من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يحبون الله أعظم من كل شيء

مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/11 الساعة 22:21

مدار الساعة -وصف الله عباده المؤمنين بأنهم يحبون الله أعظم من محبة المشركين لأندادهم وأصنامهم، وأعظم من كل شيء؛ قال الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) البقرة/165.

وروى البخاري (16) ومسلم (48) عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ).

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه وأمه وولده وزوجه وجميع الناس لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار إنما كان بالله على لسان رسوله ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه" انتهى من "فتح الباري" (10/463).

علامة المحبة الصادقة الله تمام الطاعة له ولرسوله

وجعل الله علامة هذه المحبة الصادقة، تمام الطاعة لله ورسوله. قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران/31-32.

وجعل الإعراض عن شرعه ودينه، والرِّدة عنه، علامة بينة على انعدام هذه المحبة من حيث الأصل، أو زوالها وفقدانها بعد أن كانت، وانتقال صاحبها من حزب المحبين الأولين، إلى حزب الكافرين الأعداء؛ قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) المائدة/54-56.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " ومعلوم ان المؤمن لا يخلو من ذلك بالكلية ومن خلا من ذلك بالكلية فهو منافق محض وكافر صريح اذا المؤمن لا بد ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما ولا بد ان يتبرأ من الاشراك بالله واعداء الله .." انتهى من "الاستقامة" (2/34).

فالواجب على العبد أن تكون محبته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فوق محبة الأهل والزوجة والمال والولد وغير ذلك، وقد توعد الله من كانت محبته لهذه الأشياء فوق محبته لربه فقال: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/24.

قال الرازي في تفسيره (16/17): "وهذه الآية تدل على أنه إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا، وجب على المسلم ترجيح الدين على الدنيا" انتهى.

محبة الله تظهر عند التعارض مع غيرها

ويظهر أمر المحبة عند التعارض، فإذا تعارض أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم مع ما يمليه الأقارب والزوجة والأولاد أو مع التجارة والمال، فإن آثر ذلك على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كان ظالما فاسقا.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره، ص332: "وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله.

وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه".

ولا يقال: إن من قدم محبة هؤلاء يكون مشركا بإطلاق، وإنما هذا بحسب ما تركه من الدين من جرَّاء هذه المحبة، فإن آثر محبة شيء من هذا على التوحيد، ووقع في الشرك كان مشركا، وإن ترك واجبا كالهجرة أو الجهاد أو غير ذلك من الواجبات، كان عاصيا.

ومن ذلك حديث الرجل مع المرأة الأجنبية؛ فإن كان حديثا عاطفيا حول الحب، فهو محرم، وهكذا كل ما يثير الشهوة ويدعو للفساد، فهو محرم، فمن آثر هذا وقدمه على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، كان عاصيا، ولم يكن مشركا ما دام يعتقد التحريم؛ لكن قد فاته من المحبة الواجبة لله ورسوله، ومحبه دينه وشرعه: بقدر ما وقع فيه من العصيان.

ومن ترك زوجته سافرة، مخالفا ما أمر الله به من ستر الوجه، كان عاصيا، وقد آثر محبته لزوجته أو شفقته بها على أمر الله.

درجات محبة الله

قال ابن رجب رحمه الله:

" ومحبة الله على درجتين:

إحداهما : فرض ، وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة، والانتهاء عن زواجره المحرمة، والصبر على مقدوراته المؤلمة. فهذا القدر: لابد منه في محبة الله ، ومن لم تكن محبته على هذا الوجه، فهو كاذب في دعوى محبة الله، كما قال بعض العارفين : من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده فهو كاذب ، فمن وقع في ارتكاب شيء من المحرمات، أو أخل بشيء من فعل الواجبات؛ فلتقصيره في محبة الله، حيث قدم محبة نفسه وهواه على محبة الله، فإن محبة الله لو كملت، لمنعت من الوقوع فيما يكرهه، وإنما يحصل الوقوع فيما يكرهه لنقص محبته الواجبة في القلوب، وتقديم هوى النفس على محبته، وبذلك ينقص الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم : (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) . الحديث .

والدرجة الثانية من المحبة - وهي فضل مستحب - : أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات ، والرضى بالأقضية المؤلمات ، كما قال عامر بن عبد قيس : أحببتُ الله حبا هوَّن عليَ كل مصيبة، ورضَّاني بكل بلية ، فما أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت ، ولا على ما أمسيت. و قال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر. ولما مات ولده الصالح، قال : إن الله أحب قبضه ، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة تخالف محبة الله . وقال بعض التابعين في مرضه : أحبُّه إليَّ: أحبُّه إليه" انتهى من "فتح الباري" لابن رجب(1/47-48).

وقد تكون المحبة شركا خفيا، وذلك كالعشق، فإن تعلق القلب بغير الله، نقص في العبودية، وقد يستولي الحب على القلب، فيكون فيه من الخضوع والذل لغير الله ما يكون شركا منقصا للتوحيد.

ولهذا كلما كان القلب محبا لله كان أبعد عن العشق وتعلق القلب بغيره.

قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله: " إذا كان القلب محبا لله وحده، مخلصا له الدين: لم يُبْتَل بحب غيره أصلا، فضلا أن يبتلى بالعشق، وحيث ابتُلي بالعشق، فلنقص محبته لله وحده؛ ولهذا لما كان يوسف محبا لله، مخلصا له الدين، لم يُبتل بذلك، بل قال تعالى: ( كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ)، وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق " انتهى من "مجموع الفتاوى"(10/135).

مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/11 الساعة 22:21