علم نفس الألوان أكثر من مجرد تفضيل شخصي

مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/11 الساعة 22:08
مدار الساعة -قد تشعر بحالة من القلق وتوتر الأعصاب غير المفهوم إذا ما جلستَ في غرفة يطغى عليها اللون الأصفر، بينما على الأغلب يُشعرنا اللون الأزرق بالهدوء والاسترخاء.
وبشكل عام، هناك الكثير من العوامل المختلفة التي تؤثر على المزاج والصحة العقلية للإنسان، يأتي على رأسها الألوان؛ لذلك يعتبر من المهم فهم كيفية تأثير اللون على مزاجنا وحالتنا الذهنية.
استخدام فني وتجاري للألوان
لطالما اعتقد الفنانون ومصممو الديكورات والتصميمات أن اللون يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الحالة المزاجية والمشاعر والعواطف، إذ قال الرسّام العالمي المعروف بابلو بيكاسو ذات مرة: "الألوان مثل الملامح، تتبع تغيرات المشاعر".
ودائماً ما تستخدم الشركات والمؤسسات الكبرى الألوان في شعاراتها لجلب واستدعاء مشاعر معينة لدى الزبائن والمستهلكين.
على سبيل المثال، تستخدم Fanta اللون البرتقالي للحث على الشعور بالمرح والثقة، فيما تستخدم Apple اللون الرمادي لتشجيع الشعور بالحداثة والحيادية والجديّة.
ومع ذلك، تشير بعض الأبحاث إلى أن الروابط العاطفية مع الألوان هي حالة ذاتية تحدث وفقاً للانطباع الشخصي الذي يكنّه الشخص للون، باعتبار أن كل فرد يستجيب بطريقة مختلفة بناءً على ثقافته ودينه وتنشئته وتجاربه السابقة.
ومع ذلك، هناك بعض التأثيرات العالمية للألوان التي تغلب على المشاعر الإنسانية عند التعرض لكل منها.
الألوان الدافئة والألوان الباردة
تُعرف الألوان الموجودة في المنطقة الحمراء من نطاق الألوان بالألوان الدافئة وتشمل الأحمر والبرتقالي والأصفر.
وبحسب موقع Very Well Mind المعرفي، تثير هذه الألوان الدافئة مشاعر تتراوح من مشاعر الدفء والراحة إلى مشاعر الغضب والعداء والطاقة العارمة.
بينما تُعرف الألوان الموجودة على الجانب الأزرق من الطيف بالألوان الباردة وتشمل الأزرق والأرجواني والأخضر. وغالباً ما توصف هذه الألوان بالهدوء والاسترخاء، ولكنها قد تستدعي أيضاً مشاعر الحزن أو اللامبالاة وفقاً لدرجتها.
الأسود
من أكثر الألوان انتشاراً في العالم هو الأسود، ومع ذلك فإن اللون الأسود ليس لوناً أساسياً أو ثانوياً أو ثلاثي الأبعاد. في الواقع، الأسود هو غياب للألوان، أو بالأحرى هو نتاج امتصاص كل الألوان معاً في لوحة درجات الألوان.
ويمكن أن تختلف ردود الفعل الفردية للون الأسود.
ويمتلك الأسود رؤية إيجابية بالنسبة للبعض، إذ يثير لديهم ارتباطات إيجابية مثل الجاذبية والأناقة والرُقي، لهذا السبب يختار الكثير من الناس ارتداء الملابس السوداء عند حضور حدث فاخر أو مناسبة رسمية.
ولهذا السبب أيضاً تستخدم العلامات التجارية الراقية مثل Tiffany & Co، وChanel اللون الأسود في شعاراتها.
وعندما يتعلق الأمر بالمجتمع الرفيع، لطالما ارتبط اللون الأسود بالقوة.. من الكهنة إلى القضاة والبدلات الرسمية.
كذلك هناك ربط سلبي بتأثير اللون الأسود. وعبر التاريخ تم ربط هذا اللون الكئيب بالموت وكل الأشياء الشريرة والسيئة. وقد يثير مشاعر الغضب والعدوان والخوف والحزن والشر والخطر.
ومن المحتمل أن تكون العلاقة بين الأسود والسلبية أكثر وضوحاً في المصطلحات المستخدمة لوصف الكوارث والأحداث المؤسفة، مثل: الطاعون الأسود، المزاج الأسود، السوق السوداء، واليوم الأسود للتعبير عن ذكرى يوم مؤلم.
وعلى الرغم من ارتداء الأسود وتفضيله من قِبل الكثيرين، لكن غالباً ما يُنظر إليه على أنه اللون النمطي للمجرمين والأشرار، وفقاً لـ Very Well Mind.
اللون الأبيض
يوضح موقع Very Well Mind أن خصائص اللون الأبيض وفقاً لعلماء النفس، تشمل التالي:
1- يمثّل الأبيض النقاء أو البراءة، ولذلك تم ربطه عبر التاريخ بالمناسبات السعيدة مثل الزفاف. ومع ذلك كان اللون الأزرق يوماً ما لوناً تقليدياً ترتديه العرائس ويرمز إلى النقاء والعذرية.
2- الأبيض ساطع ويمكن أن يخلق إحساساً بالمساحة، وغالباً ما يستخدم المصممون ومهندسو الديكور اللون الأبيض لجعل الغرف تبدو أكبر وأكثر اتساعاً لارتباطه بالاتساع والأفق الممتد.
3- يوصف الأبيض أيضاً بأنه لطيف ونظيف أو بارد وغير أليف. يمكن أن تبدو الغرف المطلية باللون الأبيض بالكامل فسيحة وواسعة ومع ذلك ستبدو باردة وغير ودية. وتستخدم المستشفيات والعاملون فيها غالباً اللون الأبيض لخلق شعور بالتعقيم.
4- تشمل بعض المعاني الإيجابية التي يمكن أن ينقلها اللون الأبيض النظافة والنضارة والبساطة، وغالباً ما يبدو اللون الأبيض وكأنه لوح فارغ، يرمز إلى بداية جديدة وأمل.
5- من المنظور السلبي للون، يمكن أن يبدو الأبيض صارخاً وبارداً وسطحياً. كما يتم ربطه في بعض الثقافات بالحزن والموت، مثل الثقافة الهندية في ارتداء الأبيض للحداد.
اللون الأحمر
دائماً ما يرمز الأحمر في علم نفس الألوان إلى المشاعر القوية. وفي حين أن الألوان الباردة مثل الأخضر والأزرق تعتبر بشكل عام سلمية وهادئة، فإن اللون الأحمر يعتبر الأكثر دفئاً والأكثر تناقضاً بين الألوان.
ويمتلك اللون الناري ارتباطات عاطفية متعارضة أكثر من أي لون آخر: فهو مرتبط بالعاطفة والحب والمشاعر بالإضافة إلى القوة والغضب والشر والخطر.
وبفضل موجاته الطويلة، يُعد الأحمر أحد أكثر الألوان وضوحاً بين الألوان ويأتي في المرتبة الثانية بعد اللون الأصفر.
وللأحمر قدرة على جذب انتباه الناس جعلته اللون المستخدم عالمياً في إشارات التحذير ولفت الانتباه لخطر ما، مثل: لوحات التوقف وصفارات الإنذار وسيارات الإطفاء وإشارات المرور الحمراء ولافتات التحذير.
ويرتبط اللون المحفز أيضاً بالإثارة، إذ تشير الدراسات إلى أن التعرض للون الأحمر أو لبسه يمكن أن يسبب بعض الآثار الجسدية التالية مثل: ارتفاع ضغط الدم، وزيادة معدل ضربات القلب، ورفع معدل التنفس. وتؤدي كل هذه التغييرات الفسيولوجية بشكل طبيعي إلى ارتفاع مستويات الطاقة في الجسم.
ومن المعروف أيضاً أن الأحمر يزيد من الشهية عن طريق زيادة التمثيل الغذائي، ولهذا يعد لوناً شائعاً في المطاعم.
كما ارتبط الأحمر عبر الثقافات بمفهوم الغضب، نظراً لأن العديد من الأشخاص يصابون باحمرار الوجه من زيادة تدفق وارتفاع ضغط الدم عند الشعور بالاستياء والغضب.
ولا يقتصر تأثير اللون الأحمر على الحالة المزاجية والعواطف. ففي ساحة الرياضة أيضاً، يمكن أن يزيد ارتداء اللون الأحمر من فرص الفوز لارتباطه بالقوة والهيمنة.
وفي أولمبياد أثينا 2004، تم تخصيص ملابس حمراء أو زرقاء بشكل عشوائي للمتنافسين في أربع رياضات بدنية كالمصارعة والتايكواندو. وفي جميع المسابقات، فاز المشاركون الذين ارتدوا الملابس الحمراء بسبب شعور كل منهم بالهيمنة والأداء بقوة أكبر، ومشاركة الحكام والمنافسين أيضاً ذات الشعور.
ويرتبط اللون الأحمر أيضاً بالعاطفة والحب والرغبة، وفي دراسة نُشرت عام 2008 بمجلة APA Psychnet، أظهر الباحثون صورة امرأة لعدد من الرجال، وطلبوا منهم تقييم مدى جاذبيتها.
ورأى بعض الرجال امرأة ترتدي قميصاً أحمر بينما رأى آخرون نفس المرأة ترتدي قميصاً أزرق.
وأظهرت النتائج أن الرجال صنفوا المرأة ذات القميص الأحمر على أنها جذابة ومرغوبة أكثر من نفس المرأة بقميص أزرق.
الأزرق
الأزرق هو اللون الغالب في الطبيعة مثل لون السماء والبحار والمحيطات. ولهذا السبب ربما يصف الناس غالباً اللون الأزرق بأنه هادئ ومريح. ومع ذلك يمكن للون الأزرق أن يبدو بارداً ومنعزلاً وغير حميم.
ونظراً لأن اللون الأزرق مفضل لدى الكثير من الأشخاص، فغالباً ما يُنظر إليه على أنه لون غير مهدد قد يبدو محافظاً وتقليدياً وآمناً وسلمياً. وبالفعل يدعو اللون إلى مشاعر الهدوء والسكينة والاطمئنان.
وغالباً ما يُنظر إلى اللون الأزرق على أنه علامة على الاستقرار والثقة؛ لذلك غالباً ما تستخدم الشركات التي ترغب في عرض صورة للأمان اللون الأزرق في إعلاناتها، مثل المستشفيات وشركات التأمين.
وبحسب Very Well Mind، يمكن أن يخلق الأزرق أيضاً مشاعر بالحزن أو العزلة، ومثال ذلك اللوحات المعروفة باسم "الفترة الزرقاء" التي رسمها بيكاسو ويغلب عليها الطابع الوحيد أو الحزين والبائس.
وغالباً ما يُستخدم اللون الأزرق لتزيين المكاتب وأماكن العمل، إذ كشفت الأبحاث أن الأشخاص يكونون أكثر إنتاجية في الغرف الزرقاء.
وتنصح بعض خطط فقدان الوزن بتناول الطعام في طبق أزرق لقدرته على قفل الشهية؛ وذلك لأن البشر يتجنبون لا إرادياً الألوان الدالة على الأطعمة السامة والتلف أو العفن.
الأخضر
بالنسبة للكثير من الناس، يرتبط الأخضر ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة ويعيد إلى الأذهان على الفور الخضرة المورقة من العشب والأشجار والغابات.
ولأن اللون الأخضر مرتبط بالطبيعة، فغالباً ما يوصف بأنه منعش ومريح.
وغالباً ما يُعتقد أن اللون الأخضر يمثل الهدوء والحظ السعيد والصحة والغيرة.
وجدت أبحاث في علم النفس، بحسب Very Well Mind، أن اللون الأخضر يمكن أن يحسن القدرة على القراءة. وقد يجد بعض الطلاب أن وضع ورقة خضراء شفافة فوق مادة القراءة يزيد من سرعة القراءة والفهم والاستيعاب.
ولطالما كان اللون الأخضر رمزاً للخصوبة، إذ كان في يوم من الأيام هو اللون المفضل لفساتين الزفاف في القرن الخامس عشر بأوروبا.
وغالباً ما يُستخدم اللون الأخضر لتأثيره المهدئ في تصميم غرف الانتظار، خاصة في صناعة السينما أو قبل حفلات تقديم الجوائز، إذ تشتهر غرف الـ Green Room للاسترخاء قبل الخروج على الهواء.
الأصفر
الأصفر هو لون ساطع وكثيف، وربما يكون هذا هو السبب في أنه غالباً ما يستدعي مثل هذه المشاعر القوية بالانتباه والانتعاش.
ويمكن أن يجذب اللون الأصفر الانتباه بسرعة، ولكنه قد يكون موتراً أيضاً عند الإفراط في استخدامه. ويمكن أن يبدو دافئاً ومشرقاً، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى التعب البصري.
1- جذب الانتباه: نظراً لأن اللون الأصفر هو اللون الأكثر وضوحاً، فهو أيضاً اللون الأكثر جذباً للانتباه. ويمكن استخدام اللون الأصفر بكمية صغيرة للفت الانتباه، مثل لافتات المرور أو الإعلانات.
2- صعوبة القراءة: اللون الأصفر هو أيضاً أكثر الدرجات إرهاقاً للعين بسبب كمية الضوء العالية التي يعكسها. ويمكن أن يؤدي استخدام اللون الأصفر كخلفية على الورق أو شاشات الكمبيوتر إلى إجهاد العينين وتضرر النظر.
3- نشيط: يمكن أن يؤدي اللون الأصفر أيضاً إلى زيادة التمثيل الغذائي لذلك يُستخدم في أغلفة الأطعمة أو في المطاعم.
4- الإحباط: يمكن أن يخلق اللون الأصفر أيضاً مشاعر بالإحباط والغضب. ففي حين أنه يعتبر لوناً مبهجاً، فمن المرجح أن يفقد الناس أعصابهم في الغرف الصفراء ويميل الأطفال إلى البكاء أكثر في الغرف الصفراء، وفقاً لدراسات علم النفس بحسب Very Well Mind.
5- دافئ: ولارتباط اللون الأصفر بالشمس والنهار، يُستخدم الأصفر في تعزيز الشعور بالدفء والسطوع والبهجة، لذلك تميل مقاهي وفنادق المدن الجليدية في استخدام الألوان النارية مع الأصفر لتعزيز الدفء والإشراق.
الوردي – Pink
يربط الكثير من الناس اللون الوردي بكل الأشياء الأنثوية، وقد يجلب أيضاً إلى الذهن الرومانسية والعطلات مثل عيد الحب أو عيد الأم.
وتوصف بعض درجات اللون الوردي الباهت بأنها مريحة، في حين أن الظلال الزاهية للغاية والنابضة بالحياة يمكن أن تكون محفزة أو حتى مثيرة للقلق والضيق.
واللون الوردي هو لون أحمر فاتح ويرتبط عادةً بالحب والرومانسية. وغالباً ما يوصف بأنه لون أنثوي بسبب الارتباطات التي تتعلق في أذهان الناس خلال مرحلة الطفولة المبكرة.
عادة ما تكون "ألعاب الفتيات" وردية وأرجوانية، في حين أن "ألعاب الأولاد" غالباً ما تكون حمراء أو صفراء أو خضراء أو زرقاء.
لذلك يرتبط اللون بصفات أنثوية مثل النعومة واللطف والرعاية والرحمة.
ويعتقد أن اللون الوردي له تأثير مهدئ لذلك يُستخدم أحياناً في طلاء السجون لتهدئة النزلاء.
وبينما تم إثبات التأثير المهدئ للون الوردي، وجد الباحثون في علم نفس اللون أن هذا التأثير يحدث فقط أثناء التعرض للوهلة الأولى للون وليس عند البقاء فيه لفترات طويلة.
على سبيل المثال، عند استخدام الوردي في السجون، غالباً ما يصبح النزلاء أكثر هياجاً بمجرد اعتيادهم على اللون على الرغم من تأثيره المهدئ عليهم في البداية عند رؤيته للمرة الأولى.
وتقوم بعض الفرق الرياضية المتعصبة أحياناً بطلاء غرفة خلع ملابس فريقها الخصم باللون الوردي لإحباط اللاعبين المنافسين وتقليل عزيمتهم.
الرمادي
ترتبط درجات الرمادي بالهدوء والحياد، وهو مثل الأخضر، يمكن أن يحقق التوازن للعقل والعاطفة، ونظراً لكونه لوناً محايداً، فإنه يتمتع بالقدرة على تعزيز إحساس السكون.
ولكونه بين الأسود والأبيض، يكون من الشائع عند المعاناة من القلق أو التوتر أن تكون لدينا أفكار متطرفة نضعها في خانة سلبية من الرمادية.
ويشجع اللون الرمادي مشاعر السلطة والإمكانيات والقوة. هذه كلها مشاعر نحتاجها عندما نعاني من القلق أو الاكتئاب أو التوتر.
وبحسب العلاج المعرفي السلوكي، فإن الرمادي يقدم لنا الفرصة لتحدي أفكارنا وعرض أفكارنا من زوايا مختلفة، بدلاً من تصنيف شيء ما على أنه "جيد" أو "سيئ"، يمكننا رؤية جميع النتائج الأخرى التي قد تكون موجودة في درجات الرمادية.
ويمكن أن يمنحنا اللون الرمادي القوة التي نحتاجها عندما نكون محبطين.
وبينما يمكن أن تؤثر درجات الألوان على كيفية شعورنا وتصرفنا، فإن هذه التأثيرات تخضع لعوامل شخصية وثقافية وظرفية.
وهناك حاجة إلى مزيد من البحث العلمي لاكتساب فهم أفضل لعلم نفس الألوان، حيث أصبح المفهوم شائعاً للغاية في التسويق والفن والتصميم والأزياء وغيرها من المجالات التي تسعى إلى ربط الألوان والعواطف.
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/11 الساعة 22:08