابلة، تفضّل الأستاذ الصقر بالإتيان على ذكري بإيجابية ومحبّة، من خلال تناوله جانباً من تجربتي كمراسل للقبس في عزّتوهّجها وانتشارها. واستذكرَ، بشكل خاص، واقعةً محدّدة، وهي انفراد القبس آنذاك بخبر لا يكاد يُصدَّقُ فحواه، وما هو غير متوقع أبداً يومها، الا وهو نجاح الملك الحسين في ترتيب لقاء بين الرئيسين حافظ الأسد وصدام حسين، في منطقة الجفر.
وأذكر أنه، يوم أرسلت الخبر للقبس، كان رأي هيئة تحرير الجريدة هو عدم نشره، ولكن رئيس تحرير الجريدة محمد جاسم الصقر أصرّ بقوة على نشر الخبر، وقال لهم: ولا مرّة راكان بعثَ لنا خبراً أو تقريراً ولم يكن صحيحاً مئة بالمئة. و ليس في واردي، هنا، الحديث عن هذا الانفراد،على أهميته، والذي شكل نقلة نوعية في تاريخ القبس، وترقّب القارئ لها،ولا أقول أكثر مما قاله الأستاذ الصقر، عن أهمية ذلك الخبر، ولا بد أن أشكره على ثقته يومها، وعلى كل ما ذكره عنّي في المقابلة. وبالتأكيد،فإنّ كل ما تحدّث به حول هذا الخبر وغيره، من انفرادات القبس، كان صحيحا.
هنالك نقاط هامشية كانت تقتضي دقّة أكثر في المقابلة، ومنها أنّ الزميل الصقر قال: إن خبر لقاء صدام والأسد نُشر في العام 1986،والصحيح أنه نُشر في أيار/ مايو عام 1987. كما أنّه ذكر أنّ الاجتماع عُقد في منطقة الرطبة، الملاصقة للحدود العراقية الأردنية،والصحيح أنه عُقد في منطقة الجفر، الواقعة في أقصى جنوب الأردن،وعلى مقربة من الحدود الأردنية السعودية. كما أنّ الزميل الصقر أشار إلى أنّه قد فُرضت عليّ الإقامة الجبرية بعد نشر الخبر في العام 1987، وللدقة فإن الإقامة الجبرية فُرضت عليّ عام 1986، بعد انفرادي بخبر مختلف وحسّاس نشرته القبس، وليس على خبر لقاء الأسد وصدّام في الجفر، غير أنّ ما بقي عالقاً في ذهن الزميل الصقر هو لقاء صدام والأسد، لأهميته وغرابته في ذلك الحين.
لقد ولّدت لديّ مقابلة الأخ الكبير محمد جاسم الصقر (أبو عبد الله) إحساساً باستذكار هجرتي مهنياً إلى الصحافة العربية، سواء مع القبس أو قبلها مع مجلة الوطن العربي، ثم بعدها مع جريدة المحرر، بل ودفعني ذلك لاستحضار واستذكار تجربتي الصحفية الأردنية، وصولا لتجربتي الصحفية العربية. فقد بدأت تجربتي الأردنية يوم كنت على رأس مهمّة وطنية، وصحفية استثنائية، لإصدار جريدة القدس المقدسية في ربيع العام 1967، قبل هزيمة حزيران بأقل من ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك كنت على رأس المهمة الوطنية والمهنية الاستثنائية جداً بإصدار صحيفة (الرأي) في الثاني من حزيران/ يونيو عام 1971، حيث كانت الصحيفة والوسيلة الإعلامية هي أداة قتال، كما هو الحال دوماً، وكما قال المغفور له الملك الحسين، بعد صدور الرأي: إنها في نظري تعادل فيلقاً عسكرياً. لتلي تلك المرحلة العصيبة من تاريخ صحيفة الرأي حيث أصبحت مطمعاً للبعض بعدما حققته من نجاح و أرباح وكنت انا وجميع زملائي في الرأي محارباً لاستباحة المال العام و مع العمل في ظل الدولة الأردنية و ليس تحت سلطة و تحكم أصحاب المصالح الشخصية ولكن اعتراضنا لم يجد آذاناً صاغية و نفذت عملية السطو على الرأي مما دفعني الى الاستقالة منها رغم العروض المغرية بما فيها ادخالي شريكاً لأصبح موعودا بثراء واسع و لكنني فضلت الإستقالة و تقدمت بطلب امتياز لجريدة يومية و هي جريدة (الأخبار) و كانت (الأخبار) قصة نجاح مهني و وطني مميز الى أن تم إغلاقها في أشهرها الأولى بسبب قضية نجمة داوود على الدينار الأردني. ثم عادت الأخبار للصدور في بدايات العام 1977، حيث أصبحت نقيباً للصحفيين بالتزكية، في مطلع ذلك العام، وحظيتُ بتمثيل زملائي الصحفيين بالفوز نقيباً لأربع دورات متوالية، في الوقت الذي تعرّضت فيهالجريدة والنقابة لأقصى أشكال الدسائس والمكائد والضغوط، التي وصلت إلى منتهاها في العام 1981، حيث تمّ اغتيال جريدة الأخبار عبر مكيدة سياسية، تلاها انسحابي من التنافس على منصب نقيب الصحفيين، وذلك بوعود من الحكومة والاحتكار الصحفي بتحقيق مطالب الصحفيين، وهو ما لم يتحقق، فحاولوا تغيير قانون النقابة خلال عام 1981، ولم يسعفهم الوقت بتغييره، فعدت نقيبا للصحفيين بالتزكية مطلع العام 1982، حيث كانت مهمتنا الوصول إلى قانون يرضي الصحفيين، ولكننا وصلنا، في نهاية ذلك العام، إلى صدور أمر عرفي بحل مجلس نقابة الصحفيين، حيث كان ذلك نهاية مرحلة، بخروجي،مضطراً من الصحافة الأردنية، التي ضاقت بي وعليّ..!
فكانت بداية هجرتي إلى الصحافة العربية؛ كمراسل صحفي لمجلة الوطن العربي في باريس، وكاتب لمقال أسبوعي فيها تحت عنوان عزف منفرد؛ ليليها عملي في القبس في لندن مع الأخ محمد جاسم الصقر،وهي تجربة ناجحة ومميزة، حيث كنت فيها مراسلاً وكاتباً لمقال أسبوعي في ملحقها؛ وصولاً إلى العام 1986، حيث أصدر زميلي وصديقي نبيل المغربي جريدة المحرر في باريس، التي كنت أتقاسم معه توفير محتوياتها.
بالعودة إلى مقابلة الزميل الصقر، التي ركّز فيها على خبر صدام والأسد من بين عشرات الانفرادات الأخرى، ومنها الانفراد بخبر فك الارتباط في العام 1988، وهو ما تحمّلت بسببه تبعات شخصية كثيرة؛ لأعود في نهايتها رئيساً لتحرير صحيفة الرأي الأردنية، بناء على رغبة شخصية ومباشرة من المرحوم الملك حسين، فصدعت للأمر. وهي تجربة كنت فيها قريباً من جلالته، وعلى اتصال دائم به، وزارني في مكتبي في الرأي، وكنت عندما أذهب لمقابلته في الديوان يستبقيني للغداء مع كبار المسؤولين، ودوما كان يكون هنالك حديث طويل.
ولكن في النهاية صدقت توقعاتي، وعادت مراكز قوى بعينها، وتسيّدت الموقف، وأطيح بي. غير أنّ المصائب لا تأتي منفردة، فقد كنت مطمئنا بأنني سأعود إلى الصحافة العربية و(يا دار ما دخلك شر)، ولكنني فوجئت، في أول مقابلة لي مع المرحوم جلالة الملك حسين بعد أقل من شهر، أنه قال لي أنا لدي مطلب واحد منك وهو أن لا تعود للعمل في الصحافة العربية، وأضاف لا تحمل همّاً سأرتب لك موقعاً مناسباً قريباً،و صدقت في وعدي معه، ولا أشك بأنه كان يريد أن يعمل شيئاً من أجلي، ولكنه كان يصطدم بمراكز قوى بعينها، التي لم تتقبّلني أبداً،وتلك كانت النهاية، في هذا الفصل من فصول تجربتي الصحفية، على أمل التوقف عند فصول أخرى في مناسبات وأيام قادمة.
في تلك المقابلة، تفضّل الأستاذ الصقر بالإتيان على ذكري بإيجابية ومحبّة، من خلال تناوله جانباً من تجربتي كمراسل للقبس في عزّتوهّجها وانتشارها. واستذكرَ، بشكل خاص، واقعةً محدّدة، وهي انفراد القبس آنذاك بخبر لا يكاد يُصدَّقُ فحواه، وما هو غير متوقع أبداً يومها، الا وهو نجاح الملك الحسين في ترتيب لقاء بين الرئيسين حافظ الأسد وصدام حسين، في منطقة الجفر.
وأذكر أنه، يوم أرسلت الخبر للقبس، كان رأي هيئة تحرير الجريدة هو عدم نشره، ولكن رئيس تحرير الجريدة محمد جاسم الصقر أصرّ بقوة على نشر الخبر، وقال لهم: ولا مرّة راكان بعثَ لنا خبراً أو تقريراً ولم يكن صحيحاً مئة بالمئة. و ليس في واردي، هنا، الحديث عن هذا الانفراد،على أهميته، والذي شكل نقلة نوعية في تاريخ القبس، وترقّب القارئ لها،ولا أقول أكثر مما قاله الأستاذ الصقر، عن أهمية ذلك الخبر، ولا بد أن أشكره على ثقته يومها، وعلى كل ما ذكره عنّي في المقابلة. وبالتأكيد،فإنّ كل ما تحدّث به حول هذا الخبر وغيره، من انفرادات القبس، كان صحيحا.
هنالك نقاط هامشية كانت تقتضي دقّة أكثر في المقابلة، ومنها أنّ الزميل الصقر قال: إن خبر لقاء صدام والأسد نُشر في العام 1986،والصحيح أنه نُشر في أيار/ مايو عام 1987. كما أنّه ذكر أنّ الاجتماع عُقد في منطقة الرطبة، الملاصقة للحدود العراقية الأردنية،والصحيح أنه عُقد في منطقة الجفر، الواقعة في أقصى جنوب الأردن،وعلى مقربة من الحدود الأردنية السعودية. كما أنّ الزميل الصقر أشار إلى أنّه قد فُرضت عليّ الإقامة الجبرية بعد نشر الخبر في العام 1987، وللدقة فإن الإقامة الجبرية فُرضت عليّ عام 1986، بعد انفرادي بخبر مختلف وحسّاس نشرته القبس، وليس على خبر لقاء الأسد وصدّام في الجفر، غير أنّ ما بقي عالقاً في ذهن الزميل الصقر هو لقاء صدام والأسد، لأهميته وغرابته في ذلك الحين.
لقد ولّدت لديّ مقابلة الأخ الكبير محمد جاسم الصقر (أبو عبد الله) إحساساً باستذكار هجرتي مهنياً إلى الصحافة العربية، سواء مع القبس أو قبلها مع مجلة الوطن العربي، ثم بعدها مع جريدة المحرر، بل ودفعني ذلك لاستحضار واستذكار تجربتي الصحفية الأردنية، وصولا لتجربتي الصحفية العربية. فقد بدأت تجربتي الأردنية يوم كنت على رأس مهمّة وطنية، وصحفية استثنائية، لإصدار جريدة القدس المقدسية في ربيع العام 1967، قبل هزيمة حزيران بأقل من ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك كنت على رأس المهمة الوطنية والمهنية الاستثنائية جداً بإصدار صحيفة (الرأي) في الثاني من حزيران/ يونيو عام 1971، حيث كانت الصحيفة والوسيلة الإعلامية هي أداة قتال، كما هو الحال دوماً، وكما قال المغفور له الملك الحسين، بعد صدور الرأي: إنها في نظري تعادل فيلقاً عسكرياً. لتلي تلك المرحلة العصيبة من تاريخ صحيفة الرأي حيث أصبحت مطمعاً للبعض بعدما حققته من نجاح و أرباح وكنت انا وجميع زملائي في الرأي محارباً لاستباحة المال العام و مع العمل في ظل الدولة الأردنية و ليس تحت سلطة و تحكم أصحاب المصالح الشخصية ولكن اعتراضنا لم يجد آذاناً صاغية و نفذت عملية السطو على الرأي مما دفعني الى الاستقالة منها رغم العروض المغرية بما فيها ادخالي شريكاً لأصبح موعودا بثراء واسع و لكنني فضلت الإستقالة و تقدمت بطلب امتياز لجريدة يومية و هي جريدة (الأخبار) و كانت (الأخبار) قصة نجاح مهني و وطني مميز الى أن تم إغلاقها في أشهرها الأولى بسبب قضية نجمة داوود على الدينار الأردني. ثم عادت الأخبار للصدور في بدايات العام 1977، حيث أصبحت نقيباً للصحفيين بالتزكية، في مطلع ذلك العام، وحظيتُ بتمثيل زملائي الصحفيين بالفوز نقيباً لأربع دورات متوالية، في الوقت الذي تعرّضت فيهالجريدة والنقابة لأقصى أشكال الدسائس والمكائد والضغوط، التي وصلت إلى منتهاها في العام 1981، حيث تمّ اغتيال جريدة الأخبار عبر مكيدة سياسية، تلاها انسحابي من التنافس على منصب نقيب الصحفيين، وذلك بوعود من الحكومة والاحتكار الصحفي بتحقيق مطالب الصحفيين، وهو ما لم يتحقق، فحاولوا تغيير قانون النقابة خلال عام 1981، ولم يسعفهم الوقت بتغييره، فعدت نقيبا للصحفيين بالتزكية مطلع العام 1982، حيث كانت مهمتنا الوصول إلى قانون يرضي الصحفيين، ولكننا وصلنا، في نهاية ذلك العام، إلى صدور أمر عرفي بحل مجلس نقابة الصحفيين، حيث كان ذلك نهاية مرحلة، بخروجي،مضطراً من الصحافة الأردنية، التي ضاقت بي وعليّ..!
فكانت بداية هجرتي إلى الصحافة العربية؛ كمراسل صحفي لمجلة الوطن العربي في باريس، وكاتب لمقال أسبوعي فيها تحت عنوان عزف منفرد؛ ليليها عملي في القبس في لندن مع الأخ محمد جاسم الصقر،وهي تجربة ناجحة ومميزة، حيث كنت فيها مراسلاً وكاتباً لمقال أسبوعي في ملحقها؛ وصولاً إلى العام 1986، حيث أصدر زميلي وصديقي نبيل المغربي جريدة المحرر في باريس، التي كنت أتقاسم معه توفير محتوياتها.
بالعودة إلى مقابلة الزميل الصقر، التي ركّز فيها على خبر صدام والأسد من بين عشرات الانفرادات الأخرى، ومنها الانفراد بخبر فك الارتباط في العام 1988، وهو ما تحمّلت بسببه تبعات شخصية كثيرة؛ لأعود في نهايتها رئيساً لتحرير صحيفة الرأي الأردنية، بناء على رغبة شخصية ومباشرة من المرحوم الملك حسين، فصدعت للأمر. وهي تجربة كنت فيها قريباً من جلالته، وعلى اتصال دائم به، وزارني في مكتبي في الرأي، وكنت عندما أذهب لمقابلته في الديوان يستبقيني للغداء مع كبار المسؤولين، ودوما كان يكون هنالك حديث طويل.
ولكن في النهاية صدقت توقعاتي، وعادت مراكز قوى بعينها، وتسيّدت الموقف، وأطيح بي. غير أنّ المصائب لا تأتي منفردة، فقد كنت مطمئنا بأنني سأعود إلى الصحافة العربية و(يا دار ما دخلك شر)، ولكنني فوجئت، في أول مقابلة لي مع المرحوم جلالة الملك حسين بعد أقل من شهر، أنه قال لي أنا لدي مطلب واحد منك وهو أن لا تعود للعمل في الصحافة العربية، وأضاف لا تحمل همّاً سأرتب لك موقعاً مناسباً قريباً،و صدقت في وعدي معه، ولا أشك بأنه كان يريد أن يعمل شيئاً من أجلي، ولكنه كان يصطدم بمراكز قوى بعينها، التي لم تتقبّلني أبداً،وتلك كانت النهاية، في هذا الفصل من فصول تجربتي الصحفية، على أمل التوقف عند فصول أخرى في مناسبات وأيام قادمة.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/12 الساعة 01:49