أمن

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/10 الساعة 02:04
كنت في استاد القويسمة أمس لحضور مباراة الرمثا والفيصلي..
ما لفت انتباهي في الأمر، هو أنك تستطيع أن تحاور الدرك, وترفع صوتك غاضبا.. ويستوعبك, ويقول لك: (عنا تعليمات)... وتستطيع أيضا أن تطلب من العسكري الموجود على المقص مناداة قائده وتحاور القائد, وفي النهاية تمضي في سبيلك..
اتذكر ذات مرة في قُطر عربي شقيق, وقفنا على بوابة ختم (الجوازات).. وقد طلبوا منا الانتظار بعد أن جمعوا (جوازات السفر) الخاصة بنا, الغريب أن مواطنا من تلك الدولة طلب من أحد الضباط الاستعجال في ختم (الجواز) حتى يتسنى له الدخول, وبرر الأمر بأن والدته تنتظره على البوابة وهي سيدة كبيرة لا تقوى على الوقوف مطولا.. كانت ردة الفعل هي اجباره على الدخول إلى غرفة مجاورة لمكان انتظارنا, وكل ما سمعته هو الصفعات المدوية... كان صداها يرتد من الحائط, وكانت اشبه بسقوط لوح من الصفيح على الأرض.
في الأردن ما زلنا نجرؤ على الصراخ في وجه الدرك, ما زال لدينا القدرة على الاحتجاج ضد تعليماتهم.. وما زال لدينا القدرة على الحوار معهم, وهم وظيفتهم الاستيعاب أكثر من الاعتقال.
المؤسسات الأمنية في الأردن تختلف عن كل العالم العربي, في أنها ما زالت مؤسسات تسير ضمن مسارات الاستيعاب أكثر من مسارات العقاب, ففي مباراة الرمثا والفيصلي.. استوعبت القوات الأمنية مسألة غضب جمهور الفيصلي من النتيجة, لم يقوموا باعتقال أحد.. لم يصوبوا الغاز باتجاه أحد, لم يستعملوا الخيل... وتركوا الحشود تسير في الشارع كيفما تشاء.
هذا ما نريد الحفاظ عليه في قواتنا الأمنية, العقل قبل (القنوة)... الإنسانية قبل العقاب, والحوار قبل الصراخ... وهذه الأمور لا تتوافر في عالمنا العربي, بقدر ما هي متأصلة وراسخة لدينا..
مباراة أمس كانت فرصة, في الشارع لالتقاط السلوك الأمني... لفهم مسألة مهمة وهي أن عقيدة المؤسسات الأمنية لدينا, ليست عقيدة مرتبطة بالمسدس والهراوة, بقدر ما هي مرتبطة أيضا.. بفهم سلوك المجاميع... والتماهي معه واستيعابه بما يضمن هدوء الشارع.
إذا أردت تدمير وطن, فعليك أن تجرد أمنه من الإنسانية, تلك قاعدة مهمة وخطيرة.. وأظن أن إنسانية القوى الأمنية في الأردن, في لحظة تكون أهم من السلاح والتجهيزات والتدريب... قلت لكم كنت في مباراة الفيصلي والرمثا, شاهدت المباراة.. لكن ما شاهدته من سلوك لقوى الأمن وبالتحديد الدرك, يجعلك تطمئن على أن هذا الوطن لن يكون يوما ديكتاتورية في محيط دموي.. ولن يكون فيه (للقنوة) مساحة.. ولن يعلو أبدا صوت القمع فيه على صوت العقل والضمير.
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/10 الساعة 02:04