عيد ميلاد الرئيس العنيد
احتفل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد ميلاده السبعين، وذلك العمر يظهر أن خريف العمر قد قارب على الذبول، ولكن في البلاد الباردة تنتعش الشيخوخة، ليست روسيا وريثة الإمبراطورية المنتهي صلاحيتها في شرق أوروبا، بل عند غالبية بلاد أوروبا، يعيد الجميع تنشيط حيويتهم، فهم ينتظرون الثلوج للتساقط والجليد الذي يعاني من ذوبانه كي يسبح الأطفال والعجائز في البحيرات المتجمدة، وهذا بالطبع يندرج على شخصية الرئيس بوتين، فما بدر عنه خلال ثلاثة وعشرين عاما في الحكم ينبئ عن عقلية مكعبات الثلج، فهو يتمتع بهدوء النمر وقفزه في اللحظة المناسبة، دون اهتمام للعواقب.
من الطريف في حياة الرئيس العنيد، قبوله لهدية عيد ميلاده وهي جرار زراعي ضخم مُقدم من الرئيس البيلاروسي، حيث تمتاز بيلاروسيا بصناعة الجرارات الزراعية العملاقة، ولكن التوقيت يبدو غير مناسب لحراثة الحديقة في ظل وصول الشتاء القارس، ولا في زمن الحرب التي تحتاج الى أكثر من جرّار، بل تحتاج اليوم الى إنهاء صراع تاريخي توارثته أوروبا مع الإمبراطورية الروسية، وما بعدها مع الاتحاد السوفييتي، وما الحرب القائمة لأبعد من حدود بوتين سوى رأس جبل الجليد الذي يهدد أوروبا برمتها، وإن طالت ستحطم الاتحاد الأوروبي وتفكك حدوده، حيث استيقظ الأوروبيون متأخرين على حقيقة أن مصدر دفئهم يأتي من حدود بوتين العنيد.
منذ يومين بدأت القوات الروسية حملة جديدة لأبعد من المناطق التي كانت مرسومة على خارطة غرف العمليات الحربية، عقب تفجير جسر القرم، والذي فسره بوتين على أنه بداية الحرب لا نهايتها، فقد أطلقت الصواريخ والطائرات المسيرة من صنع إيراني نحو العاصمة كييف وأعادت إشعال الخوف في قلوب الأوكرانيين، بعد تحييد بوتين للعاصمة الأوكرانية طيلة أشهر الحرب السبعة، ولكن الميزة عند الرئيس الروسي أنه لا يبالي بأي تهديد صاروخي لبلاده، فهو يقف على مسافة رصاصة عن أي هدف أوكراني، فيما الرئيس الأوكراني يخرج الى الشوارع كي يلتقط صورا وتسجيلات مرئية للضربات الروسية، ولا حيلة بيده.
من يفهم قليلا سيكولوجية الرئيس بوتين يدرك كم هو ثعلب في اصطياد الفرص، فتاريخه الاستخباري دعم عقليته السياسية للخروج خارج منطق الحدود المحصورة ببلاده، ولم يفوت أي فرصة ليذهب الى أي بلد يمكنه من وضع قدم فيها، ففي عام 2015 وافق على طلب الرئيس السوري بشار الأسد لجلب جيش كي يقاتل القوات المناهضة له والجماعات المسلحة، ولحظة وصول الروس بدأوا باستخدام كافة الأسلحة الفتّاكة، وكانت جائزته قاعدة حميميم على شاطئ البحر المتوسط الدافئ، وأرسل قوات الى ليبيا لتشارك في دعم القيادة العسكرية بزعامة الفريق حفتر وقتال المناهضين.
لهذا يدرك بوتين أن روسيا تمتلك سبعة عشر مليون كيلومتر مربع بامتداد أفقي من الشرق الى الغرب، وهي تتحكم في خطوط الطاقة، نفط وغاز وغيرهما من المشتقات، وهذا ما يجعلها تفرض قوانينها على أوروبا التي رُفع الغطاء عنها بعد سبعة وسبعين عاماً ونهاية الحرب العالمية الثانية، واكتشاف كثير من القادة الأوروبيين أن تابعيتهم مع الولايات المتحدة لم تنفعهم بشيء عند الضرورة، فيما أوكرانيا التي حاولت مد رجلها مع الناتو وهي تعلم الخطورة، ادرك رئيسها زيلينسكي أن لا شيء سيحميه مهما وصلت له من مليارات الدولارات والأسلحة، ولن يجد جنديا نظاميا أميركيا يقاتل معه، فأمريكا محترفة في التخليّ عن الحلفاء عندما يقعون في الأزمات، بعكس روسيا التي لم تتخل عن أي من حلفائها، وسوريا أفضل شاهد.
لهذا يجب على قادة الدول أن يقرأوا في فكر بوتين، ليس حباً به، ولكن لفتح آفاق تفكير أبعد من المجاملات والعلاقات التي لا تغير من الواقع شيئا، فقرار أوبك تخفيض إنتاجها من النفط سيقضي على آمال الكثير من الدول ونحن منها، وليس الأوروبيين وحدهم أو الأميركان، بل حتى في بلدنا سنكتوي بأسعار لا سابق لها، ونحن لا نملك أي تفضيل سعري من أي بلد منتج للنفط، إلا إذا أعدنا فتح خطوطنا من جديد مع من يمتلك النفط ويقبل تزويدنا بأسعار تفضيلية.
Royal430@hotmail.com