طلب الصدقة لغيره لكنه أخذها لنفسه؛ لفقره
مدار الساعة -السؤال:رجل فقير يسأل الصدقة لنفسه ولكن بطريق غير مباشر؛ لأنه يحرج من هذا، فيقول: أعرف شخصا يحتاج إلى صدقة، فيعطيه الناس، ثم يأخذها لنفسه؟ فيكون بفعله قد حفظ كرامته أمام الناس، فما حكم ذلك؟
الجواب:حكم سؤال الناس شيئا من المال.
ومن وكل بتوزيع الصدقة وحكم الأخذ منها لنفسه إن كان فقيرا
الحمد لله.
أولا:
حكم سؤال الناس شيئا من المال
الأصل تحريم سؤال الناس؛ إلا في حالات مستثناة.
فقد روى البخاري (1475)، ومسلم (1040) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ).
وروى الترمذي (650)، وأبو داود (1626)، والنسائي (2592)، وابن ماجه (1840) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ)، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا يُغْنِيهِ ؟ قَالَ : (خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ).
ولا تحل مسألة الناس إلا في حالات ضيقة؛ لما ما روى مسلم (1044): "عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ -أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ-، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ، سُحْتًا؛ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/375): " يجوز سؤال الناس شيئا من المال، للمحتاج الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يقدر على التكسب، فيسأل الناس مقدار ما يسد حاجته فقط.
وأما غير المحتاج، أو المحتاج الذي يقدر على التكسب: فلا يجوز له المسألة، وما يأخذه من الناس في هذه الحالة حرام عليه؛ لحديث قبيصة..." انتهى.
فلينظر هذا الأخ هل تحل له المسألة أم لا.
ثانيا:
من وكل بتوزيع الصدقة وحكم الأخذ منها لنفسه إن كان فقيرا
اختلف الفقهاء فيمن وكل في توزيع الصدقة أو الزكاة هل له أن يأخذ لنفسه إن كان فقيرا؟
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن وكله في إخراج صدقة على المساكين وهو مسكين , أو أوصى إليه بتفريق ثلثه على قوم وهو منهم , أو دفع إليه مالا وأمره بتفريقه على من يريد , أو دفعه إلى من شاء : فالمنصوص عن أحمد أنه لا يجوز له أن يأخذ منه شيئا، فإن أحمد قال: إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محتاج، فلا يأكل منه شيئا، إنما أمره بتنفيذه [بتنفيذه: يعني: بإيصاله]؛ وذلك لأن إطلاق لفظ الموكل ينصرف إلى دفعه إلى غيره" انتهى من "المغني"(5/70).
وسئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل فقير يأخذ الزكاة من صاحبه الغني بحجة أنه سيوزعها، ثم يأخذها هو؛ فما الحكم في هذا العمل ؟
فأجاب :هذا محرم عليه، وهو خلاف الأمانة ، لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل يدفعه لغيره ، وهو يأخذه لنفسه ، وقد ذكر أهل العلم أن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وكل فيه لنفسه.
وعلى هذا؛ فإن الواجب على هذا الشخص أن يبين لصاحبه أن ما كان يأخذه من قبل كان يصرفه لنفسه، فإن أجازه فذلك، وإن لم يجزه فإن عليه الضمان ـ أي يضمن ما أخذ لنفسه ليؤدي به الزكاة عن صاحبه" انتهى من "فتاوى أركان الإسلام"(ص447).
فهذا فيمن أعطي للتوزيع دون طلب منه، فكيف إذا كان يطلب ويتظاهر أنها لغيره؟!
وإذا أعطي للتوزيع من غير طلب، احتمل أن يدخل في قول المتصدق: أعطه للفقراء، لكن إذا طلب وقال: هناك فقير يحتاج إلى مال، فإن المتبادر إلى ذهن المتصدق أنه لغيره، فلا يدخل في كلامه، فيكون أخذه من المال خيانة للأمانة كما تقدم في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وفتح هذا الباب يترتب عليه فساد عريض، وتوسع في الخيانة، وتساهل في أكل المال بغير حق.
والله أعلم.