القمّة الأردنية العُمانية تفتح آفاقا جديدة واعدة لتعاون متقدّم
اختُتِمت أعمال الزيارة الرسمية التي لبّى فيها الملك عبدالله الثاني بن الحسين، دعوة أخيه السلطان هيثم بن طارق لزيارة سلطنة عُمان. واستمرّت الزيارة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين (الرابع والخامس من تشرين الأول/أكتوبر)، وصدر عن أعمالها بيان مشترك، أجمل أهم مجريات الزيارة، ونتائجها، وآفاقها. ومع أن العلاقات بين المملكة الأردنية الهاشمية وسلطنة عُمان عميقة ممتدّة، وخاصة منذ تسلّم السلطان الرّاحل، قابوس بن سعيد مقاليد الحكم عام 1970، إلاّ أن القمة الأخيرة حملت مضامين جديدة، وكانت في أعمالها ونتائجها والوفود المشاركة فيها وتوقيتها ذات أهمية خاصّة، إلى جانب ما فتحته من آفاق مبشّرة، على صعيد الارتقاء بالتعاون والتنسيق، في الميادين السياسية والاقتصادية خصوصا، وفي مجالات المصلحة المشتركة المختلفة الأخرى، العلمية والإدارية والاجتماعية.
فعلى المستوى الاقتصادي، لا سيما في المجالات التجارية والاستثمارية والصناعية، تمّ الاتفاق على ضرورة رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين، وانعقاد اللجنة المشتركة الأردنية العُمانية في أقرب وقت بعد الزيارة، وتعزيز التعاون بين القطاع الخاص في البلدين. وكان لافتا تعقيب الملك عبد الله الثاني، يوم الأربعاء الماضي، بأنه "يتطلع للبناء على زيارته المثمرة إلى سلطنة عُمان، لتوسيع التعاون الثنائي". وبرزت في البيان المشترك الذي صدر عقب الزيارة إشارات إلى أنه تمّ التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية في مجالات متنوعة، تشمل "التعاون الصناعي والتعدين والعمل وحماية المنافسة ومنع الاحتكار، والأرشفة، والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وحماية المستهلك، والتعاون السياحي، وقطاع التأمين"، إلى جانب تعزيز فرص الاستثمار المشترك في مختلف المجالات، وتوثيق التواصل والشراكة على مستوى القطاع الخاص، والنهوض بالتبادل التجاري وتنويعه.
وهنا، تكون أبواب العمل المشترك قد انفتحت بأوسع ما يمكن، وتبقى عمليّات المتابعة والمبادرة والتنفيذ رهنا بحسن أداء المؤسسات والهيئات والأفراد في القطاعين؛ العام والخاص، من الجانبين. وفي الواقع، يبدو أن بالإمكان توسيع دائرة التعاون والعمل المشترك إلى مستويات أعلى بكثير. فالدولتان تمتلكان من المقوّمات، ومساحات التكامل والاستفادة والإفادة، في الاتجاهين، ما يتجاوز المستويات المتحققة حتى الآن. فمن المعطيات المتاحة، بلغ حجم التبادل التجاري (الصادرات والمستوردات) بين الأردن وسلطنة عُمان خلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالي 49 مليون دينار، حيث بلغت قيمة الصادرات الأردنية 27.7 مليون دينار والمستوردات 21.3 مليون دينار. ونظرة إلى مجالات اقتصادية مختلفة، يمكن القول إن بالإمكان توسيع دائرة التبادل كمًّا وكيفًا، وتوسيعها؛ بإضافة قطاعات ومنتجات ومجالات جديدة أيضا. وفي هذا الإطار، جاء توصيف السفير العُماني لدى الأردن، هلال بن مرهون المعمري، حين قال "إن الزيارة الملكية لسلطنة عُمان مهمة على جميع المستويات، ولا سيما الجانب الاقتصادي؛ بحكم الفرص الاستثمارية المتاحة"، ما يشير بدوره إلى هذا الاستنتاج، الذي تلاه توقّع أن تسفر الزيارة "عن توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات، وإنشاء شركات وصناديق استثمارية لإيجاد فرص استثمارية واعدة بين البلدين في الفترة المقبلة"، وهذا ما حصل فعلا.
فقد كان من ثمار الزيارة، توقيع سلطنة عُمان والمملكة الأردنية على سبع مذكرات تفاهم، وبرنامجين تنفيذيين. ووفق وكالة الأنباء العمانية، شملت مذكرات التفاهم أبواب العمل المشترك في مجال التعاون الصناعي، ومجال حماية المنافسة ومنع الاحتكار، والتعدين، والمصالح المتبادلة، والاستثمار في رأس المال البشري، والتوثيق التاريخي وإدارة الوثائق والمحفوظات، والمؤتمرات والمعارض، وقطاع التأمين، وحماية المستهلك. وتضمّنت البرامج التنفيذية توقيع برنامج تنفيذي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار للأعوام 2023 - 2024 - 2025، ويُذكر في السياق أن نحو 3500 من الطلبة العُمانيّين يدرسون في الجامعات الأردنية. كما تم التوقيع على برنامج تنفيذي لمذكرة تفاهم حول التعاون السياحي للأعوام 2023-2026.
وعلى المستوى السياسي، تناولت المباحثات، الأوضاع الإقليمية والدولية. وكان من العناوين السياسية الأبرز، تأكيد مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة دعم الأشقاء الفلسطينيين في نيل حقوقهم العادلة والمشروعة، وتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين. وإقليميا، أكّدت المباحثات ضرورة العمل على إيجاد حلول سياسية للأزمات التي تشهدها المنطقة، بما يعيد الأمن والاستقرار لشعوبها. وربّما أراد البلدان بهذه التأكيدات، إعادة تركيز الاهتمام نحو القضية الفلسطينية، التي تعاني من محاولات إبعادها عن سلّم أولويات الاهتمام، إقليميا، ودوليا.
إن دور الدبلوماسية العُمانية، المعروفة تاريخيا بفاعليتها وحضورها الإقليمي والدولي الرصين المحترم المتوازن، يتواصل بخطى جديدة وحيوية ملموسة، وبمضامين جديدة ومتجدّدة في عهد السلطان هيثم بن طارق... ومن ملف إيران النووي، إلى ضوء الدور العُماني في آمال حلّ الأزمة اليمنية، إلى غيرها من الفعاليات السياسية والدبلوماسية العُمانية، يتطلّع كل حريص على قضايا إحقاق الحق، والعدل، والاستقرار المبني على احترام الحقوق، إلى تكامل الدور العُمانيّ مع الدور الأردني، إقليميا ودوليا. فالحضور الأردني المميّز على الساحة الدولية، ومركزية هذا الدور في منطقة الشرق الأوسط، يتعزّز بالضرورة، حين يتلاقى مع دور سلطنة عُمان، وخاصة في القضايا الاستراتيجية، وعلى رأسها، القضية الفلسطينية، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وحين تكون مسألة التوصل إلى حلّ عادل للقضية الفلسطينية، مسألة أقرب إلى أن تكون قضية أردنية داخلية، فإنها، وكما تؤكّد السلطنة أيضا، مفتاح لا بديل عنه للدخول في طريق استقرار الشرق الأوسط.
وفي بُعد متّصل، يبرز الصدى العامّ الكبير المرحّب بالمواقف المشرّفة لمفتي سلطنة عُمان، الشيخ الجليل العالم أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي، من قضية الشعب الفلسطيني وضرورة استعادة الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وإداناته الصارمة للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين، فيدرك كلّ معنيّ أن الهمّ العربيّ والإسلامي، بل والعالميّ النزيه الحرّ كلّه، يلتقي حول عدالة هذه القضية المركزية، ورفض الظلم الذي يتواصل بالاحتلال والممارسات الإسرائيلية ... وكان من الطبيعي، في هذا المشهد العامّ، أن تنعكس في البيان المشترك مركزية هذه القضية، وضرورة العمل على دعم الأشقّاء الفلسطينيين لنيل حقوقهم.
في هذه الأجواء، من الطبيعي أن يتطلّع الأردنيون لزيارة السلطان هيثم بن طارق للأردن، بعد ترحيبه بدعوة الملك عبد الله الثاني له لزيارة الأردن، والأمل معقود على أن تكون هذه الزيارة القادمة مناسبة لنظرة شاملة إلى ما تمّ إنجازه بين زيارتين، وما سيتمّ إنجازه يقرّره العمل الذي تنفتح له الآن أوسع الأبواب. والعبرة ستكون، في الجهد المبذول، والنتائج التي نأمل أن تتحقّق...