التوعية القانونية بآفة المخدرات
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/07 الساعة 15:07
مدار الساعة -أظهرت نتائج استطلاع الرأي الصادر مؤخرا عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أن (91%) من الأردنيين يعتقدون أن تعاطي المخدرات وتجارتها قد أصبح منتشرا في الأردن، وأن (14%) منهم يرون أنها السبب الرئيسي في انتشار العنف المجتمعي. فهذه النسب والأرقام غير المسبوقة تؤكد على أهمية الدور التوعوي الذي تقوم به دائرة مكافحة المخدرات في مديرية الأمن العام، التي تخوض معركة رابحة مع هذا "الأرهاب الأبيض"، إلى جانب دورها الأمني في ملاحقة مروجي هذه الآفة الخطيرة، وإلقاء القبض عليهم لمجازاتهم وفق أحكام القانون.
ويتسع نطاق التوعية بمخاطر هذه الآفة المجتمعية لتشمل التوعية الصحية والنفسية والاجتماعية، إلا أن التوعية القانونية بالنصوص الناظمة للمسؤولية الجزائية في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (23) لسنة 2016 تبقى الأهم، وذلك لغايات الحد من انتشار هذه الجريمة بين صفوف الشباب، وبالأخص المتعاطين منهم.فقد أعفت المادة (9/ب) من القانون كل من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو يُدمن عليها من تحريك دعوى الحق العام في مواجهته إذا تقدم - قبل أن يتم ضبطه - من تلقاء نفسه أو بواسطة أحد أقربائه إلى المراكز المتخصصة لمعالجة الإدمان التابعة لأي جهة رسمية، أو إلى إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني، طالبا معالجته.
إن المشرع الوطني كان موفقا في صياغة هذا الحكم التشريعي؛ فهو قد توسع في حالات الإعفاء من المسؤولية الجزائية للمتعاطي على المخدرات لتشمل الشخص ذاته أو أي من أقاربه دون تحديد درجة القرابة، إذا ما تقدم أي منهم بطلب المعالجة الصحية لجهات صحية وأمنية عديدة، شريطة أن يتم هذا الطلب قبل ضبط المواد المخدرة مع الشخص المدمن.
فالعلم والإدراك لدى كل من المتعاطين وذويهم بأن طلب العلاج المبكر من شأنه أن يحمي المدمن من الملاحقة الجزائية سيكون كفيلا بأن يدفع الشباب المتورطين وأفراد عائلتهم إلى اللجوء للمساعدة الطبية، خاصة وأن المادة (9/هـ) من القانون ذاته تنص صراحة على مراعاة السرية التامة فيما يخص هوية الأشخاص الذين تتم معالجتهم، وعدم الإفشاء عن أية وقائع أو معلومات تتعلق بهم، وذلك تحت طائلة معاقبة من يفشي هذه المعلومات بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة.
كما يتمثل الوعي القانوني الواجب نقله إلى المؤسسات والهيئات المحلية والخاصة التي تتعامل مع فئة الشباب المدمنين على المخدرات، أن القانون قد نص صراحة على عدم اعتبار تعاطي المادة المخدرة سابقة جرمية أو قيدا أمنيا بحق مرتكبها للمرة الأولى، وذلك حماية لفئة الشباب من أن تلاحقهم هذه النزوة الفردية طيلة حياتهم المهنية والاجتماعية.
كما يُعطي قانون المخدرات والمؤثرات العقلية المحكمة المختصة، وهي محكمة أمن الدولة، الحق في أن تأمر بوضعه في مصحة متخصصة بمعالجة مدمني المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو معالجته في إحدى العيادات المتخصصة بالمعالجة النفسية والاجتماعية، وذلك بدلا من فرض عقوبة الحبس عليه.
إلا أنه وفي ضوء التعديل الأخير على قانون العقوبات لصالح التوسع في العقوبات البديلة السالبة للحرية وصدور نظام وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية رقم (46) لسنة 2022، فإن المشرع الأردني مدعو إلى إدخال التعديلات التشريعية اللازمة التي تُمكّن المحكمة الجزائية المختصة من فرض أي من هذه التدابير على متعاطي المواد المخدرة، والتي تشمل الخدمة المجتمعية المجانية، والمراقبة المجتمعية والإلكترونية، وحظر ارتياد المدمن أماكن محددة لمدة زمنية معينة.
وعند الحديث عن التوعية القانونية بآفة المخدرات، لا بد من الإشارة إلى اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية المنشأة بموجب المادة (31) من القانون، والتي أنيط بها مهمة رسم السياسة العامة لمكافحة انتشار المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها، واقتراح التعديلات التشريعية المناسبة وإعداد مشروعات الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام القانون، بالإضافة إلى المشاركة في إعداد التعليمات والجداول والملاحق الواجب على الجهات ذات العلاقة إصدارها وفقا لأحكام القانون.
إن تشكيلة هذه اللجنة التي يرأسها النائب العام لمحكمة أمن الدولة وتضم في عضويتها أحد قضاة محكمة أمن الدولة ومدعي عام المحكمة، إلى جانب عدد كبير من الممثلين الحكوميين، من شأنه أن يقلل من الدور المأمول من هذه الهيئة الوطنية. فهي تدمج أعضاء من السلطة القضائية المختصين بالفصل في قضايا المخدرات مع شخصيات من السلطة التنفيذية للقيام بأعمال ذات طبيعة إدارية. وهذا ما قد يحدث حالة من التعارض بين المهمة القضائية لممثلي محكمة أمن الدولة والمهام المسندة للهيئة الوطنية في رسم السياسات واقتراح التشريعات.
إن الحاجة ماسة إلى مراجعة قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لصالح تمكين القاضي المعني من تطبيق العقويات البديلة السالبة للحرية، وتعزيز دور اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات من خلال استثناء أي عنصر قضائي في تشكيلها.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
ويتسع نطاق التوعية بمخاطر هذه الآفة المجتمعية لتشمل التوعية الصحية والنفسية والاجتماعية، إلا أن التوعية القانونية بالنصوص الناظمة للمسؤولية الجزائية في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (23) لسنة 2016 تبقى الأهم، وذلك لغايات الحد من انتشار هذه الجريمة بين صفوف الشباب، وبالأخص المتعاطين منهم.فقد أعفت المادة (9/ب) من القانون كل من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو يُدمن عليها من تحريك دعوى الحق العام في مواجهته إذا تقدم - قبل أن يتم ضبطه - من تلقاء نفسه أو بواسطة أحد أقربائه إلى المراكز المتخصصة لمعالجة الإدمان التابعة لأي جهة رسمية، أو إلى إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني، طالبا معالجته.
إن المشرع الوطني كان موفقا في صياغة هذا الحكم التشريعي؛ فهو قد توسع في حالات الإعفاء من المسؤولية الجزائية للمتعاطي على المخدرات لتشمل الشخص ذاته أو أي من أقاربه دون تحديد درجة القرابة، إذا ما تقدم أي منهم بطلب المعالجة الصحية لجهات صحية وأمنية عديدة، شريطة أن يتم هذا الطلب قبل ضبط المواد المخدرة مع الشخص المدمن.
فالعلم والإدراك لدى كل من المتعاطين وذويهم بأن طلب العلاج المبكر من شأنه أن يحمي المدمن من الملاحقة الجزائية سيكون كفيلا بأن يدفع الشباب المتورطين وأفراد عائلتهم إلى اللجوء للمساعدة الطبية، خاصة وأن المادة (9/هـ) من القانون ذاته تنص صراحة على مراعاة السرية التامة فيما يخص هوية الأشخاص الذين تتم معالجتهم، وعدم الإفشاء عن أية وقائع أو معلومات تتعلق بهم، وذلك تحت طائلة معاقبة من يفشي هذه المعلومات بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة.
كما يتمثل الوعي القانوني الواجب نقله إلى المؤسسات والهيئات المحلية والخاصة التي تتعامل مع فئة الشباب المدمنين على المخدرات، أن القانون قد نص صراحة على عدم اعتبار تعاطي المادة المخدرة سابقة جرمية أو قيدا أمنيا بحق مرتكبها للمرة الأولى، وذلك حماية لفئة الشباب من أن تلاحقهم هذه النزوة الفردية طيلة حياتهم المهنية والاجتماعية.
كما يُعطي قانون المخدرات والمؤثرات العقلية المحكمة المختصة، وهي محكمة أمن الدولة، الحق في أن تأمر بوضعه في مصحة متخصصة بمعالجة مدمني المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو معالجته في إحدى العيادات المتخصصة بالمعالجة النفسية والاجتماعية، وذلك بدلا من فرض عقوبة الحبس عليه.
إلا أنه وفي ضوء التعديل الأخير على قانون العقوبات لصالح التوسع في العقوبات البديلة السالبة للحرية وصدور نظام وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية رقم (46) لسنة 2022، فإن المشرع الأردني مدعو إلى إدخال التعديلات التشريعية اللازمة التي تُمكّن المحكمة الجزائية المختصة من فرض أي من هذه التدابير على متعاطي المواد المخدرة، والتي تشمل الخدمة المجتمعية المجانية، والمراقبة المجتمعية والإلكترونية، وحظر ارتياد المدمن أماكن محددة لمدة زمنية معينة.
وعند الحديث عن التوعية القانونية بآفة المخدرات، لا بد من الإشارة إلى اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية المنشأة بموجب المادة (31) من القانون، والتي أنيط بها مهمة رسم السياسة العامة لمكافحة انتشار المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها، واقتراح التعديلات التشريعية المناسبة وإعداد مشروعات الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام القانون، بالإضافة إلى المشاركة في إعداد التعليمات والجداول والملاحق الواجب على الجهات ذات العلاقة إصدارها وفقا لأحكام القانون.
إن تشكيلة هذه اللجنة التي يرأسها النائب العام لمحكمة أمن الدولة وتضم في عضويتها أحد قضاة محكمة أمن الدولة ومدعي عام المحكمة، إلى جانب عدد كبير من الممثلين الحكوميين، من شأنه أن يقلل من الدور المأمول من هذه الهيئة الوطنية. فهي تدمج أعضاء من السلطة القضائية المختصين بالفصل في قضايا المخدرات مع شخصيات من السلطة التنفيذية للقيام بأعمال ذات طبيعة إدارية. وهذا ما قد يحدث حالة من التعارض بين المهمة القضائية لممثلي محكمة أمن الدولة والمهام المسندة للهيئة الوطنية في رسم السياسات واقتراح التشريعات.
إن الحاجة ماسة إلى مراجعة قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لصالح تمكين القاضي المعني من تطبيق العقويات البديلة السالبة للحرية، وتعزيز دور اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات من خلال استثناء أي عنصر قضائي في تشكيلها.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
مدار الساعة ـ نشر في 2022/10/07 الساعة 15:07